دخلت آلة «داعش» الإلكترونيّة منذ عام 2015 في حالة اضطراب وتذبذب، إلى أن تولّى المتحدث الرسمي باسم التنظيم «أبو الحسن المهاجر» في عام 2016 مسؤولية الإعلام الإلكتروني لـ«داعش»؛ نظراً لخبرته السابقة في هذا المجال، إذ أشرف على عدد من منصات «تنظيم (القاعدة) ببلاد الرافدين» ثم تولى مناصب عدّة تعنى بمجال الإعلام في «داعش» وارتبط بشكل مباشر بزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. لكن مقتل البغدادي، في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وبعده مباشرة «أبو الحسن المهاجر»، لا بد أن يؤثر على آلة «داعش» الإلكترونية، خصوصاً بسبب دور القيادي الأخير في إعلام هذا التنظيم الإرهابي.
تتكوّن آلة «داعش» الإلكترونيّة من منصّات، وفرق للنشر، وسرايا التجنيد والحماية، ومخازن المحتوى، بالإضافة إلى الإنتاج والتصوير وغيرها من الفرق المساعدة. جميع هذه الفئات التي يُطلق عليها التنظيم «سرايا الإنترنت والإعلام» غيّرت منهجيّتها منذ بداية 2019 تقريباً، حيث ركّزت على تخزين المحتوى والاتجاه إلى التطبيقات غير المشهورة، وكذلك الاتجاه إلى «الإنترنت المظلم» (Dark web)، وهي محاولة من التنظيم إلى التكيّف مع الضغط الذي يواجهه على أرض الواقع.
وفي بداية أكتوبر الحالي نَشَط التنظيم بشكل ملحوظ في عمليات النشر والتسويق والتجنيد، في عودة إلى أسلوبه السابق.
والواقع أن آلة «داعش» الإعلامية استطاعت خلال السنتين الماضيتين نقل المحتوى الذي يريد التنظيم نشره وتسويقه والذي يُبقي أفكاره وأدبياته الإجراميّة، تمّ نقلها إلى مخازن إلكترونيّة على شبكة الإنترنت بعضها مفتوح ويمكن الوصول إليه وبعضها عبر مواقع رفع وتخزين خاصّة، وهو الأسلوب نفسه الذي انتهجه تنظيم «القاعدة» في عام 2006.
وفيما يخص حركة التنظيم في شبكات التواصل ومواقع الإنترنت، ربما من المبكّر جداً الحكم عليها، لكنّ الحسابات المؤيّدة أو حسابات «المناصرين» قامت بنشاط مكثّف، وهو نشاط وقتي محدود لأنه مجرد ردة فعل، أما المنصّات الرسميّة فما زالت تعمل وتصدر البيانات والنشرات المعتادة مثل «أعماق» و«البينة»، وكذلك النشر الإلكتروني في المدونات التي يرفع التنظيم من خلالها مواده.
ولم يُسجّل حتى الآن (بعد مقتل قادة التنظيم هذا الشهر) أي إصدار جديد سوى النشرات الإخبارية التي استمرت دون تغيير. لكن النشاط المُلاحَظ، بعد مقتل البغدادي، هو ازدياد نشاط الآلة الإلكترونيّة لتنظيم «القاعدة» وكذلك آلة من يطلقون على أنفسهم لقب «جهاديين مستقلين». وهذا أمر مُتوقّع في الحقيقة لأن التنظيمات التي تراجعت تبحث عن فرصة جديدة للظهور واستقطاب المُقاتلين والأنصار.
وعلى رغم أن آلة «داعش» الإلكترونيّة ليست في أفضل حالاتها، فإن أي تغيّر واضح لم يطرأ عليها بشكل فوري بعد مقتل البغدادي والمهاجر. وبينما يُعتقد أن مقتل المهاجر تحديداً سيؤثر كثيراً على إعلام التنظيم لدوره الأساسي في هذا المجال، يُعتقد أيضاً أن مقتل البغدادي سيؤثر كذلك معنوياً. وثمة فرصة سانحة الآن لتصعيد المواجهة الإلكترونيّة ضد «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، لكن ذلك يتطلب تنسيقاً على مستوى عال وتكاملاً وتعاوناً بين الأطراف المعنية بالتصدي لأفكار الجماعات المتطرفة.
* رئيس حملة سكينة