كيف تساعد جسمك على التكيف مع الطقس البارد؟

أناس يسيرون تحت المظلات أثناء هطول أمطار غزيرة في موسكو (إ.ب.أ)
أناس يسيرون تحت المظلات أثناء هطول أمطار غزيرة في موسكو (إ.ب.أ)
TT
20

كيف تساعد جسمك على التكيف مع الطقس البارد؟

أناس يسيرون تحت المظلات أثناء هطول أمطار غزيرة في موسكو (إ.ب.أ)
أناس يسيرون تحت المظلات أثناء هطول أمطار غزيرة في موسكو (إ.ب.أ)

مع بداية فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، هناك أخبار جيدة عن كيفية جعل جسمك يتأقلم مع الطقس البارد بطريقة أسرع.
فمنذ ستينات القرن الماضي، وجد باحثو الجيش الأميركي أن الرجال الذين يتخففون من ملابسهم ويمضون 8 ساعات في اليوم في غرفة تبلغ درجة حرارتها 10 درجات مئوية يعتادون على البرد وتتوقف أجسادهم عن الارتعاش بعد أسبوعين من الانتظام على هذه العملية.
ومؤخراً، خلصت أبحاث أُجريت بالتعاون بين باحثين من المملكة المتحدة والدول الاسكندنافية إلى أنه يمكن للناس التعود على البيئات الباردة، وأن كل البشر لديهم بعض القدرة على التأقلم مع البرودة، حسب ما نقلته مجلة «تايم» الأميركية.
وحسب دراسة نُشرت عام 2014 في مجلة «بلوس وان» العلمية، قضت مجموعة من الرجال الأصحاء ما يصل إلى 3 ساعات في اليوم جالسين في حمامات مليئة بالمياه عند درجة حرارة 14 مئوية، وفي بداية الدراسة التي استمرت 20 يوماً، كان الرجال يرتعشون كثيراً في البداية، وهي الاستجابة الأولية والطبيعية من الجسم البشري تجاه الجو البارد.
لكن بحلول اليوم العشرين كان الكثير قد تغير، فقد توقف الارتعاش إلى حد كبير، ويبدو أن أجسادهم تعودت على الطقس البارد بصورة أكبر.
ويقول ماريوس برازيتيس، مؤلف الدراسة، إن جسم الإنسان يمتلك عدداً من الآليات المختلفة التي تساعده على التكيف مع البرد. لكن معظم الناس في العالم المتقدم يقمع هذه الآليات التكيفية، على الأقل إلى حد ما.
ويضيف: «ارتداء مزيد من الملابس، وشرب مزيد من المشروبات الساخنة، وزيادة درجة حرارة الغرفة، واستهلاك مزيد من الطعام لزيادة معدل الأيض (الحرق) الداخلي... هذا السلوك لا يسمح للجسم أن يصبح أكثر مقاومة للبرد».
وهناك بعض التغيرات التي يمر بها الجسم في الطقس البارد للتكيف، أولها زيادة حرق الدهون، بما قد يساعد الجسم على توليد الحرارة استجابة لظروف البرد المستمرة.
ويقول برازيتيس؛ إنه للشعور براحة أكبر في درجات الحرارة الباردة خلال أسبوع واحد فقط، يجب ضبط منظم درجة حرارة الجسم الداخلي على درجة حرارة منخفضة قليلاً عن طريق إزالة بعض الطبقات من الملابس، وقضاء مزيد من الوقت في الخارج في ظروف باردة، لأن «أي شيء يسبب لك الارتعاش سيساعد جسمك على التأقلم مع البرد».
أما أسرع طريقة للتكيف مع البرد فهي كما يقول جون كاستيلاني، العالم في الجيش الأميركي: «الاستحمام بالماء البارد». ويمكن البدء بحمام بارد سريع لمدة 15 ثانية فقط، مع إضافة 10 ثوانٍ كل يوم.
ويعتبر قضاء الوقت في الحمام البارد أو في بيئات باردة أخرى أمراً آمناً بالنسبة لمعظم الأشخاص، ويوفر بعض الفوائد الصحية. لكن الأشخاص المعرضّين لخطر الإصابة بالأزمة القلبية يحتاجون إلى توخي الحذر.
ويضيف كاستيلاني: «أول شيء يحدث عندما تتعرض للبرد هو أن الأوعية الدموية تضيق ويرتفع ضغط الدم»، لذلك فإن التعرض للبرد الشديد، مثل القفز في ماء بارد بشدة، يمكن أن يؤدي إلى نوبة قلبية أو مشكلات أخرى عند الأشخاص المصابين بأمراض القلب.
أما إذا كان قلبك بصحة جيدة وكنت تتطلع إلى تسخير قدرة الطبيعة للتكيف مع البرد، فيجب أن تُمضي أسبوعاً من الارتعاش، سواء بالخروج لمناطق البرودة الشديدة، أو ببضع رشات من المياه الباردة.



