عين العالم على «داعش»

مخاوف من سيناريوهات الفرار وصحوة جديدة للتنظيم

امرأتان يشتبه بأنهما من عائلات {داعش} في مخيم الهول بالحسكة شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
امرأتان يشتبه بأنهما من عائلات {داعش} في مخيم الهول بالحسكة شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
TT

عين العالم على «داعش»

امرأتان يشتبه بأنهما من عائلات {داعش} في مخيم الهول بالحسكة شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)
امرأتان يشتبه بأنهما من عائلات {داعش} في مخيم الهول بالحسكة شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

أفرزت عملية الهجوم التركي الأخيرة على شمال شرقي سوريا مخاوف كبيرة، من فرار أعضاء تنظيم «داعش» المحتجَزين في السجون القائمة في مناطق الأكراد، وتُقدّر أعدادهم بالآلاف، وربما كان هاجس عودة التنظيم إلى سابق عهده أحد أهم العوامل التي دفعت القوى الغربية الكبرى، في طريق إنهاء هذه الهجمات، والتوصل بأسرع وقت لوقف إطلاق النار، ومن ثم بلورة منطقة آمنة كيفما كانت تفاصيلها.
الشاهد أنه رغم الاتفاق الأميركي - التركي الذي جرى، الأيام القليلة الماضية، فإن الولايات المتحدة الأميركية، وبقية الدول الأوروبية المشاركة في الاتحاد الدولي المكافح للتنظيم الإرهابي، لا تزال تواصل عمليات مراقبتها الدؤوبة في المنطقة التي توجد بها سجون «داعش».
والمؤكد أيضاً أن العملية التركية الأخيرة لفتت انتباه العالم، ومن جديد، إلى مستقبل الحملة على التنظيم، وعلى ضرورة الحفاظ على أمن سجنائه، كما طرح الحدث نفسه عدة أسئلة جوهرية مزعجة، منها: «هل تعمد تركيا، على سبيل المثال، إلى إعطاء (داعش) قبلة الحياة، إذا قُدّر لها أن تستمر في عملياتها العسكرية، وحال استطاع الدواعش، في ظل الفوضى، الهروب إلى قلب سوريا، أو العودة إلى العراق ثانية، ولاحقاً ربما الانتشار حول العالم وتشكيل كيانات إرهابية أكثر خطراً؟ وهناك مَن يتساءل كذلك لماذا لم تتم محاكمة المحتجزين هؤلاء؟ وهو سؤال يبيّن وجود معضلة حقيقية تتمثل في الدول التي يمكن أن تقبل بهم وهم أقرب ما يكونون إلى القنابل الآيديولوجية الجاهزة للانفجار، ولهذا يبقى الجدل محتدماً بين أوروبا وأميركا حول مَن سيقبل عودة تلك العناصر إلى أراضيه.
والثابت قطعاً أن أكثر فريق في إدارة الرئيس ترمب أبدى مخاوف جدية من الآثار السلبية لما يقوم به إردوغان في تركيا كان فريق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الذي أدرك جنرالاته، ومنذ الساعات الأولى للعملية، الانتكاسة القاتلة التي يمكن أن يُصاب بها التحالف الذي استمر لسنوات في مواجهة الطاعون الداعشي الأسود، إلى أن قُدّر له أن يدحر الجماعة المارقة لوجيستياً، وإن بقي الخطر الأكبر فكرياً قابلاً للانتشار عبر الأثير.
في هذا السياق، يمكن أن نتفهم لماذا أدان «البنتاغون» بشدة الهجوم العسكري الذي وُصِف من قِبَل الجنرالات الأميركيين بأنه «غير مقبول»، معتبرين أنه أسفر عن إطلاق سراح كثير من المعتقلين الخطرين المنتمين إلى «داعش»، الأمر الذي حدا بوزير الدفاع الأميركي مارك إسبر لإصدار بيان قال فيه إن واشنطن ستطلب من «حلف الأطلسي» اتخاذ إجراءات ضد تركيا بسبب تقويضها المهمة الدولية لمكافحة «داعش».
