في ذكرى اكتشافها... قصة مقبرة الفرعون الغامض «توت عنخ آمون»

الملك الصغير أثار حيرة العلماء بسبب الأمراض التي أصيب بها والكنوز التي عثر عليها في محل دفنه

المصحح: محمدعبدالله
المصحح: محمدعبدالله
TT

في ذكرى اكتشافها... قصة مقبرة الفرعون الغامض «توت عنخ آمون»

المصحح: محمدعبدالله
المصحح: محمدعبدالله

حينما ارتحل عالم المصريات الإنجليزي هوارد كارتر، إلى مصر بعمر 17 سنة، تاركاً بلاده، منطلقاً إلى وادي الملوك في جنوب مصر، ليبدأ خطاه بتعلم الرسم والنحت ثم يتبع شغفه في علوم الاستكشاف والتنقيب، لم يكن يعلم أن اسمه سيرتبط إلى الأبد باكتشاف أيقونة الحضارة المصرية القديمة بعد 15 عاماً من البحث.
ويُجمع علماء المصريات حول العالم على أن عظمة اكتشاف مقبرة الملك «توت عنخ آمون» الملقب بالفرعون الصغير ليست لأنه ملك محارب أسهم في توسيع أرجاء الإمبراطورية المصرية كأسلافه، أو لأنه كان ملك بناء أقام العديد من المعابد والمنشآت، ولكن لأن القدر أراد لمقبرته أن تختفي عن أعين اللصوص، فتظل محتفظة بكنوزها حتى يومنا هذا، والتي أسهمت بشكل بالغ في الكشف عن جانب من التاريخ المصري القديم، لما قدمته من معلومات وتفاصيل مهمة لتلك الحقبة الزمنية في عمر الحضارة الإنسانية.
ولا يوجد دليل على تأثير اكتشاف مقبرة الملك توت أكبر من الإقبال على معرض «توت عنخ آمون: كنوز الفرعون الذّهبي» الذي تستضيفه بلاد المكتشف كارتر هذه الأيام، بغاليري ساتشي لمدة 6 أشهر، وبالتزامن مع مرور ما يقرب من 100 عام على اكتشاف المقبرة الذهبية لأصغر ملوك مصر، ليعود الملك بقطعه الأثرية الفريدة إلى مدينة المستكشف كارتر مرة أخرى من جديد، وذلك ضمن جولة لمقتنيات الفرعون الذهبي لزيارة 10 مدن عالمية حول العالم.

مقتنيات المقبرة
عثر داخل المقبرة على 3500 قطعة من المحتويات موزعة في الغرف المختلفة، تعطينا فكرة عن طريقة المعيشة في القصر الملكي، فقد وجد كارتر الذي اكتشف المقبرة عام 1922 ملابس توت عنخ آمون وحلياً ذهبية وأقمشة وعدداً كبيراً من الجعارين، وتماثيل، وكذلك أوعية ومواد للزينة وبخوراً.
كما عثر على قطع أثاث وكراسي ومصابيح بالزيت، وقطعاً للألعاب، ومخزونات غذاء ومشروبات وأوعية ذهبية وفخارية، وعربات (كانت تجرها الخيول) ومعدات حربية.

الفرعون الذهبي وتولي العرش
تولى الملك توت عنخ آمون عرش مصر في فترة تغيير جذري عام 1336 ق.م، بعد أن قام إخناتون بتغيير الديانة الرسمية لمصر من الآلهة إلى عبادة إله واحد، هو آتون إله الشمس؛ ولكن سرعان ما عادت الأمة المصرية لعبادة آلهتها التقليدية بعد وفاة إخناتون.
وكان عمره لا يتجاوز الـ11 عاماً حينما تولى الحكم الذي استمر نحو 9 سنوات، وتوفي في عمر الـ19 عام 1323 ق. م. وبعد 70 يوماً تم فيها تحنيط جسد الملك الصغير تم دفنه في المقبرة التي أخذت رقماً في وادي الملوك بالأقصر وهي المقبرة «رقم 62»، التي لم تطلها أيادي اللصوص منذ وفاة الملك توت حتى 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922، حيت اكتشف العالم هوارد كارتر أول درجة سلم في درجات السلالم التي يبلغ عددها 16 درجة في المقبرة، وفي نهاية اليوم التالي تم الكشف عن كل درجات السلالم، وفي نهاية نوفمبر وصل كارتر إلى الغرفة الأمامية بالمقبرة وباقي الغرف، وفي أواخر شهر نوفمبر افتُتحت المقبرة رسمياً، وخرجت أول قطعة أثرية من المقبرة في شهر ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام وبدأت عملية تنظيف الغرفة الأمامية والتي استغرقت نحو 7 أسابيع.

