وسط مخاوف من عودة «داعش»... إندونيسيا تحاول منع انتقال التطرف من جيل إلى آخر

الأطفال يرسمون وينبذون العنف في مدرسة للمتشددين

أرشيفية
أرشيفية
TT

وسط مخاوف من عودة «داعش»... إندونيسيا تحاول منع انتقال التطرف من جيل إلى آخر

أرشيفية
أرشيفية

تحب الطفلة «آيس» الرقص، وتحفظ كلمات أغنية «أنا أبريق صغير» التي تفضل الرقص على نغماتها. غير أن والديها لا يريدان لابنتهما أن ترقص، ولا يريدان لها أن تغني، بل أرادا لها أن تموت معهما من أجل قضيتهما الموهومة.
في العام الماضي، عندما كانت الطفلة «آيس» في السابعة من عمرها، ركبت على دراجة بخارية، رفقة والدتها وشقيقها، وكانا يحملان علبة قالت الطفلة «آيس» إنها عبارة عن جوز الهند المغطى بأوراق الموز الكبيرة. وركب والدها وشقيقها الآخر على دراجة أخرى، وكانا يحملان معهما علبة مماثلة، وأسرعا المسير نحو أحد مراكز الشرطة في مدينة سورابايا في إندونيسيا، وهي من المدن التي تتعدد فيها الطوائف والعقائد.
كانت العلب تحتوي على قنابل انفجرت فور وصول حامليها إلى بوابة مركز الشرطة. وقامت الطفلة «آيس» من على الرصيف المقابل الذي اندفع جسدها النحيل إليه بقوة دفع الانفجار الهائل، وكانت من أخمص قدميها حتى رأسها في حالة من الفوضى العارمة المثيرة للشفقة، وسقط كل أفراد أسرتها صرعى الانفجار الدموي، ولم يتعرض أي من المارة لأذى. وأعلن تنظيم داعش الإرهابي، من على الجانب الآخر من العالم، مسؤوليته المباشرة عن الهجوم الإرهابي الجبان.
أما الطفلة «آيس»، التي حجبت الصحيفة اسمها الحقيقي لحماية خصوصيتها، أصبحت الآن جزءاً من برنامج لنبذ التطرف عن الأطفال، تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية في إندونيسيا. وفي ذلك المبنى الذي تحيط بها الأشجار والنباتات في العاصمة جاكرتا، تنطلق الطفلة «آيس» للاستماع إلى المغنية الأميركية «تايلور سويفت»، ثم تستذكر ما تحفظ من آيات القرآن، وتمارس ألعاب الذكاء.
ويشمل زملاؤها في تلك المدرسة أطفالاً لآباء آخرين من الانتحاريين، وأفراداً كانوا يخططون للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
كانت الجهود التي تبذلها الحكومة الإندونيسية، التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، لتطهير المجتمع المحلي من براثن التطرف والإرهاب الديني قيد المراقبة من قبل المجتمع الدولي المعني بمكافحة الإرهاب. وفي حين أن السواد الأعظم من الشعب الإندونيسي يعتنقون النسخة المعتدلة من الإسلام، فإن سلسلة من الهجمات الانتحارية الدموية قد حلت بأوزارها على الأمة هناك، بما في ذلك هجمات عام 2016 المريعة، وهي الأولى من نوعها في المنطقة التي يعلن تنظيم داعش مسؤوليته المباشرة عنها.
والآن، وفي ظل محاولات المئات من الأسر المنتمية إلى «داعش» الفرار من معسكرات الاعتقال المزرية في سوريا، في خضم عمليات التوغل العسكري التركية في الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات الكردية في شمال شرقي البلاد، صارت تلك الجهود والمحاولات أكثر أهمية وإلحاحاً عن ذي قبل. ويخشى المراقبون من تجدد أفكار ومعتقدات التنظيم الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط، وأن تجد لها ملاذاً آمناً على بعد آلاف الكيلومترات في إندونيسيا كذلك، حيث ظهرت الإشارات إلى بدء حدوث ذلك بالفعل.
ففي الأسبوع الماضي، تعرض وزير الأمن الإندونيسي للطعن على أيدي أحد الرجال الذين تربطهم السلطات الإندونيسية بتنظيم داعش الإرهابي. ومنذ ذلك الحين، قامت السلطات الأمنية في البلاد باعتقال ما لا يقل عن 36 مسلحاً مشتبه في أنهم كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات إرهابية، وهجمات أخرى ضمن حملة كبيرة لمكافحة الإرهاب في البلاد، حسبما أفادت به مصادر من الشرطة المحلية الأسبوع الحالي.
وكان المئات من الإندونيسيين قد سافروا إلى سوريا للقتال ضمن صفوف «داعش». وألقت الشرطة المحلية في مايو (أيار) الماضي القبض على 7 رجال عائدين إلى البلاد، وكانوا جزءاً من مخطط إرهابي لاستخدام شبكة واي - فاي في تفجير العبوات الناسفة عن بُعد.
ولا تقتصر المخاطر الأمنية هناك على أولئك الذين عادوا من الشرق الأوسط، إذ إن بعض العناصر من إندونيسيا يتأثرون سريعاً بالأفكار المتطرفة ممن لم يغادروا البلاد من قبل.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قام اثنان من الشباب، من الذين حاولوا الوصول إلى سوريا وفشلوا في ذلك، بتفجير أنفسهما في كاتدرائية الروم الكاثوليك في جنوب الفلبين، في هجوم أسفر عن سقوط أكثر من 20 قتيلاً مع إصابة كثيرين. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجيرات.
وفي إندونيسيا، هناك الآلاف من الأطفال المستضعفين الذين تلقوا تعاليم التطرف والإرهاب على أيدي ذويهم من الآباء والأمهات المتطرفين، وفقاً لما قاله خير الله غزالي، الذي أمضى 5 سنوات من عمره في السجن لاتهامه بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، مؤكداً أنه نبذ أفكار العنف والإرهاب داخل السجن، ويشرف حالياً على إدارة مدرسة إسلامية في مدينة ميدان بجزيرة سومطرة الإندونيسية، تلك التي تعتمد في مناهجها بصفة أساسية على تجربته الخاصة كمتطرف سابق، في محاولة لنزع التطرف والإرهاب عن عقول وأذهان الأطفال.
ويقول خير الله غزالي: «نعلم الأطفال في المدرسة أن الإسلام دين مسالم، وأن الجهاد يهدف إلى البناء، وليس الهدم. واعد نفسي نموذجاً حياً للأطفال، نظراً لأنني أفهم عقولهم، وأدرك البيئة التي نشأوا فيها. كما أعي تماماً معنى المعاناة. ولأنني تعرضت للتطرف من قبل، أعرف أنه يمكن نبذه عن أفهام الصغار. ورغم حجم مشكلة التطرف التي تواجهها البلاد، لم يحضر إلى المدرسة أكثر من 100 طفل فقط إلى برامج نزع التطرف الرسمية في إندونيسيا. ومدرستنا هي الوحيدة في البلاد التي تتلقى الدعم الحكومي الكبير، بهدف نزع التطرف من خلال تعليم 25 طفلاً من ذوي الصلة بالمتطرفين في البلاد في الموسم الواحد».
وقال التو لابيتوبون، محلل الإرهاب من إندونيسيا: «المتابعة الحكومية ضعيفة. والأطفال لا يجري تعقبهم ومراقبتهم بعد مغادرة البرنامج الدراسي واكتماله. ومخاطر انتقال الأفكار المتطرفة من جيل إلى آخر في إندونيسيا معروفة وموثقة بشكل جيد، وهناك عدد من المواطنين الإندونيسيين المرتبطين بتنظيم داعش هم من أبناء المتطرفين السابقين».
*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.