تتبدى المخاوف من كارثة عودة «الدواعش» عند نقطة بعينها، وهي إعادة القوات الكردية التي كانت تحرس سجون الأتراك تموضعها، بعد قرار انسحاب القوات الأميركية المفاجئ، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة «تايمز» البريطانية، في تقرير مطول لها قالت فيه إن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، الحليف الرئيسي للغرب ضد «داعش»، ألغت مهام الوحدات التي تؤمِّن السجون والمعسكرات، شمال شرقي سوريا، والتي تضمّ ما يصل إلى 100 ألف من أعضاء «داعش» وزوجاتهم، بمن فيهم عشرات البريطانيين، لإرسال المقاتلين إلى الحدود لمواجهة الهجوم التركي.
الخطر الحقيقي من فرار «الدواعش» عبّر عنه اللواء مظلوم كوباني عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية» التي يسيطر عليها الأكراد، الذي أشار إلى أن حراسة سجون «داعش» أصبحت مهمة ثانوية لمقاتليه، الذين ترك كثيرون منهم أسراً في بلدات حدودية على الخط الأمامي للهجوم التركي.
وفي حديث له لشبكة «إن بي سي» الأميركية، أضاف مظلوم أنه يشعر بخيبة أمل من قرار ترمب، وكان يفكر في تحالف مع نظام الأسد للدفاع عن المنطقة.
ما جرى خلال الأيام التي استمر فيها القصف التركي لمناطق الأكراد أدى بالفعل إلى توفير غطاء لمئات من عائلات مسلحي «داعش» وسجنائه للفرار من المخيمات التي تسيطر عليها القوات الكردية، وتبلغ السجون نحو سبعة، بها أكثر من 12 ألف «داعشي»، بينهم 3 آلاف أجنبي، ومن هنا ينشأ سؤال يطرح نفسه بنفسه على مائدة النقاش: «ما سيناريوهات تحركات الفارين من الدواعش الإرهابيين؟».
المؤكد أن الأيادي الخفية التي شكلت وأنتجت هذا التنظيم سوف تظل لها الكلمة العليا في استخدام هؤلاء كأوراق ضغط لتصفية حسابات وتغيير شكل المعركة على الأرض، وتحويل مسارات الأحداث، إلى آخر خيوط وخطوط المؤامرة الكبرى. بعض السيناريوهات الأخرى ترى إمكانية التحاق مقاتلي «داعش» وأسرهم بالخلايا النائمة المنتشرة داخل سوريا أو على الحدود مع العراق، أو العودة إلى دولهم، والسعي إلى تشكيل خلايا نشطة هناك.
يتساءل المراقبون في الداخل الأميركي قبل الخارج: «كيف اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرار الانسحاب من سوريا ولم يستمع، على سبيل المثال، إلى تحذيرات رجل بوزن السفير جيمس جيفري، المسؤول الأميركي المكلف قيادة المعركة الدبلوماسية لدحر تنظيم (داعش)، التي أشار فيها إلى أن التنظيم لا يزال موجوداً ويُسهِم في انعدام الأمن ويتسبب بمشاكل في سوريا بطرق كثيرة مختلفة؟».
وضمن الأوراق العديدة التي طالعناها في شأن خطر الدواعش القائم والقادم، تقرير صادر عن «مجموعة دراسة سوريا»، وهي فرقة عمل مشتركة من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي مكلفة من «الكونغرس» تقدم توصيات حول سياسة الولايات المتحدة في سوريا.
التقرير يحذر من المخاطر التي تهدد أمن الولايات المتحدة الأميركية جراء سحب القوات الأميركية السابق لأوانه، ويشير إلى أن تنظيم «داعش» لا يزال يملك الوسائل والرغبة في تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، وسوف يستغل أي ثغرة للنفاذ منها وإعادة تعبئة صفوفه.