العين الزرقاء وأسئلة لبنان الصعبة في معرض رمزي ملاط البيروتي

تدرّج رمزي ملاط في محاولة قراءة المجتمع من النظرة المبسّطة إلى التعقيد (الشرق الأوسط)
تدرّج رمزي ملاط في محاولة قراءة المجتمع من النظرة المبسّطة إلى التعقيد (الشرق الأوسط)
TT
20

العين الزرقاء وأسئلة لبنان الصعبة في معرض رمزي ملاط البيروتي

تدرّج رمزي ملاط في محاولة قراءة المجتمع من النظرة المبسّطة إلى التعقيد (الشرق الأوسط)
تدرّج رمزي ملاط في محاولة قراءة المجتمع من النظرة المبسّطة إلى التعقيد (الشرق الأوسط)

رسخت في ذاكرة اللبناني رمزي ملاط العيون الزرقاء المُعلَّقة على سيارات، وجدران منازل، وأثواب أطفال. لم يُفارقه مشهدها وهي مصوَّبة مثل رشقات. فُتن بالعيون، وفكَّر في كل مرة كان يسمع بـ«صيبة العين»، بمعنى الأزرق والسواد الذي يتوسّطه بياضٌ هائم.

يوظّف رمزي ملاط فنّه في محاولة التوصّل إلى إجابات (الشرق الأوسط)
يوظّف رمزي ملاط فنّه في محاولة التوصّل إلى إجابات (الشرق الأوسط)

كبُر وسافر، وظلَّ السؤال مُعلَّقاً. والشاب يمضي أيامه في البحث، ويوظّف فنّه في محاولة التوصّل إلى إجابات. شغلته استفسارات مُرهِقة، مثل «كيف نتعاطى مع الريبة والمجهول؟». شعر بالحاجة إلى ملء فراغات الفَهْم. تَعلُّمه بمدارس فرنسية سلخه بعض الشيء عن «محيطه»، فقد درس الثقافة الفرنكوفونية قبل التماس أحوال لبنان. حرّكت الحرب الأخيرة أسئلته، وهي لم تُطمَر يوماً، بل تستّرت بالبُعد والانشغال. تذكَّر العين الزرقاء وأداءها وظيفة صدّ الشرور، فأسقطها على بلده تحت النار. يقول لـ«الشرق الأوسط»، جالساً على كرسي يتوسّط فضاء العرض في مساحة «تايك أوفر» بمنطقة الأشرفية البيروتية؛ وحوله عشرات العيون تشخص في أرجاء معرضه المستمرّ حتى 12 أبريل (نيسان) الحالي: «شعرتُ بالحاجة المُلحَّة إلى حماية الأرض. تهيأتْ لي الجبال وأنا أُسيّجها بالعيون الزرقاء لبثّ الأمان بالتوازي مع ترجمة القلق. طوّرتُ ممارساتي هذه لتنمّ عن أشكال متعدّدة لتلك العين، منها مصنوع من البرونز والبلاط والسيراميك، ويتّخذ طابعاً قديماً. الشرّ جذور هذه التصوّرات، ووجهها الآخر يتعلّق بالحماية. لفتني النقيض: العنف والاحتماء. وجدتُه في عمق السياق اللبناني، حيث استحالة الطمأنينة حتى تحت سقوف المنازل».

