مسرحيون سعوديون يعولون على نهضة فنية عبر «رؤية 2030»

بعد الإشادة بعرضَي «نعش» و«أوراق منسية» في القاهرة

لقطة من مسرحية «نعش»
لقطة من مسرحية «نعش»
TT

مسرحيون سعوديون يعولون على نهضة فنية عبر «رؤية 2030»

لقطة من مسرحية «نعش»
لقطة من مسرحية «نعش»

يعول مسرحيون سعوديون على نهضة فنية عبر «رؤية 2030»، التي تولي اهتماماً خاصاً بقطاع الفن والمسرح، بجانب إنشاء المعهد الملكي للفنون، والفرقة الوطنية المسرحية، وإنشاء مسارح عدة في مختلف أنحاء المملكة. وأشاد فنانون وكتاب سعوديون بعرضَي «نعش» و«أوراق منسية» في ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي الذي حلت فيه المملكة العربية السعودية ضيف شرف في دورته الثانية التي اختتمت أخيراً بالعاصمة المصرية، بمشاركة نحو 14 دولة عربية وأجنبية، حيث تم تكريم رمزين من رموز المسرح السعودي، الفنان الملقب بـ«عراب المسرح السعودي» فهد رده الحارثي، والفنان القدير خالد الحربي؛ لجهودهما في إثراء الحركة المسرحية السعودية.
وقال الفنان فهد الحارثي لـ«الشرق الأوسط»: «حركة التجريب المسرحي بالمملكة بدأت منذ جيلي ومن حركة المختبر، وهو مسرح فاعل ومتفاعل يخطو الآن خطوات سريعة نحو الأمام واستطاع خلال سنوات قليلة أن يثبت وجوده، لدينا 60 في المائة من الشباب كتكوين سكاني، وهناك اهتمام كبير من الدولة بدعم الطاقات الشابة في الكتابة المسرحية والإخراج».
موضحاً أن «المسرح السعودي سيشهد ازدهاراً في الفترة المقبلة بفضل استراتيجية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهي استراتيجية بناء كامل للدولة، وهناك مبشرات كثيرة في كل المجالات، وبخاصة في ظل وجود وزارة للثقافة تعنى بالفنون وتدعمها».
في حين يقول المخرج والفنان السعودي سامي الزهراني لـ«الشرق الأوسط»: «المسرح السعودي له ما يقارب من 60 عاماً من عهد المرحوم أحمد السباعي حينما أسس دار قريش للتمثيل الإسلامي، وكانت أول مسرحية رغب في إنتاجها هي (فتى مكة) ثم (هوجم) قبل أن يتعطل المشروع». موضحاً أن «المسرح السعودي الآن يسعى للتطوير والاحترافية من خلال (رؤية 2030) وإنشاء المعهد الملكي للفنون والفرقة الوطنية المسرحية، وإنشاء المسارح في مختلف أنحاء المملكة، وانضمام جمعية المسرحيين السعوديين، وبالتالي هذه خطوات مبشرة في مسيرة المسرح السعودي».
وعن مشاركة مسرحية «نعش» في ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي التي تناولت هاجس الحياة والموت لدى الإنسان، وهي الفكرة التي شغلت الكثير من الفلاسفة والأدباء والمسرحيين على مر العصور، يقول الكاتب المسرحي السعودي إبراهيم الحارثي: «تدور فكرة العرض حول مجموعة موتى يلتقون قبل الوصول للمحطة الأخيرة ويبحثون عن أحد ليدفنهم ليجدوا بينهم الكثير من التقاطعات، ويجدوا أنهم أيضاً شركاء في موتهم المؤقت، وفي العرض محاولة لفهم طبيعة العلاقات البشرية، ومحاولة حقيقية للوصول لنقطة يتشابك فيها الموروث مع التغيرات الحية التي يتعرض لها (الموتى) حكايات متداخلة الهدف منها طرح تساؤلات مهمة حول حياتنا وجدواها».
ويضيف الحارثي: «جاءت المشاركة كترشيح للمسرحية بعد أن حققت عدداً من الجوائز المحلية والخليجية في سوق عكاظ ونشاط الجنادرية للمسرح ومهرجان الجامعات السعودي».
وأكد أن المشاركة تعد مهمة جداً، ولا سيما أنها تنعش الحراك المسرحي السعودي الهادئ هذه الفترة، ولتؤكد أن جامعة الطائف أخذت دورها الحقيقي في الحراك المسرحي وكعادة هذه المدينة، يعتكف بها المسرح منذ سنوات مضت، ووصول «نعش» للمنافسة في هذا الملتقى هو بمثابة إعلان حقيقي للمشاريع التي تسير بخطى ثابتة ومتقنة.
بينما دار عرض «أوراق منسية» المأخوذ عن نص رواية «كل الأسماء» لجوزيه ساراماغو، الذي يتناول هواجس موظف أرشيف يقع في غرام صاحبة ملف من الملفات ويتماهى معها لدرجة أنه لا يعلم ما إذا كان حوارها معه حقيقة أم خيالاً؟ ثم يحاول التواصل معها ويبحث عنها، إلا أنه يكتشف فيما بعد أن ملفها كان من بين ملفات الوفيات. تناولت المسرحية أحلام اليقظة وكيف يمكن أن تعطي الأمل للإنسان في الخروج من دوائر ضيقة وتفتح آفاقه ثم تتركه ليواجه الواقع، وهنا يشرك المخرج فهد الأسمر المتلقي في التأمل حول الصراع بين ما هو واقعي وما هو رومانسي، وجدوى الحلم، وأهميته والقيود التي تضعها الحياة اليومية لتكبل الإنسان بالماديات وتتركه خاوياً من كل ما يسمو بالروح.
كما قامت الكاتبة السعودية حليمة مظفر، بتوقيع ومناقشة كتابها «المسرح السعودي بين البناء والتوجس»، كأول امرأة سعودية تمثل المملكة في ندوات مسرحية خارج المملكة، وجاء كتابها الذي صدرت طبعته الثانية متناولاً تاريخ «أبو الفنون» بالمملكة العربية السعودية ومساراته، والقضايا التي اهتم الكتاب والمسرحيون بتناولها وإشكالياته والتحديات التي واجهها مجتمعياً وفنياً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».