زامبيزي... نهر تحرك مياهه الأساطير والمغامرات

زامبيزي... نهر تحرك مياهه الأساطير والمغامرات
TT

زامبيزي... نهر تحرك مياهه الأساطير والمغامرات

زامبيزي... نهر تحرك مياهه الأساطير والمغامرات

من بعيد، تبدو بُحيرة كاريبا الصناعية، وكأنها بحر وليس مجرد بحيرة؛ نظراً لمساحتها الشاسعة. أنشئت منذ نحو 50 عاماً تقريباً، وتُعد من أكبر البحيرات الصناعية على مستوى العالم، لكنها لا تثير البهجة في نفوس قبائل التونغا المحليين. بل هم ساخطون ويلعنون اليوم الذي شُيدت فيه.
السبب يعود إلى اعتقادهم أن نهر زامبيزي هو موطن تنين هائل الحجم بجسم ثعبان ورأس سمكة، اسمه نيامي نيامي. يتفاءلون به ويحتمون به في الأوقات العسيرة. في عامي 1957 و1958، وعندما تعرضت زيمبابوي لأسوأ موسم أطاح بالجدار المنصوب لإنشاء بحيرة كاريبا مرتين، اعتقدت قبائل التونغا أن هذا دليل على غضب نيامي نيامي، ورفضه للسد. قالوا أيضاً إنه تسبب في زلزال تعرضت له المنطقة، بعد ضربه السد بذيله في محاولة لتحطيمه للوصول إلى زوجته التي فصل السد بينه وبينها.
ولا يزال السكان المحليون يبلغون عن مشاهدات لوحش هائل الحجم بطول يبلغ 200 متر يتموج سابحاً عبر البحيرة بين الحين والآخر. ورغم أن معظم أفراد قبائل التونغا ساخطون على بناء السد، فإن الواقع يحتم عليهم التكيف معه؛ لأنه أساسي في حياتهم.
فنهر زامبيزي قبل أن يحتل المرتبة الرابعة كأكبر نهر في أفريقيا، هو أيضاً أطول الأنهار المتدفقة شرقاً في القارة، وأكبر الأنهار التي تصب في المحيط الهندي من أفريقيا. وتبلغ مساحة حوضه نحو مليون و390 ألف كيلومتر مربع، أي أقل بقليل من المساحة الإجمالية لحوض النيل.
على بعد 100 ميل من كاريبا، يواصل النهر الكبير رحلته صوب المحيط الهندي في التفافة دوامية خاملة. ومن السهل الفيضي للنهر تبزغ بساتين أشجار «فيديربيا البيدا» قريبة الشبه بشجر البلوط.
ولولا الحمير الوحشية التي ترعى أسفل فروع تلك الأشجار لتخيل المرء أنه في حديقة ريتشموند اللندنية في أحد أيام الصيف الذهبية.
وفي حال ركب السائح زورقاً، سيظهر له طائر الزقزاق من عشه وهو ينطلق بحثاً عن غذائه، وعيون وآذان فرس النهر طافية على سطح الماء. على ضفاف النهر براً، تتراص أشجار على أقدامها الزهور الحمراء، وليس ببعيد عنها تتراءى الغزلان وثيران الإيلاند أو الفيلة وهي تقف أسفل شجرة من أشجار السنط البيضاء، التي تقول النظريات أنها كانت في تدهور واضح منذ بناء سد نهر زامبيزي جراء الأضرار التي ألحقها بالنظام البيئي للحديقة الوطنية، إلى جانب المنافسة للحصول على بذورها.
في المناطق الغربية من زيمبابوي، وبعيدا عن ضفاف نهر زامبيزي، توجد حديقة هوانغي الوطنية. تقول القصة أن أول بئر غرق هنا، في هوانغي في عام 1929، مُخلفاً البرك والمسابح في المنطقة تُملأ بصورة صناعية مع هطول الأمطار. وهذا ما يجعل حيوانات الحديقة ترتبط بالمياه بدليل أفواج الأفيال التي تأتي إليه من السهول المجاورة كافة، للشرب أو للتدحرج في الماء الضحل أو اللعب بالطين ومطاردة التماسيح وقردة البابون.
ومما يجدر ذكره، أن حديقة هوانغي الوطنية هي من الأماكن الغنية بالأسود أيضاً. ويمكن في أي وقت من اليوم، العثور عليها وهي تسترخي بالقرب من مواطن المياه، تراقب البراري الشاسعة في لامبالاة، حيث تتحرك الزرافات في حذر شديد بالقرب من برك المياه للشرب، ولا تحيد أنظارها عن الأشبال الصغيرة التي تقفز فوق بعضها بعضاً وعلى والديهم.
ومن الصعب تصور منظر طبيعي خلاب أكثر إثارة من هوانغي. إذ تمنح شلالات فيكتوريا تلك الحديقة ميزة كبيرة وزخماً بين أنحاء الأدغال كافة. ففي أول الأمر يأتيك الهدير الخافت، مثل حركة المرور في ساعة الذروة على طريق سريع بعيد، بحيث يمكنك سماعه من على مسافة أميال. ثم، تحوم فوق الرؤوس غيمة رمادية منخفضة تستقر في أفق السماء.
ثم تبدأ القوة الكاملة لـ«موسي - وا - تونيا» (أي الدخان المزمجر الهادر) في الظهور مانحة الشلالات اسمها الأصلي الأكثر ملاءمة لوصفها مع تهاوي السهول أمامك على نحو مفاجئ.
ومن على الحافة، ينفجر نهر زامبيزي هابطاً للأسفل مسافة 100 متر كاملة ومصطدماً بالأرض بقوة هائلة تخلف ضباباً يرتفع لقرابة ربع ميل في جو السماء. وعلى الزوار الذين يشقون طريقهم على طول الممرات التي تحيط بالشلالات، أن يتوقعوا أن يغمرهم الرذاذ الشديد كلما اقتربوا من الشلالات.
أما من اختاروا الجلوس حول برك المياه على حافة الشلالات أو القفز بأنفسهم إلى أسفل جسر شلالات فيكتوريا بالحبال المطاطية التي تربط بأقدامهم بإحكام، في تحدٍ أقرب إلى التهور، فإنهم يعيشون تجربة لا مثيل لها على الإطلاق، خصوصاً أنه، بالنظر إلى الممر المشقوق عبر سطح الأرض، لن يستطيع تلمس القاع أبداً، وكل ما يراه مجرد غيمة هائلة من الرذاذ تحيط بها سلسلة مذهلة من ألوان قوس قزح.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».