بعد سبع سنوات تقريباً على جلوسه في سدّة بطرس، كأول حبر على رأس الكنيسة الكاثوليكية يسوعي ومن العالم الثالث منذ قرون، ما زال البابا فرنسيس يواجه المتاعب في إدارة شؤون الفاتيكان، أعرق المؤسسات الدينية والسياسية في العالم وأكثرها اختزاناً للأسرار.
إلى جانب المتاعب الناشئة منذ انتخابه عن المعارضة الشديدة التي يلقاها من التيار المحافظ داخل الكنيسة وتداعيات الفضائح الجنسية التي طالت كهنة وأحباراً في بلدان كثيرة، يواجه البابا فرنسيس اليوم أزمة مالية لم يشهد الفاتيكان مثلها منذ عقود عندما كانت تتعاقب على إدارة خزينة الكنيسة فصول هي أقرب إلى المسلسلات البوليسية، من تدخل المافيا إلى المؤامرات وعمليات الاختطاف، وجثث مصرفيين معلّقة تحت جسر في العاصمة البريطانية.
ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها البابا فرنسيس لإصلاح الجهاز الذي يدير الشؤون المالية في الفاتيكان، ما زالت خزانة الكنيسة تعاني من عجز، في حين لم يتمكن الحبر الأعظم بعد من تعيين وزير للاقتصاد عقب إحالة الوزير السابق الكاردينال بيل إلى السجن بتهمة التحرش الجنسي بالأطفال، واندلاع فضيحة الاستثمار العقاري في لندن مؤخراً، التي وصفها وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بيترو باروليبن بالمحرجة.
وتفيد مصادر قريبة من الكنيسة، بأن الحرب الدائرة منذ سنوات بين مراكز النفوذ داخل الفاتيكان، والتي أدّت مؤخراً إلى إزاحة المسؤول الأول عن أمن البابا دومينيكو جياني، الذي أُجبر على الاستقالة، وإبعاد عدد من الكرادلة، وباتت شظاياها تهدّد بإصابة رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي الذي كُلِّف الاستشارة القانونية لعملية الاستثمار عندما كان يدير مكتباً للمحاماة قبل تكليفه رئاسة الحكومة. والعارفون يؤكدون أن هذه ليست سوى البداية.
وكان البابا فرنسيس قد أعلن في بداية حبريّته أنه سيخصص جهده الأول للإصلاح الاقتصادي، وقرر إنشاء وزارة للاقتصاد ما زالت من دون من يشرف عليها، بعد أن تعرّض المدقّق الخارجي الذي عيّنه لمراجعة حسابات الفاتيكان للتهديد ثم للطرد، كما طُرد نائب مدير «المصرف المركزي» جيوليو ماتّييتي الذي يعتبر الذاكرة التاريخية للمؤسسة، من غير أن تُعرف حتى الآن أسباب طرده.
نقطة الانفجار الأخير الذي أدى إلى تبادل الاتهامات بين وزير خارجية الفاتيكان ونائبه السابق، كانت المؤسسة التي تتولّى جمع تبرّعات الكاثوليك في العالم، والتي أُنشئت في عام 1870 بعد أن فقد البابا سيطرته على ما كان يعرف بالدول الحبريّة، وتقرّر أن تهبّ البلدان الكاثوليكية لمساعدة الفاتيكان مالياً.
في عام 2006 بلغت هذه المساعدة 115 مليون دولار، لكنها تراجعت إلى النصف تقريباً في العام الماضي بسبب تراجع عدد أتباع الكنيسة والفضائح الجنسية؛ ما دفع الكنيسة إلى زيادة مخاطر استثماراتها للتعويض على انخفاض المساعدات، وقررت الدخول في رأسمال صندوق استثماري اشترى مؤخراً عقاراً فخماً في حي تشلسي الراقي بالعاصمة البريطانية. وقد شارك في تلك الصفقة الاستثمارية، التي بلغت قيمتها 150 مليون دولار، رئيس الوزراء الحالي جيوزيبي كونتي، قبل شهر من توليه مهامه. وقد اضطرت وزارة خارجية الفاتيكان يومها إلى طلب سحب كامل المبلغ لإتمام الصفقة؛ ما دفع بالنيابة العامة التابعة للكنيسة إلى فتح تحقيق أثار بلبلة واسعة بين بعض المسؤولين في المصرف المركزي، خصوصاً بعد أن أمرت النيابة بتفتيش مكاتب في وزارة الخارجية وسُرّبت أسماء وصورٌ للذين تمّ استدعاؤهم للتحقيق، ومن بينهم المسؤول عن جهاز مكافحة غسل الأموال الذي استحدثه الفاتيكان في عام 2014 لشطب اسمه عن لائحة البنك الدولي للدول المشتبه بضلوعها في مثل هذه الأنشطة.
ويقول الصحافي والكاتب جيان لويجي نوتزي في كتابه «يوم الدين»، استناداً إلى آلاف الوثائق، أن الفاتيكان يواجه، لأول مرة في تاريخه، خطر الإفلاس الحقيقي. لكن الكتاب، الذي يكشف بالأدلة سوء إدارة مالية الفاتيكان لسنوات كثيرة، لا يشير إلى الأصول العقارية الضخمة التي تملكها الكنيسة في إيطاليا، والتي تزيد على 4400 عقار تقدّر قيمتها بنحو 3 مليارات دولار.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المؤسسة التي تشرف على إدارة الأصول العقارية للفاتيكان قد سجلت خسائر، لأول مرة في تاريخها، بقيمة 25 مليون دولار العام الماضي بعد اعتقال مديرها السابق الأسقف نونزيو سكارانو بتهمة غسل الأموال.
لكن ما لا شك فيه أن الأزمة المالية التي يعاني منها الفاتيكان حالياً تتجاوز الحيز الاقتصادي وتلقي بظلالها على الصعوبات التي تواجه البابا فرنسيس في تحقيق الإصلاحات التي وعد بها. وليس أدل على ذلك من قراره الأخير تعيين رئيس جديد للنيابة العام الفاتيكانية، واختياره القاضي جيوزيبي بينياتوني الذي يحمل خبرة طويلة في ملاحقة قضايا المافيا في صقلية وروما.
أزمات الفاتيكان المالية تحاصر البابا... وتطال رئيس الوزراء الإيطالي
أزمات الفاتيكان المالية تحاصر البابا... وتطال رئيس الوزراء الإيطالي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة