احتل الملف النووي الإيراني صدارة المحادثات التي أجراها وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الثلاثاء في باريس؛ وذلك في إطار الجولة الأوروبية التي يقوم بها الوزير السعودي التي قادته إلى فرنسا بعد بريطانيا.
ورغم أن المشاورات بين الجانبين متواصلة، فإن لقاء الثلاثاء الذي لم يكن مدرجا على أجندة وزير الخارجية الفرنسي، يرتدي أهمية خاصة لأنه يحل قبل أسبوعين من الموعد الذي حددته طهران للتخلي عن مزيد من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
كذلك، فإنه يأتي بعد فشل محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل التي بذلها في الشهرين الماضيين للجمع بين الرئيسين الأميركي والإيراني على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتقول مصادر رسمية أوروبية إن الاستحقاق القادم «في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) سيضع البلدان الأوروبية الثلاثة الموقعة على الاتفاق المذكور (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) في موقف (حرج)، خصوصا أن معلومات متواترة سبق أن أفادت بأن الثلاثة قد (حذروا) طهران أن استمرارها في انتهاك نصوص الاتفاق ربما سيدفعهم باللحاق بالولايات المتحدة الأميركية والتخلي بدورهم عنه». وللتذكير، فإن الرئيس الأميركي أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق في مايو (أيار) من العام الماضي وتبع ذلك، على مرحلتين، فرض عقوبات اقتصادية ومالية على إيران. ومن جانبها، أمهلت طهران العواصم الثلاث «باريس ولندن وبرلين» شهرين إضافيين، سبتمبر (أيلول)، وأكتوبر، لتمكينها من الاستمرار في الإفادة من المزايا التي يوفرها الاتفاق خصوصا بيع نفطها والبقاء داخل الدورة المالية العالمية. لكن الوقائع تفيد بأنه لا شيء جديدا قد حصل على هذا الصعيد، وأن الأنظار كانت منصبة، في الأسابيع الماضية، على احتمال لقاء ترمب - روحاني الأمر الذي لم يحصل بسبب رفض الثاني؛ نظرا لعدم حصوله على الضوء الأخضر من المرشد الأعلى علي خامنئي من جهة، ورفض الأول القاطع رفع العقوبات «أو بعضها مسبقا» مثلما تطالب طهران. والأكثر من ذلك أن الآلية المالية «إنستكس» التي أطلقها الأوروبيون لمساعدة إيران لم تفعل، لا بل إنه لم يعد يشير إليها أحد.
تفيد المعلومات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة النووية بأن إيران أخذت بتخصيب اليورانيوم باستخدام طارداتها المركزية الحديثة التي تمكنها، في الوقت عينه، من أمرين: الأول، التسريع في التخصيب. والثاني، التخصيب بنسب أعلى مما تتيحه طاردات الجيلين الأول والثاني القديمة؛ لذا، لم تتضح بعد طبيعة الخطوة التي ستقدم عليها طهران نهاية الأسبوع الأول من الشهر المقبل.
كل هذه المسائل كانت موضع بحث في اجتماع الجبير مع نظيره الفرنسي قبل أن يلتقي رئيس وأعضاء لجنة شؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي. وفي حديث لصحيفة «ليبراسيون» نشر أمس، لم يخف الوزير السعودي وجود اختلاف في الرؤيا بين بلاده وفرنسا ومعها الطرفان الأوروبيان الآخران لجهة كيفية التعامل مع إيران. وأعلن الجبير أن بلاده تعتبر «سياسة» التهدئة مع إيران لا تجدي وأنه لا الأفعال ولا الأقوال هي ما يعول عليه. وأشار الوزير السعودي إلى إشكالية أساسية في التعاطي مع طهران حيث إن «أفراد الحكومة الإيرانية يتحدثون لكن ليس لديهم سلطة. وأصحاب السلطة، مثل الحرس الثوري، لا يريدون التفاوض». والخلاصة أن كلامه «لا يعني أننا نسعى للمواجهة (مع إيران) إذ إن ما نريده فقط هو ألا تتم مهاجمتنا». مشيرا بذلك للهجمات المتلاحقة التي تعرضت لها السعودية، وآخرها موقعا أبقيق والخريص النفطيان. ونفى الجبير أن تكون الرياض ساعية لتغيير النظام في إيران، مؤكدا أن ما يهم بلاده هو أن تغير طهران «تصرفها» في المنطقة. لكن المشكلة كما وصفها، مصدرها أنه في إيران «لا نعرف ما إذا كانت ثورة أو دولة، وإذا كانت ثورة، فإننا لا نستطيع التعاطي معها لكونها غير عقلانية وانفعالية. أما إذا كانت دولة، فعليها أن تتصرف كدولة». وأفاد الجبير بأنه «في كل مرة مددنا يدنا لإيران لم نلق جوابا سوى التدمير والموت».
يقول الجبير إن حلفاء السعودية من الأوروبيين وخصوصا فرنسا، يعون أنه لا ينبغي تمكين إيران من امتلاك السلاح النووي أو تطوير برنامجها الباليستي وبالتالي فلا خلاف بينها وبين الرياض. ولكنه يتساءل: «كيف الوصول إلى ذلك؟ هل عبر الضغوط القصوى أم عبر الحوار؟ هذا هو موضوع نقاشنا مع أوروبا ورأينا أن الضغوط القصوى هي الطريقة الوحيدة»، لتحقيق هذين الهدفين. وللإشارة، فإن الأوروبيين الذين انتقدوا خروج واشنطن من الاتفاق وعارضوا فرض عقوبات على طهران وسعوا لتخفيف وقعها ودفعها للاستمرار في تطبيق بنوده، يعتبرون أن ما يريد ترمب تحقيقه بالعقوبات القصوى يمكن تحقيقه بالحوار والدبلوماسية. كذلك رفض الأوروبيون، باستثناء بريطانيا، الانضمام إلى «التحالف البحري» الذي تسعى إليه واشنطن لضمان حرية الملاحة في المضايق وتوفير الأمن في مياه الخليج. ووفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، فإن إيران «تلعب بالنار» لأن الأوروبيين سيجدون أنفسهم يوما «غير قادرين على الاستمرار في دعم اتفاق لم يعد موجودا حقيقة». لكن هل هذا اليوم سيحل مع الاستحقاق القادم؟ السؤال مطروح ولكن طهران تعمل وفق ما يسمى خطة «السارق الصيني» الذي يزيح ما يريد سرقته سنتيمترا بعد سنتيمتر، وأخيرا يختفي أثره؛ ولذا، تؤكد طهران يوما بعد يوم أنها قادرة على التراجع عن انتهاكاتها بسرعة فائقة وأن سقف التخصيب ارتفع من 3.67 في المائة إلى 5 في المائة، وأن مخزونها زاد قليلا عما هو مسموح به.
تشديد سعودي على «الضغوط القصوى» مع إيران
مصادر دبلوماسية أوروبية: طهران «تلعب بالنار» بالتمادي في انتهاك {النووي}
تشديد سعودي على «الضغوط القصوى» مع إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة