أزمات الفاتيكان المالية تحاصر البابا... وتطال رئيس الوزراء الإيطالي

البابا فرنسيس يحيي الجموع من شرفة القصر الرسولي في الفاتيكان الجمعة (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس يحيي الجموع من شرفة القصر الرسولي في الفاتيكان الجمعة (أ.ف.ب)
TT

أزمات الفاتيكان المالية تحاصر البابا... وتطال رئيس الوزراء الإيطالي

البابا فرنسيس يحيي الجموع من شرفة القصر الرسولي في الفاتيكان الجمعة (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس يحيي الجموع من شرفة القصر الرسولي في الفاتيكان الجمعة (أ.ف.ب)

بعد سبع سنوات تقريباً على جلوسه في سدّة بطرس، كأول حبر على رأس الكنيسة الكاثوليكية يسوعي ومن العالم الثالث منذ قرون، ما زال البابا فرنسيس يواجه المتاعب في إدارة شؤون الفاتيكان، أعرق المؤسسات الدينية والسياسية في العالم وأكثرها اختزاناً للأسرار.
إلى جانب المتاعب الناشئة منذ انتخابه عن المعارضة الشديدة التي يلقاها من التيار المحافظ داخل الكنيسة وتداعيات الفضائح الجنسية التي طالت كهنة وأحباراً في بلدان كثيرة، يواجه البابا فرنسيس اليوم أزمة مالية لم يشهد الفاتيكان مثلها منذ عقود عندما كانت تتعاقب على إدارة خزينة الكنيسة فصول هي أقرب إلى المسلسلات البوليسية، من تدخل المافيا إلى المؤامرات وعمليات الاختطاف، وجثث مصرفيين معلّقة تحت جسر في العاصمة البريطانية.
ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها البابا فرنسيس لإصلاح الجهاز الذي يدير الشؤون المالية في الفاتيكان، ما زالت خزانة الكنيسة تعاني من عجز، في حين لم يتمكن الحبر الأعظم بعد من تعيين وزير للاقتصاد عقب إحالة الوزير السابق الكاردينال بيل إلى السجن بتهمة التحرش الجنسي بالأطفال، واندلاع فضيحة الاستثمار العقاري في لندن مؤخراً، التي وصفها وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بيترو باروليبن بالمحرجة.
وتفيد مصادر قريبة من الكنيسة، بأن الحرب الدائرة منذ سنوات بين مراكز النفوذ داخل الفاتيكان، والتي أدّت مؤخراً إلى إزاحة المسؤول الأول عن أمن البابا دومينيكو جياني، الذي أُجبر على الاستقالة، وإبعاد عدد من الكرادلة، وباتت شظاياها تهدّد بإصابة رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي الذي كُلِّف الاستشارة القانونية لعملية الاستثمار عندما كان يدير مكتباً للمحاماة قبل تكليفه رئاسة الحكومة. والعارفون يؤكدون أن هذه ليست سوى البداية.
وكان البابا فرنسيس قد أعلن في بداية حبريّته أنه سيخصص جهده الأول للإصلاح الاقتصادي، وقرر إنشاء وزارة للاقتصاد ما زالت من دون من يشرف عليها، بعد أن تعرّض المدقّق الخارجي الذي عيّنه لمراجعة حسابات الفاتيكان للتهديد ثم للطرد، كما طُرد نائب مدير «المصرف المركزي» جيوليو ماتّييتي الذي يعتبر الذاكرة التاريخية للمؤسسة، من غير أن تُعرف حتى الآن أسباب طرده.
نقطة الانفجار الأخير الذي أدى إلى تبادل الاتهامات بين وزير خارجية الفاتيكان ونائبه السابق، كانت المؤسسة التي تتولّى جمع تبرّعات الكاثوليك في العالم، والتي أُنشئت في عام 1870 بعد أن فقد البابا سيطرته على ما كان يعرف بالدول الحبريّة، وتقرّر أن تهبّ البلدان الكاثوليكية لمساعدة الفاتيكان مالياً.
في عام 2006 بلغت هذه المساعدة 115 مليون دولار، لكنها تراجعت إلى النصف تقريباً في العام الماضي بسبب تراجع عدد أتباع الكنيسة والفضائح الجنسية؛ ما دفع الكنيسة إلى زيادة مخاطر استثماراتها للتعويض على انخفاض المساعدات، وقررت الدخول في رأسمال صندوق استثماري اشترى مؤخراً عقاراً فخماً في حي تشلسي الراقي بالعاصمة البريطانية. وقد شارك في تلك الصفقة الاستثمارية، التي بلغت قيمتها 150 مليون دولار، رئيس الوزراء الحالي جيوزيبي كونتي، قبل شهر من توليه مهامه. وقد اضطرت وزارة خارجية الفاتيكان يومها إلى طلب سحب كامل المبلغ لإتمام الصفقة؛ ما دفع بالنيابة العامة التابعة للكنيسة إلى فتح تحقيق أثار بلبلة واسعة بين بعض المسؤولين في المصرف المركزي، خصوصاً بعد أن أمرت النيابة بتفتيش مكاتب في وزارة الخارجية وسُرّبت أسماء وصورٌ للذين تمّ استدعاؤهم للتحقيق، ومن بينهم المسؤول عن جهاز مكافحة غسل الأموال الذي استحدثه الفاتيكان في عام 2014 لشطب اسمه عن لائحة البنك الدولي للدول المشتبه بضلوعها في مثل هذه الأنشطة.
ويقول الصحافي والكاتب جيان لويجي نوتزي في كتابه «يوم الدين»، استناداً إلى آلاف الوثائق، أن الفاتيكان يواجه، لأول مرة في تاريخه، خطر الإفلاس الحقيقي. لكن الكتاب، الذي يكشف بالأدلة سوء إدارة مالية الفاتيكان لسنوات كثيرة، لا يشير إلى الأصول العقارية الضخمة التي تملكها الكنيسة في إيطاليا، والتي تزيد على 4400 عقار تقدّر قيمتها بنحو 3 مليارات دولار.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المؤسسة التي تشرف على إدارة الأصول العقارية للفاتيكان قد سجلت خسائر، لأول مرة في تاريخها، بقيمة 25 مليون دولار العام الماضي بعد اعتقال مديرها السابق الأسقف نونزيو سكارانو بتهمة غسل الأموال.
لكن ما لا شك فيه أن الأزمة المالية التي يعاني منها الفاتيكان حالياً تتجاوز الحيز الاقتصادي وتلقي بظلالها على الصعوبات التي تواجه البابا فرنسيس في تحقيق الإصلاحات التي وعد بها. وليس أدل على ذلك من قراره الأخير تعيين رئيس جديد للنيابة العام الفاتيكانية، واختياره القاضي جيوزيبي بينياتوني الذي يحمل خبرة طويلة في ملاحقة قضايا المافيا في صقلية وروما.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».