المقبرة رقم «62»
تنقسم المقبرة إلى المدخل A بسلالم تتكون من 16 درجة، يتبعه دهليز مائل طوله 7 أمتار، ثم حجرة أمامية مستطيلة الشكل عرضية يبلغ طولها 8 أمتار وعرضها 3.67 متر. تتفرع منها في اتجاه الشمال حجرتان: حجرة التابوت وحجرة الكنوز، كما تتفرع من الحجرة الأمامية حجرة إضافية صغيرة نحو الغرب. وحوائط المقبرة غير مزينة ما عدا غرفة التابوت، فعليها نقوش من كتاب الموتى وعدة صور تصور توت عنخ آمون في مقابلته للآلهة في العالم الآخر.

سلسلة من الغموض حول وفاته
أعلن عالم الآثار المصري زاهي حواس في عام 2010 عن مجموعة من الاكتشافات العلمية التي تحل العديد من ألغاز نهايات الأسرة الثامنة عشرة ومنها لغز وفاة توت عنخ آمون، فبتحليل الحمض النووي لمومياء الملك توت أظهرت النتائج أن سبب الوفاة يرجع لطفيل الملاريا، ومن المرجح أن المضاعفات الناجمة بشكل حاد عن المرض أدت لوفاته، كما كشف تحليل الحمض النووي والمسح بالأشعة المقطعية لمومياء توت عنخ آمون أن الملك إخناتون هو والد الملك توت.
وكشفت النتائج أيضاً أن الأمراض الجينية والوراثية لعبت دوراً في وفاة توت عنخ آمون، حيث كان يعاني من خلل جيني متوارث في العائلة وكان هناك ضعف وأمراض في هذه المومياوات، ومشكلات ذات علاقة بالقلب والأوعية الدموية.
وعندما قام الباحثون بإجراء مسح لمومياء توت عنخ آمون، اكتشفوا إصابته بالعديد من الأمراض مثل إصابته باحدوداب في عموده الفقري، إلى جانب تشوه إصبع القدم الكبيرة، الأمر الذي أدى إلى ضمور في قدمه اليسرى.
وقال حواس حينها في مؤتمر صحافي في حديقة المتحف المصري بالقاهرة: «إن الرسومات القديمة كانت تصور توت عنخ آمون وهو يطلق السهام، في أثناء جلوسه في العربة التي تجرّها الخيل، وليس في أثناء وقوفه، وهو أمر غير عادي وفي قبره، عثرنا على 100 عصاة للمشي، وفي البداية اعتقدنا أنها تمثل السلطة والقوة، ولكن تبين أنها عكازات قديمة كان يستخدمها، فهو بالكاد كان يستطيع السير والمشي».
كما أوضح حواس أن المسح الكومبيوتري للمومياء في عام 2005 كان يهدف إلى التحقق من أنه تعرض للقتل، نظراً إلى أن الصور السابقة بأشعة إكس كشفت عن وجود ثقب في جمجمته، مضيفاً أنه تبين أن هذا الثقب تم في أثناء عملية التحنيط، غير أنه تم اكتشاف كسر في عظم الساق اليسرى، ربما يكون له دور في وفاة الفرعون الصغير.


مقالات ذات صلة

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

يوميات الشرق وجه «مومياء المرأة الصارخة» التي اكتشفت عام 1935 في الدير البحري بالقرب من الأقصر ويرجع تاريخها لنحو 1500 قبل الميلاد خلال فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة تظهر بالمتحف المصري في القاهرة - 18 يناير 2023 (رويترز)

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية دُفنت منذ نحو 3500 عام، وتبدو على وجهها علامات صراخ، «ماتت وهي تتألّم».

شادي عبد الساتر (بيروت)
يوميات الشرق كان شمع العسل والزيت النباتي وصمغ الأشجار من بين المكونات التي شكلت الرائحة منذ أكثر من 3500 عام (تويتر - باربرا هوبر)

إعادة إنتاج «رائحة الخلود» المستخدمة في التحنيط عند المصريين القدماء

تمكّن الباحثون من إعادة تركيب ما يصفونها بـ«رائحة الخلود»، التي كانت تعدّ في السابق مناسبة لسيدة نبيلة مصرية قديمة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق نقوش على جدران إحدى المقابر الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

اكتشاف «أكبر» ورشتي تحنيط آدمية وحيوانية في سقارة

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية الكشف عن ورشتي تحنيط آدمية وحيوانية، وصفتهما بأنهما «الأكبر» و«الأكثر اكتمالاً».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق تفاؤل مصري بحجم الإقبال على «رمسيس وذهب الفراعنة» بباريس

تفاؤل مصري بحجم الإقبال على «رمسيس وذهب الفراعنة» بباريس

أبدى مسؤولون مصريون تفاؤلهم بحجم الإقبال على معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» بالعاصمة الفرنسية باريس، الذي تم فتح أبوابه للجمهور بداية من الجمعة. وشهدت «صالة عرض لافيليت»، إقبالاً لافتاً من الجمهور في أولى ساعات فتح المعرض، ووفق الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للآثار»، فإنه تم حتى الآن بيع 165 ألف تذكرة لزيارة المعرض، وتوقع استقبال المعرض 10 آلاف زائر يومياً. وأضاف د.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق «رمسيس وذهب الفراعنة» يبدأ استقبال زائريه في باريس

«رمسيس وذهب الفراعنة» يبدأ استقبال زائريه في باريس

يبدأ معرض «رمسيس وذهب الفراعنة»، اليوم (الخميس)، استقبال زائريه لمدة 5 شهور، في قاعة «لافيليت الكبرى» بالعاصمة الفرنسية، باريس، في ثالث محطات جولاته الخارجية التي شملت مدينتي هيوستن وسان فرانسيسكو الأميركيتين. ويضم المعرض 181 قطعة أثرية ثمينة من كنوز الملك رمسيس الثاني، من بينها «التابوت الملكي»، الذي وافقت السلطات المصرية على نقله إلى فرنسا بشكل استثنائي، لعرضه ضمن المعرض، تقديراً لجهود العلماء الفرنسيين الذين أنقذوا مومياء رمسيس الثاني، وعالجوها من الفطريات بالأشعة السينية عام 1976. وبذلك تكون فرنسا الوحيدة التي تستقبل التابوت الملكي من جديد للمرة الثانية. واكتشف التابوت في خبيئة الدير البحر

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

الذكاء الاصطناعي يعجز عن حل مسائل الرياضيات الصعبة

تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
TT

الذكاء الاصطناعي يعجز عن حل مسائل الرياضيات الصعبة

تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)

قام فريق دولي من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي وعلماء الرياضيات التابعين لعدة مؤسسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتطوير مقياس رياضي، يسمح للعلماء باختبار قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي على حل مشاكل رياضية صعبة للغاية.

وأظهرت نتائج دراستهم المنشورة على منصة «أركيف بريبرنت (arXiv preprint)» للأوراق البحثية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي حققت درجات جيدة من قبل، وفق كثير من المعايير والمقاييس التقليدية، لم تتمكن من تسجيل درجات أعلى من 2 في المائة في تقديم حلول للمسائل الرياضية الصعبة، وفق مقياس الاختبارات الجديد.

ووفق بيان منشور، الثلاثاء، على منصة «ساينس إكس نتورك» فإنه على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت برامج الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق مثل «شات جي بي تي (ChatGPT)» أكثر تطوراً، وبالتالي تبدو في بعض الأحيان وكأنها تتمتع بمستوى عالٍ جداً من الذكاء يجعلها قادرة على حل كثير من المعضلات في كثير من المجالات المختلفة. إلا أنه وفقاً لنتائج الدراسة الأخيرة هناك مجال واحد لا يزالون يفشلون فيه، حل مشاكل الرياضيات الصعبة.

ومع استمرار عمل مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين مهارات الرياضيات في نماذجهم، فقد طوروا عدداً من المقاييس لتكون بمثابة وسيلة لاختبار تقدمهم، ومنها اثنان هما الأكثر شعبية؛ MATH وGSM8K.

وبمرور الوقت، تحسنت برامج ذكاء اصطناعي إلى الحد الذي أصبحت فيه قادرة على تسجيل درجات تصل إلى 90 في المائة في هذه اختبارات تلك المقاييس.

ولكن كما لاحظ أعضاء فريق الدراسة، فإن مستوى صعوبة مثل هذه المقاييس ليس مرتفعاً بما يكفي، لذا قرروا أن هناك حاجة إلى مقياس جديد لاختبارات قدرات الذكاء الاصطناعي في حل المسائل الرياضية الصعبة، وعليه أنشأوا مقياساً جديداً يفي بهذا الغرض، أطلقوا عليه اسم FrontierMath، وهو الذي يقدم مقياساً مستمراً للتقدم في التفكير الرياضي المعقد للذكاء الاصطناعي.

ومن ثم تواصل فريق البحث مع بعض من ألمع العقول في مجال الرياضيات، وطلبوا منهم تقديم بعض مسائل الرياضيات الصعبة حقاً، وبالفعل تلقوا المئات منها.

وكما يقول الباحثون، فإن «مثل هذه المسائل ليست فريدة من نوعها فحسب، بل إنها تتطلب أيضاً مستوى عميقاً من الفهم للرياضيات. وقد يستغرق حل بعضها عدة أيام». كما تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع، من نظرية الأعداد إلى الهندسة الجبرية (أحد فروع علم الجبر). وللحصول على درجات جيدة في معيار FrontierMath، يجب أن يتمتع نظام الذكاء الاصطناعي بالإبداع والبصيرة، وما يصفه فريق البحث بـ«الخبرة العميقة في المجال».

ويوضح الباحثون: «نجحت نماذج الذكاء الاصطناعي في حل أقل من 2 في المائة من المسائل الرياضية الصعبة فقط، مما يكشف عن فجوة هائلة بين قدراتها، وبراعة أفراد المجتمع العلمي الرياضي من العلماء والباحثين».

وأضافوا: «رغم تقدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في محاولة للوصول إلى القدرات الرياضية نفسها على مستوى الخبراء والمتخصصين، فإن منصة FrontierMath تقدم اختبارات صارمة تستطيع أن تقيس مدى هذا التقدم».