ولعل خطورة المشهد الداعشي في الآونة الحالية، وبعدما يجري في شمال شرقي سوريا، يتمثل في أن تنظيم «داعش» المنحول لا يزال يحتفظ بهيكليته القيادية، ونفاذه إلى الموارد وجاذبيته العالمية، الأمر الذي يجعل من الممكن جداً بالنسبة له إعادة بناء قواته والبدء في إطلاق هجمات لا تستهدف المجتمعات السورية فحسب، بل أهدافاً عبر الحدود في العراق أيضاً، حيث تنتشر أعداد أكبر بكثير من القوات الأميركية، وكذلك التخطيط لهجمات في أوروبا والولايات المتحدة.
مَن يستفيد من انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من شمال شرقي سوريا ويعطي الفرصة للدواعش للعودة من جديد؟
المقطوع به أن هناك أصواتاً أميركية كثيرة تكشفت لها الحقائق منذ فترة طويلة، أي منذ بدأ ترمب، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في التفكير من الانسحاب من هناك، وفي المقدمة من هؤلاء السيناتور النافذ وصاحب أكبر تأثير على عقل ترمب، السيناتور ليندسي غراهام، الذي اعتبر أن قرار انسحاب ترمب سيكون إيذاناً بعودة خطيرة وقاتلة لتنظيم «داعش»، وربما لنشوء وارتقاء ما هو أسوأ وأخطر من جماعات إرهابية تجمع بين دهاء ومكر «القاعدة» من جهة، وقدرة وقوة الدواعش الميدانية على الأرض من ناحية أخرى.
السيناتور الجمهوري الأميركي البارز ليندسي غراهام، وفي حديثه لشبكة «فوكس» الإخبارية الأميركية يتوقف بنا أمام مستفيدين آخرين من الانسحاب، ويرى أن إيران سوف تحقق نصراً كبيراً، وإن بطريق غير مباشر، حال فرار «الدواعش»، إذ بهم تُشغِل وتشاغِل المنطقة برمتها، وتدخلها في مساحات صراع خطيرة تستدعي استعانة الآخرين بالقوات الإيرانية، بالضبط كما حدث مع سوريا التي احتلّت إيران فيها جزءاً بالغاً لوجيستياً وآيديولوجياً، عطفاً على أن غراهام يؤكد أن الأسد في سوريا، وأركان حكمه، سعداء للغاية بمثل هذا التصرّف الأميركي، لأنه سيتيح له فرصة العودة من جديد إلى الشمال السوري، حيث منعت قواته من الدخول هناك خلال السنوات الخمس الماضية.
ينحو غراهام في تصريحاته إلى أن أميركا ترمب لا تتعلم أو تتعظ بما جرى على يدي أميركا أوباما، الرجل الذي تحدث كثيراً عن الأمل، لكنه كان أملاً أجوف زائفاً، والذي قدم أكبر هدايا لجماعات التطرف الأصولي، عبر محاولة تمكينهم من أنظمة ودول في الشرق الأوسط، ومن خلال انسحابه غير العقلاني أو المتروي من العراق، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ولادة تنظيم «داعش» من رحم «القاعدة»، تلك التي عاشت أيامها الأخيرة في زمن الاحتلال الأميركي للعراق، وصولاً إلى الاتفاق سيئ السمعة مع إيران، الذي مكّن لها أن تستمر في سياساتها الدموية ومحاولة بسط سيطرتها على منطقة الخليج العربي برمتها.
لم يكن الجانبان الأميركي والأوروبي فقط هما من تنبَّه لكارثة عودة الدواعش؛ ففي «عشق آباد، عاصمة تركمانستان، وفي اجتماع لزعماء الدول السوفياتية السابقة، تحدث ثعلب روسيا وقيصرها فلاديمير بوتين مشيراً إلى أن الغزو التركي لشمال سوريا قد يحرر الآلاف من مقاتلي «داعش» الخاضعين حالياً للسيطرة الكردية، وأن فرارهم «يشكل تهديداً حقيقياً للروس»، الأمر الذي اعتُبِر انتقاداً واضحاً للهجوم التركي على شمال شرقي سوريا.
يمكن القول إن هجوم إردوغان الأخير هو المرة الثانية التي يلقي فيها الرجل بحبل النجاة لتنظيم «داعش»، بعد أن سبق لتركيا فتح حدودها أمام متطرفين أجانب لدخول سوريا، ما مكّن «داعش»، في نهاية المطاف من بناء «خلافة» وصلت مساحتها، في 2014، لما يعادل مساحة بريطانيا.


مقالات ذات صلة

بغداد تعلن الاتفاق مع واشنطن على جدول لانسحاب «التحالف الدولي»

المشرق العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العبّاسي (أ.ف.ب)

بغداد تعلن الاتفاق مع واشنطن على جدول لانسحاب «التحالف الدولي»

توصّلت بغداد وواشنطن إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق «على مرحلتين»، وفق ما صرّح وزير الدفاع العراقي ثابت العبّاسي (الأحد).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي ممثل من «يونيتاد» يسلم القضاء العراقي تقرير التحقيق في جرائم الأسلحة الكيماوية لتنظيم «داعش» في العراق (موقع يونيتاد)

فريق التحقيق في جرائم «داعش» يستعد لمغادرة العراق

بطلب من بغداد، يُنهي فريق التحقيق الدولي لتعزيز المساءلة عن جرائم «داعش» (يونيتاد) مهمته في العراق، مبدياً أسفه على «سوء تفاهم» مع السلطات.

المشرق العربي سجناء من «داعش» داخل أحد سجون الرقة في شمال سوريا (الشرق الأوسط)

تشديد أمني في الرقة بعد فرار «دواعش» أجانب من سجونها

فرضت قوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة، إجراءات أمنية مشددة عقب كتابة شعارات موالية لتنظيم «داعش» على جدران، بعد فرار عناصر أجانب من سجون «قسد».

كمال شيخو (القامشلي)
الولايات المتحدة​ رجل يهودي يمشي مع طفل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

اعتقال باكستاني خطط لشن هجوم باسم «داعش» ضد اليهود في نيويورك

أعلنت الولايات المتحدة أمس (الجمعة)، أنها أحبطت «هجوماً إرهابياً» ضد يهود في مدينة نيويورك كان باكستانيّ يعيش في كندا يخطط لشنه باسم تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي مجموعة من الإيزيديين خلال فرارهم من تنظيم «داعش» عام 2014 (أرشيفية - رويترز)

سباق مع الزمن لتوثيق إبادة الإيزيديين على يد «داعش»

يعمل فريق من الأمم المتحدة على توثيق الفظائع التي ارتكبها تنظيم «داعش» ضد الطائفة الإيزيدية في العراق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

سفارة أفغانستان في لندن تغلق أبوابها

صور ظلية لأشخاص يسيرون بالقرب من برج إليزابيث ومبنى البرلمان في لندن (رويترز)
صور ظلية لأشخاص يسيرون بالقرب من برج إليزابيث ومبنى البرلمان في لندن (رويترز)
TT

سفارة أفغانستان في لندن تغلق أبوابها

صور ظلية لأشخاص يسيرون بالقرب من برج إليزابيث ومبنى البرلمان في لندن (رويترز)
صور ظلية لأشخاص يسيرون بالقرب من برج إليزابيث ومبنى البرلمان في لندن (رويترز)

أعلنت وزارة الخارجية البريطانية رسمياً إغلاق سفارة أفغانستان في لندن وأبلغت الوزارة رسمياً زلماي رسول، السفير الأفغاني السابق لدى لندن، بهذا القرار.

وتشير تقارير إلى أنه تم استدعاء رسول إلى وزارة الخارجية البريطانية، الجمعة، وإبلاغه بأنه سيتم إغلاق السفارة في غضون 20 يوماً، حسب وكالة «خاما برس الأفغانية للأنباء»، الأحد.

وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن شؤون السفارة لن يتم تسليمها إلى ممثلي طالبان وسيتم إغلاقها. وأعطت السفارة مهلة 90 يوماً لمغادرة المملكة المتحدة.

وتضم المملكة المتحدة واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة الأفغانية في أوروبا. وإغلاق السفارة سيجعل من الصعب على هؤلاء المهاجرين الوصول إلى الخدمات القنصلية.

يأتي هذا الإعلان بعد فترة وجيزة من إعلان وزارة الخارجية التابعة لطالبان أنها لن تعترف بعد الآن بالوثائق القنصلية الصادرة عن البعثات الدبلوماسية الأفغانية في عدة دول غربية، بما في ذلك المملكة المتحدة.

واتهمت طالبان هذه السفارات بالعمل بشكل مستقل وعدم اتباع التوجيهات الصادرة من كابول. ومع ذلك، استثنت طالبان البعثات الدبلوماسية الأفغانية في بلغاريا وجمهورية التشيك وألمانيا وهولندا وإسبانيا، مشيرة إلى تفاعلها مع الحكومة في كابول.

ومنذ أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، تم تسليم العديد من السفارات الأفغانية إلى سيطرة طالبان أو بدأت باتباع الأوامر الصادرة من كابول.

ومع ذلك، استمرت السفارات في عدة دول غربية في العمل بشكل مستقل، حيث تقدم الخدمات القنصلية للمواطنين الأفغان.

وتعرضت حكومة أفغانستان لانتقادات من المجتمع الدولي بسبب سياسات طالبان التقييدية مثل حرمان الفتيات والنساء من الوصول إلى التعليم الثانوي والعالي.

ونتيجة لذلك، لم تعترف أي دولة حتى الآن بسلطات طالبان.