إيقاف محمد الشرنوبي عن الغناء في مصر

استُثني حفله بمهرجان الموسيقى العربية من القرار

إيقاف محمد الشرنوبي عن الغناء في مصر
TT

إيقاف محمد الشرنوبي عن الغناء في مصر

إيقاف محمد الشرنوبي عن الغناء في مصر

قررت نقابة المهن الموسيقية المصرية وقف الفنان محمد الشرنوبي، عن الغناء لحين حل النزاع بينه وبين المنتجة المصرية سارة الطباخ مالكة شركة «إيرث برودكشن»، بعد أن تقدمت الشركة بشكوى ضد الفنان لدى النقابة لقيامه بعدم تنفيذ وبإخلال بنود تعاقده الذي تم في نهاية عام 2017.
ورغم قرار إيقافه عن الغناء فإن الشرنوبي ستكون لديه فرصة للظهور أمام الجمهور عبر مهرجان الموسيقى العربية الذي تستضيفه دار الأوبرا المصرية حالياً في الليلة الحادية عشرة من المهرجان بالمشاركة مع السورية فايا يونان والمصرية كارمن سليمان.
وتم استثناء تطبيق القرار على المهرجان، بعد موافقة الطباخ على ظهور الشرنوبي به للحفاظ على سمعة المهرجان العريق، حسب حسام الدين السنهوري، محامي سارة الطباخ الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «محمد الشرنوبي أخلّ بكل بنود تعاقده مع شركة (إيرث برودكشن) المملوكة لسارة الطباخ، ولذا لم يكن أمام الشركة إلا اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، وإيقافه عن الغناء».
ووفق السنهوري فإن «الطباخ تعاقدت مع الشرنوبي في الأول من شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2017 تحت عقد بمسمى إنتاج وإدارة أعمال فنية، وبالفعل تم إنتاج ألبوم غنائي له بعنوان (زي الفصول الأربعة) وتضمن 11 أغنية مع كبار شعراء وملحني مصر والوطن العربي، وتم تنظيم حفلات غنائية له في أهم المدن المصرية، إلى أن بدأ الشرنوبي بإخلال بنود تعاقده منذ منتصف العام الجاري، حيث قام بإلغاء التوكيل المحرر منه لموكلتي رغم أن التوكيل يسمح لها بإدارة أعماله، كما قام بإذاعة إحدى أغنياته المملوكة لسارة الطباخ على مواقع شركات أخرى، بجانب مشاركته في أعمال سينمائية من دون إذن سارة الطباخ».
وهذه هي ليست المرة الأولى التي توقف فيها نقابة المهن الموسيقية أحد أعضائها بسبب إخلاله ببنود التعاقد مع شركات فنية، ففي عام 2017 تم إيقاف الفنان أحمد سعد بسبب عدم التزامه بتعاقده مع إحدى الشركات، لإحياء عدة حفلات فنية. فيما تعود أشهر واقعة إيقاف إلى الفنانة شيرين عبد الوهاب عام 2007، حيث أوقفتها النقابة بعد إخلالها بتعاقدها مع المنتج نصر محروس مالك شركة «فري ميوزيك» واستمر الإيقاف لعدة أشهر.
وقال الموسيقار أحمد رمضان، سكرتير عام نقابة الموسيقيين، لـ«الشرق الأوسط»: «التعاقد شريعة المتعاقدين، والعقد بين سارة الطباخ ومحمد الشرنوبي ينص على أن يعمل معها لمدة 10 سنوات ولا ينتهي التعاقد إلا بعد مرور 8 أشهر على طرح آخر ألبوم غنائي بينهما». مشيراً إلى أن «الشرنوبي وقع في أخطاء جسيمة خالف بها العقد المبرم بينهما بعد قيامه بالغناء مع فرقة (بلاك تيما) من دون إذن من الشركة، وقيامه بإلغاء التوكيل المحرر منه لسارة الطباخ، وقيامه بالتعاقد مع شركة أفلام (أوف إيجيبت) من أجل المشاركة في فيلم (شريط 6)، في حين أن سارة التزمت تماماً بكل بنود التعاقد وحققت له كل ما يريده، لذلك تم اتخاذ قرار بإيقافه من قبل الشؤون القانونية بالنقابة إلى أن يتم حل النزاع بينهما».
في المقابل قال محمد الشرنوبي في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه «الحكاية» على قناة «إم بي سي مصر»، إن «مشاركته في فيلم (الممر) كانت بعلم المنتجة سارة الطباخ، بدليل ظهورها في كليب أغنية الفيلم»، وأضاف: «إنه ترك العمل بالشركة لعدم رغبته في الاستمرار في العمل معها، ورفع دعوى في المحكمة الاقتصادية لفسخ العقد». وزاد: «أنا مخطئ ومعترف بخطئي لكن الشرط الجزائي الموقّع عليّ كبير للغاية لأنه يصل إلى 600 ألف دولار».
يشار إلى أن الشرنوبي والطباخ قد أعلنا خطوبتهما في منتصف العام الجاري، ونشرا العديد من الصور التي تجمعهما عبر حساباتهما الرسمية على مواقع التواصل، لكن بعد أقل من شهر تم فسخ الخطوبة وحذفا صورهما التي تجمعهما معاً. وفي 21 يوليو (تموز) الماضي، أعلن الشرنوبي لأول مرة عن وجود أزمة حقيقية قد تعطله عن السير قُدماً في مشواره الفني، بسبب عقد الاحتكار الذي وقّعه مع المنتجة سارة الطباخ التي جمعته بها خطبة قصيرة الأمد.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)