مجموعة الدعم الدولية نصحت «أركان الدولة» بإحداث صدمة سياسية

الحريري يتحرك لتسويق التعديل الوزاري: الحراك الشعبي ليس فشة خلق

TT

مجموعة الدعم الدولية نصحت «أركان الدولة» بإحداث صدمة سياسية

كشفت مصادر وزارية لبنانية أن المجموعة الدولية لدعم لبنان أبلغت أركان الدولة بأنها تؤيد بلا أي تردّد مطالبة أطراف رئيسية في الحكومة بضرورة إحداث صدمة سياسية يجب أن تتلازم مع الإسراع في إقرار الموازنة للعام 2020، وتنفيذ البنود الواردة في الخطة الإصلاحية التي تبنّاها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة.
وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن ممثلي المجموعة الدولية، وهم عدد من سفراء الدول الغربية، تجنّبوا في خلال لقاءاتهم الدخول في مضامين الصدمة المطلوبة، لكنها أشارت إلى أنه لا مانع لدى رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط بأن تأتي في إجراء تعديل وزاري شرط أن يلقى تجاوباً مع رئيس الجمهورية ميشال عون وقيادة «حزب الله».
ونقلت المصادر الوزارية عن الرئيس الحريري قوله، أمام الذين التقاهم أول من أمس ومن بين هؤلاء الوفد المشترك للحزب «التقدمي الاشتراكي» و«اللقاء الديمقراطي»، إنه مع إحداث صدمة سياسية، وهذا ما يعمل من أجله في الاتصالات والمشاورات التي يقوم بها، خصوصا أنه يتعامل مع «الحراك الشعبي» على أنه ينم عن وجود أزمة سياسية لا تحل إلا بالسياسة، وبالتالي لا مبرر لاعتماد الحل الأمني.
ومع أن المصادر نفسها أكدت أن الرئيس بري لا يعترض على أي مشروع يراد منه توفير الحلول للتأزّم السياسي، بما في ذلك إجراء تعديل دستوري شرط أن يحظى بتأييد المكوّنات الأساسية المشاركة في الحكومة، إضافة إلى الرئيس عون وقيادة «حزب الله» و«الحراك المدني»، لئلا يلجأ في حال تقرر إحداث صدمة سياسية إلى الاستقواء بها للمطالبة بمزيد من الخطوات، فإن لمعاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل موقفا يأتي في هذا السياق قاله لدى استقبال بري وفد «التقدمي»، وخلاصته أن رئيس الجمهورية ليس في وارد الموافقة على تعديل يراد منه إخراج رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وآخرين من الوزراء في الحكومة، وأن «حزب الله» يدعم موقفه ويصر على تصويب أداء الحكومة وتنقيته من الثغرات التي تعتريه.
لكن عدم استفاضة الوزير خليل في تسليط المزيد من الأضواء على موقفي رئيس الجمهورية وقيادة «حزب الله» لا يعني المرور بسهولة على الأسباب الكامنة لموقفيهما، وتنطلق من أن مجرد الموافقة على التضحية بباسيل سيصب في مصلحة حزب «القوات اللبنانية» المستقيل من الحكومة الذي سيبادر إلى توظيف إخراجه في شن حملة سياسية وإعلامية تستهدف الحزب، وهذا ما يؤدي إلى اهتزاز الغطاء السياسي الذي يؤمّنه له «التيار الوطني».
ولدى السؤال عن موقف الرئيس الحريري، قالت المصادر الوزارية إنه يدعم المطالبة بإحداث صدمة سياسية لا يراد منها استهداف هذا الوزير أو ذاك والتصويب عليهما بمقدار ما تؤدي إلى إحداث نقلة نوعية لا تصب في خانة الدخول في تصفية الحسابات مع أحد.
وأكدت أن الحريري يتحرّك على خطّين لا بد من أن يلتقيا، الأول سعيه الدؤوب لتهدئة الوضع مع تقديره للمطالب المرفوعة من «الحراك الشعبي»، والثاني لا يمكن استمرار الوضع على حاله، أي على ما هو عليه الآن من دون أن يواجَه بإحداث صدمة إيجابية، لأن البلد لا يتحمّل بقاء ما هو حاصل لفترة طويلة.
ورأت - كما تقول المصادر - أن الحريري يتطلع إلى إحداث هذه الصدمة على قاعدة الوصول إلى حكومة منسجمة وتعمل كفريق عمل متكامل، وتكون قادرة على تنفيذ الورقة، وإن كان يرى أن لا ضرورة لقيام حكومة جديدة لاعتبارين: الأول إن تعذُّر تشكيلها يُقحم البلد في فراغ ما لم تأت مطبوخة ومتفق عليها بكل تفاصيلها، والثاني الإبقاء على البلد بلا موازنة للعام 2020، وهذا يهدد إفادة الحكومة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدتها للنهوض من الأزمات الاقتصادية والمالية.
واعتبرت أن قول الحريري بأن لا ضرورة لقيام حكومة جديدة يلقى تناغماً من بري وجنبلاط، فيما يرفض «حزب الله» استقالتها، وأيضاً إجراء تعديل وزاري. وقالت إنه يرى بأن هناك ضرورة لإعادة تشكيل فريق وزاري من الحكومة الحالي لديه القدرة على تنفيذ ما ورد في الورقة الاقتصادية.
ورأت هذه المصادر أن الحريري وإن كان يتواصل مع الجميع للتفاهم على إحداث تعديل وزاري، فإنه في المقابل لا يصنّف على خانة بعض الأطراف التي ما زالت تراهن على عامل الوقت لاستيعاب العاصفة الشعبية وتهدئة الوضع.
وبكلام آخر، أكدت أن الحريري وبغض النظر إذا هدأت أم لا، يرى أنه لا بد من الوصول إلى صيغة حكومية متماسكة، خصوصاً أنه ليس من الفريق السياسي الذي يتعامل مع «الحراك الشعبي» على أنه مجرد فشة خلق وأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة القيمين عليه.
ناهيك من أن الحريري - بحسب المصادر - ليس من الذين يعتمدون على الحل الأمني، ويعتبر أن مثل هذه الحلول ستزيد من منسوب التوتر السياسي، وبالتالي فهو يقف إلى جانب الحل السياسي.
ولفتت المصادر هذه إلى أنه من الظلم التعامل مع الحريري على أنه يدير ظهره لمطالب «الحراك الشعبي»، وقالت إنه ينظر إلى الثامن عشر من هذا الشهر - تاريخ انطلاقة الانتفاضة الشعبية - على أنه بمثابة منعطف جديد في الحياة السياسية في البلد، وأكدت أن مجموعة الدعم الدولية تتفهّم موقف رئيس الحكومة، ولا تحبّذ، حتى إشعار آخر، الإقدام على مغامرة غير محسوبة تؤدي إلى استقالة الحكومة من دون التفاهم بكل التفاصيل على البديل، خوفاً من أخذ البلد إلى الفراغ وإن كانت تعتبر أن كل هذه الأمور بمثابة شأن داخلي.
ورداً على سؤال، كشفت المصادر أن دعوة المطارنة ممثلي الحراك الشعبي لتشكيل فريق يحاور المعنيين في الدولة جاءت بناء لطلب نَقَلَهُ أمين سر «تكتل لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي، أراد أن يستبق الخطاب الذي وجهه أمس الرئيس عون إلى اللبنانيين.
على صعيد التطورات الأمنية واستمرار إقفال الطرق الدولية وتقطيع أوصال العاصمة، علمت «الشرق الأوسط» أن وفد «التقدمي» أثار مع قائد الجيش العماد جوزيف عون استمرار قطع طريق الساحل المؤدي إلى الجنوب، وأيضاً مستديرة عاليه التي تربط جبل لبنان بالبقاع باعتبار أن هذا الأمر يعنيه مباشرة ويمكن أن يترتب عليه احتكاك على خلفية استمرار إقفالها مع أن لا علاقة للحزب بهذا القرار، وأن مجموعات من «الحراك المدني» هي التي تقف وراء إقفالهما.
وتمنى «التقدّمي» على العماد عون السعي سلمياً لإعادة فتحهما لقطع الطريق على حصول أي احتكاك مع «الثنائي الشيعي» والاستعاضة عن إقفالهما بالاعتصام على أطرافهما.
وفي هذا السياق أيضاً، تبدي قيادة الجيش مرونة في تعاطيها مع الاعتصامات التي تغطي معظم الطرقات الدولية، وهي تعمل على التواصل مع المشاركين فيها لمنع إعاقة مرور الحالات الطارئة، خصوصا أن الحريري لا يزال على موقفه بتغليب الحل السياسي على الأمني لأن المشكلة سياسية.
وكان تردّد أن رئيس الجمهورية ومعه الفريق الوزاري أوعز إلى قيادة الجيش بالعمل على فتح الطرقات الممتدة على طول ساحل المتن الشمالي وكسروان - الفتوح، لكنها حاولت من خلال تواصلها مع المعتصمين إقناعهم بنقل وجودهم إلى أطراف هذه الطرقات من دون لجوئها إلى استخدام القوة.
وتردد أيضاً أن أحداً من هذا الفريق الوزاري كان نصح بالاستعانة بالسيارات التابعة لقوى الأمن والمجهّزة بخراطيم المياه لاستخدامها في تفريق المتظاهرين، لكن وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن وبناء لتواصلها مع الحريري لم تبدِ حماسة، ما أدى إلى التروّي، مع أن هناك ضرورة لفتح الطرقات الدولية من دون التعرض لـ«الحراك الشعبي».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.