الشرّ جذور هذه التصوّرات أما وجهها الآخر فيتعلّق بالحماية (الشرق الأوسط)
الشرّ جذور هذه التصوّرات أما وجهها الآخر فيتعلّق بالحماية (الشرق الأوسط)

تخصَّص بالفنون الجميلة في إنجلترا، وعاد إلى لبنان ليشهد على أزماته. ممارساته الفنية ترافقت مع رغبة جيله المولود بعد الحرب الأهلية في فَهْم تراث البلد: «لم يُخبرنا أحد عن الحقيقة الموجِعة المُتعلّقة بالاقتتال الداخلي. لفحها تستُّر غريب. عشتُ حياتين ما بين موطني والموطن الآخر، وظلّت بيروت مُلهِمتي. بدأتُ ممارستي الفنية في سنّ صغيرة. رسمتُ علاقة الإنسان بالطبيعة والدمج بينهما. لكنّ التنقّل بين جغرافيتَيْن طوَّر فنّي، فاتّخذ شكلاً أكثر تعقيداً حيال الفهم الاجتماعي».

ويُحضّر كتاباً عن 10 سنوات نذرها للفنّ؛ إصدارُه قريب. لمح في مشواره خيطاً شَبَكَ محطات الرحلة مثل حَبْكةٍ تؤلّف كنزةَ صوف: «إنه تواصُل المحاولة لقراءة المجتمع بتدرّجها من النظرة المبسّطة إلى التعقيد. والمجتمع هذا ألهمته الطبيعة ليتحلّى بإمكان خَلْق هيكلية معقّدة. كان ذلك بمثابة صرخة وعي حيال أهمية الفَهْم، وضرورة النضج للإنجاز الفنّي. شكَّلت المسألة نقيضاً لإحساسي بالفراغ وضآلة الإدراك، بما لم أكن ألحظه أو أعترف به».

غياب الانخراط بالجماعات اللبنانية والسؤال عما جرى يُصعّب الفَهْم (الشرق الأوسط)
غياب الانخراط بالجماعات اللبنانية والسؤال عما جرى يُصعّب الفَهْم (الشرق الأوسط)

يُفسّر مرحلة الضبابية بواقعية العيش اللبناني داخل فقاعات. فغياب الانخراط المستمرّ بالجماعات اللبنانية، والسؤال عما جرى، يُصعّب الفَهْم. وهذا السؤال يجد إجابة لدى البعض ويتجنّبه بعضٌ آخر، أو يقدّم حكاية نقيضة: «ثمة ما يختبئ تحت السطح. في إحدى ممارساتي الفنية، جبتُ مساحة لبنان لاكتشافه. سألتُ الناس عما لم تُجبني عليه عائلتي؛ ولمّا وجدوني غريباً، قدّموا إجابات. اعتمدتُ في تحقُّق الفَهْم على قراءة فنجان القهوة. فقد شكَّل ذريعةً لخوض حوار يربط الماضي بالمستقبل. وفي محترفي، جمعتُ الفناجين مع إخفاء هوية أصحابها وبصماتهم لحفظ خصوصيتهم، واخترعتُ أعمالاً من خلاصة الحكايات المسموعة».

لم يُفارق رمزي ملاط مشهد العيون وهي مصوَّبة مثل رشقات (الشرق الأوسط)
لم يُفارق رمزي ملاط مشهد العيون وهي مصوَّبة مثل رشقات (الشرق الأوسط)

ما سمعه كان متوقَّعاً وصادماً. أبقاه بعيداً عن فنّه وحصره بحاجته إلى فَهْم الواقع ليستطيع مزاولة الفنّ. من الفَهْم، وسَّع هامش الممارسة، فنرى عيوناً زرقاء على جدران المكان، من أعلى إلى أسفل، في حين يتفرّغ السقف لحَمْل أشكال أخرى تبدو متشابهة ومختلفة معاً. إنها عيون يحملها وزنٌ مطليّ بطبقات الحديد والبرونز والخشب، حتى ليتراءى التمايُز ويعمّ الفارق، لكنها في حقيقتها تركيب واحد، مستوحى من تأثيرات فنية عُثر عليها في تل البراك الأثري بسوريا، وتُمثّل هدايا قديمة جداً كانت تُمنَح للآلهة. استمالته النظرات الفارغة وأراد محاكاتها.

العيون مفتوحة دائماً، تشي بالتداخل مع محيطها. ثابتة، تتطلّع إلى مَن ينظر إليها؛ لا جفن لها ليرفّ ولا يباغتها السُبات. يُخبر رمزي ملاط أنّ معظم هذه التأثيرات الفنية سُرق من المنطقة وتفرَّق في مواقع عدّة حول العالم. لذا، رَبَط الشكل بالقيمة، فمنحته مادة الحديد وزناً للدلالة على عمق المعنى. يقول: «يلتقي زائر المكان مختلف أنواع الوهم. عليه التفاوض بكونه متفرّجاً مع تفسيرات هذه المساحة. النظرة تنخر، مما يوضّح تعليق المجسّمات بسلاسل حديد تُستَخدم في الملاحم لرفع العجول والأبقار». «أردتُ إظهار عنف النظرة وواقعية تسليع الفنّ. فالأعمال المسروقة، وتلك المعروضة في مزادات، تفقد قيمةً تستمدّها من إتاحتها في المتاحف. سببٌ آخر وراء هذا التنقيب هو تعريف الهوية وتجاوز الفراغ».

يريد من فنّه تعريفَ الهوية وتجاوزَ الفراغ (الشرق الأوسط)
يريد من فنّه تعريفَ الهوية وتجاوزَ الفراغ (الشرق الأوسط)

الواقف حين يُحدّق في عينَي أحد المجسّمات يلمح العيون الكثيرة المنتشرة في المكان من خلالها. تحديقٌ يجرّ تحديقاً، في مشوار فنِّ رمزي ملاط الشامل أيضاً النحت والصوت والفيديو، والمُرتكز على بحوث وقراءات. والنظرة ليست دائمةً، فتُحفَظ في المادة الفنية لتجنُّب سيلانها. ممارسته تحاول استيعاب سياق الوجود الإنساني الممتدّ من ماضيه إلى حاضره. «هناك روابط مع الأمس وتفاوض مع الغد»، يقول. وبجانب السلاسل الحديد المُعلَّقة بها المجسّمات، تحضُر نماذج صغيرة تُمثّل الفنّ التجاري المُستَقى من التراث، فنرى عيوناً زرقاء بحجم ضئيل، أو قَرناً من الحرّ الأحمر، يحمل دلالات في الثقافة الإيطالية. يريدها الفنان محاكاةً لانتشار «الفنّ الرخيص» في المتاجر ومحال التذكارات، واندفاع السياح وزوّار المكان لاقتنائها، فيما الفضاء الحقيقي الذي يمنح هذه التأثيرات الفنية قيمةً، يجدُر أن يكون المتحف.

العرض يُسائل الوهم والاعتقاد والشكّ. يلتقي القلق اليومي مع اختلاف تفسير الأشكال في رقصة نظرات شاخصة. إحدى الزائرات تفحّصت العيون، عيناً عيناً. أرادت بذلك ردَّ الصاع، لظنٍ بأنّ «صيبة العين» نغَّصت حياتها. ولكن أهو الاعتقاد أم الوهم خلف هذه الجدلية؟ مَن يدري.