روحاني يشكو عرقلة «فاتف»... والقضاء و«تشخيص النظام» يُكذبان الحكومة

طهران تحذّر من تبعات عدم الامتثال لمعايير اتفاقية منع تمويل الإرهاب ومكافحة غسل الأموال

الرئيس الإيراني حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري في الاجتماع الوزاري أمس (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري في الاجتماع الوزاري أمس (الرئاسة الإيرانية)
TT

روحاني يشكو عرقلة «فاتف»... والقضاء و«تشخيص النظام» يُكذبان الحكومة

الرئيس الإيراني حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري في الاجتماع الوزاري أمس (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني حسن روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري في الاجتماع الوزاري أمس (الرئاسة الإيرانية)

شكا الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، من عرقلة حكومته الانضمام إلى مجموعة مراقبة العمل المالي «فاتف»، في وقت نفى مجلس تشخيص مصلحة النظام تصريحات نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، حول موافقة المرشد علي خامئني، على انضمام إيران إلى اتفاقيتي مكافحة الجريمة المنظمة (باليرمو) ومكافحة تمويل الإرهاب (سي إف تي). وقال المتحدث باسم الحكومة إن رؤساء البرلمان والقضاء والحكومة اتفقوا على تمرير معايير «فاتف» على أن يوافق عليها المرشد لكن المتحدث باسم القضاء، محسن إسماعيلي دحض صحة ذلك، في مؤشر على تفاقم تعقيدات البيت الداخلي، في وقت تستعد طهران لاتخاذ خطوة رابعة في مسار خفض التزامات الاتفاق النووي.
وقال روحاني: «نتفاخر بأننا نحارب ونواجه الإرهابيين والفساد، لذلك يجب ألا نسمح بأن تُلصق تهمة غسل الأموال بنظامنا البنكي، وهذا يضر البلاد». ومع ذلك، أشار إلى أن «حساسية» قضية «فاتف» في إيران «لا يفصح عنها البعض». وقال: «لماذا يعرقلون أربع لوائح أُقرت في الحكومة والبرلمان ويقفون بوجههما؟ هكذا خطوات ليست في صالح البلد».
وأشعلت مهلة نهائية منحتها مجموعة «فاتف» لإيران، الجمعة، الخلافات الداخلية بين حكومة روحاني والتيار المحافظ والأوساط المؤيدة لـ«الحرس الثوري». غداة المهلة الدولية الجديدة التي تنتهي صلاحيتها في فبراير (شباط) المقبل. وحذرت طهران بعبارات شديدة اللهجة، وبدأت الصحف المؤيدة للحكومة الضغط لإنعاش تطلعات الحكومة.
وقال روحاني في إشارة ضمنية إلى أطراف يتهمهم بعرقلة سياساته في الداخل، إن «الشعب الإيراني يعرف مَن يمارس الظلم ضده، وما تسببوا فيه من إلحاق الأضرار بالاتفاق النووي، ويعرفون ما كان ممكناً من فوائد وآثاراً في الاتفاق»، قبل أن يشير إلى صعوبات واجهت الإيرانيين العام الماضي. لكنه أعرب في الوقت نفسه عن ارتياحه تجاه «السكينة» التي تمر بإيران منذ مارس (آذار) المنصرم.
وكان روحاني يشير ضمناً إلى إضرابات غير مسبوقة وسلسلة احتجاجات شهدتها إيران منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2017 وتواصلت على مدى عام 2018 بالتزامن مع إعادة فرض العقوبات الأميركية لكن تراجع زخمها تدريجياً نتيجة سياسات عاجلة لاحتواء تدهور قيمة العملة فضلاً عن حملة أمنية واسعة استهدفت ناشطين على صلة بالإضرابات.
ودافع عن «فاعلية» حكومته ووصفها بـ«القوية» قائلاً: «إنها الحكومة التي عندما تدخل نيويورك تصبح محوراً لكل المفاوضات والكل يتسابق للقاء رئيس جمهوريتها».
وأشار روحاني إلى أن حكومته «ما زالت تتلقي رسائل (أميركية) للتفاوض»، من دون أن يقدم تفاصيل عن رد طهران.
وبالتزامن مع اجتماع الحكومة، «كذّب» مجلس تشخيص مصلحة النظام في بيان رسمي، مزاعم نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، حول موافقة المرشد علي خامئني على لائحتي الانضمام لاتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة «باليرمو» ومكافحة تمويل الإرهاب(CFT).
وقال البيان: «المرشد لم يدلِ برأي أو يوجه خطاباً خطياً حول الموافقة على تمرير أو تنفيذ لوائح (باليرمو) و(سي إف تي)». وطالب المسؤولين الحكوميين بـ«احترام الأمانة في اقتباس أقوال المرشد». وأضاف أن «المجلس سيواصل مناقشة اللائحتين بعيداً عن أي ضغوط أو اعتبار وفي إطار المصالح الوطنية».
ودعا جهانغيري، مجلس تشخيص مصلحة النظام، أول من أمس، إلى «إعلان موقفه النهائي من اللائحتين نظراً لموافقة المرشد الإيراني وإقرارها في اجتماع رؤساء السلطات الثلاث».
وكان جهانغيري قد أشار إلى فقدان أثر 22 مليار دولار من ودائع العملات الأجنبية في إيران بعد نقلها إلى دبي وإسطنبول.
بدوره، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، عقب الاجتماع الوزاري، إن اتفاقيتي «(سي إف تي – CFT) و(باليرمو) تكتسبان أهمية بالغة لنا»، مشيراً إلى أن الاجتماع الوزاري أمس، ناقش قضايا انضمام إيران إلى مجموعة «فاتف»، محذراً من تبعات إدراج إيران على القائمة السوداء. وقال في هذا الصدد: «تحليلنا هو أن إدراجنا على القائمة السوداء لـ(فاتف) سيؤدي إلى سيطرة استخباراتية أكثر للأجانب على خلاف تصور من يعتقدون أن انضمامنا إلى (فاتف) سيؤدي إلى سيطرة استخباراتية علينا». وقال في جزء آخر، إن «عدم انضمامنا سيكون سبباً في توجيه التهم إليها. تحفظاتنا أيضاً لا تخلق أي مشكلات أمنية بالنسبة إلينا».
وقال ربيعي للصحافيين: «لن تتمكن البنوك الإيرانية من النشاط في الخارج في حال إدراجنا على القائمة السوداء لـ(فاتف)».
وعدّ ربيعي انضمام إيران إلى اتفاقيات دولية «يصب في المصلحة الوطنية»، مشدداً على «ضرورة عد رد اللوائح». وقال: «يجب ألا نعطي ذرائع للآخرين». وفي إشارة إلى خصوم روحاني قال: «يقولون الآن إننا لم ندرج على القائمة السوداء لذلك يجب أن نقاوم. هؤلاء هم الذين قالوا إن الولايات المتحدة لم تنسحب من الاتفاق النووي، لكنها انسحبت. الحكومة تؤمن بالمقاومة ضد شخص متغطرس مثل ترمب لكننا نعتقد أن المقاومة يجب أن تكون في محلها. الحكومة لديها أسبقية على الآخرين في المقاومة».
وأكد ربيعي أن رؤساء السلطات الثلاث (الحكومة والبرلمان والقضاء) وافقوا على تمرير لوائح «فاتف»، موضحاً أن «القضية كانت مطروحة في آخر اجتماع لزعماء السلطات الثلاث وأكدوا تنفيذ اللوائح وسيطّلع المرشد الإيراني على ذلك».
وما إن تناقلت وكالات رسمية تصريحات ربيعي، جاء الرد سريعاً من المتحدث باسم القضاء محسن إسماعيلي الذي دحض تصريحات ربيعي بقوله: «منذ تعيين إبراهيم رئيسي في رئاسة القضاء وحضوره في اجتماع الرؤساء الثلاثة، لم يجرِ أي نقاش حول (فاتف)».
في بداية مارس، أصدر المرشد علي خامنئي مرسوماً بتعيين رئيسي بدلاً من صادق لاريجاني في رئاسة الجهاز القضائي. وفي 14 أبريل (نيسان)، شارك رئيسي في أول اجتماع الثلاثي مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة والذي يجري عادةً لبحث الخلافات والقضايا العالقة بين السلطات الثلاث.
وقال إسماعيلي، تعليقاً على تصريحات ربيعي: «خلافاً للمزاعم المطروحة، منذ تعيين رئيسي على رأس القضاء وحضوره الاجتماعات الثلاثية لم تكن (فاتف) مطروحة، ومزاعم الموافقة على تمرير اتفاقية (فاتف) غير صحيحة».
إلى ذلك، أفادت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» نقلاً عن رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي، بأن الرئيس حسن روحاني «سيعلن الخطوة الرابعة من خفض التزامات الاتفاق النووي».
وكان المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، قد قال للصحافيين أمس، إن الحكومة «ستواصل المفاوضات مع الأوروبيين حول ضرورة الاتفاق النووي»، لكنه أضاف: «من المرجح أن تتخذ إيران الخطوة الرابعة من تخفيض التزاماتها». وأضاف: «يوجه الأوروبيون وغيرهم رسائل باستمرار إلينا حول التوصل إلى إطار قبل نهاية مهلة الشهرين» التي تنتهي في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.