يكره علماء الفلك التقليديون المهتمون بالمجرات والنجوم «الغبار الكوني»، لأنه من الأشياء التي تقف حائلا أمام رؤية ما خلفه من الأجرام السماوية، لكن جو نوث، عالم الكواكب بمركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في ولاية ماريلاند الأميركية، من بين القلائل الذين يسيرون عكس التيار ويحبون هذا الغبار.
يتشكل الغبار الكوني من حبيبات مكونة من جزيئات، وتوجد أنواع مختلفة منه حسب مكان وجوده، فمنه ما يوجد في المجرات ومنه ما يوجد بين النجوم، وآخر بين الكواكب.
- غبار كوني
ومثل الغبار الأرضي الذي يتجمع تحت سريرك، يصعب تجنب الغبار الكوني، فهو يشكل نحو 2 في المائة من إجمالي الفضاء حولنا، ولا يحتل كل هذه المساحة من أجل لا شيء، فهو يتكثف في الكويكبات والكواكب، ويمكن لسحبه العملاقة حمل الغازات من نجم ميت لتخصيب واحد جديد، ويمكن كذلك للغبار المحيط بالكواكب الصغيرة أن يبقيها دافئة، مما يساعد على توفير الأسطح لجمع المياه وتشكيل الجزيئات العضوية، وأي من هذه الآثار يعتمد فقط على كيفية بناء حبيبات الغبار الصغيرة في أصغر المقاييس.
لكن كيف تبنى هذه الحبيبات في المقاس الصغير الذي يسمح لها بالقيام بهذه الأدوار؟ هذا هو ما دفع «نوث» للتعاون مع الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء، في إطلاق سلسلة من صواريخ التجارب «Sounding rocket»، التي تحمل الأجهزة العلمية في بيئة خالية من الجاذبية، حيث سيبني نوث وفريقه هناك حبيبات غبار خاصة بهم، على أمل إلقاء الضوء على الدور الضخم الذي تلعبه هذه النقاط الصغيرة في عالمنا، بحسب تقرير نشره موقع مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبقدر انتشار الغبار الكوني فإنه لا يتشكل بسهولة، حيث تولد حبيبات الغبار عندما تصطدم الذرات الفردية وتلتصق ببعضها، ولكن في الفضاء، فإن التصادمات المباشرة نادرة (المساحة التي تكون فيها أشكال الغبار أقل كثافة بنحو 2.7 مليار مرة من الهواء عند مستوى سطح البحر)، فحتى عندما تصطدم الذرات، فإنها قد لا تلتصق. وفي تجربة سابقة، وجد نوث أنه مقابل كل 100 ألف تصادم بين ذرات الزنك، لا تتشكل سوى 3 بلورات غبار.
وعندما تتجمع حبيبات الغبار مثل الثلج في كرات ثلجية، فإنها لا تتفاعل كثيرا مع الضوء أو الحرارة، لكن إذا ما اتحدت معا في هياكل شبيهة بندفة الثلج فإنها تقوم بالكثير. وينقل الغبار في هذه الحالة الغازات من نجمة لأخرى، كما أنه يحبس الحرارة، مما يحتمل أن يغير مصير الكواكب التي يغطيها.
يقول نوث في تقرير نشره موقع مركز غودارد: «إذا كان لديك كوكب متنامٍ محاط ببطانة من الغبار، فهذه بيئة حرارية مختلفة عن الخارج، فهو يؤثر على طريقة نمو الكواكب».
- مختبر فضائي
لكن كيف تتراكم حبيبات الغبار هذه وتتجمع؟ لا يزال ذلك غير مفهوم بشكل جيد، وهذا ما يسعى له نوث من خلال إرسال صواريخ التجارب التي ستكون المعدات التي تنقلها بمثابة مختبر فضائي يحاول فهم المزيد.
وحتى الآن، قام نوث بمعظم أعماله في المختبر، لكن جاذبية الأرض تفرض قيوداً شديدة، حيث تتطلب تجاربه مواد تسخين تزيد على 1000 درجة فهرنهايت (538 مئوية)، ومثل هذه الدرجات المرتفعة تخلق الحمل الحراري وهذا لا يحدث في الفضاء السحيق. ويقول نوث: «لقياس نمو حبيبات الغبار، نحتاج إلى الذهاب إلى الجاذبية الصغرى».
بدوره، يثني الدكتور محمد الغريب، الباحث بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر على هذا الجهد، مؤكدا أن الغبار الكوني، ليس كما يعتقد البعض، تقتصر تأثيراته على النجوم والكواكب فقط، لكن دراسة سابقة نشرت بدورية Review of Scientific Instruments عام 2016 كشفت أن تأثيراته تمتد للحياة على الأرض.
وقدرت الدراسة أن الغلاف الجوي للأرض تدخله يوميا، كميات من هذا الغبار تقدر من 5 لـ300 طن متري (1 طن متري يساوي 1000 كيلوغرام)، ووفق الدراسة ذاتها فإن هذا الغبار ليس مجرد جسيمات طافية عديمة الفائدة، تشكل سحباً كثيفة في الفضاء، لكنها تؤثر على الاتصالات اللاسلكية والمناخ.
يقول الغريب لـ«الشرق الأوسط»: «من هذا المنطلق فإن فهم آلية تشكيل الغبار سيكون مفيدا، ليس فقط على مستوى فهم الغلاف الجوي للكواكب الأخرى، لكن أيضاً على مستوى فهم التأثيرات التي يمكن تحدث للحياة على الأرض».
8:2 دقيقة
مختبر فضائي لفهم المزيد عن الغبار الكوني
https://aawsat.com/home/article/1969106/%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%B1-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%84%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D9%8A
مختبر فضائي لفهم المزيد عن الغبار الكوني
يسهم في توضيح تأثيراته على الأرض
- القاهرة: حازم بدر
- القاهرة: حازم بدر
مختبر فضائي لفهم المزيد عن الغبار الكوني
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة