مختارات من روائع الفن الإسلامي والهندي في «كريستيز»

ضمن مزاد لأعمال فنية في لندن

من مجموعة د. حمد سعيد فارسي مخطوطات بالخط الكوفي
من مجموعة د. حمد سعيد فارسي مخطوطات بالخط الكوفي
TT

مختارات من روائع الفن الإسلامي والهندي في «كريستيز»

من مجموعة د. حمد سعيد فارسي مخطوطات بالخط الكوفي
من مجموعة د. حمد سعيد فارسي مخطوطات بالخط الكوفي

في موسم مزادات الفن الإسلامي تقدم دار «كريستيز» عدداً ضخماً من القطع التي تتنوع ما بين اللوحات والمخطوطات والمنمنمات والأسلحة والمجوهرات، وغير ذلك من فنون بلدان العالم الإسلامي والهندي. وينقسم المزاد الذي سيقام يومي الخميس والجمعة المقبلين إلى قسمين، الأول يضم فنون العالمين الإسلامي الهندي مضافاً إليه السجاد الشرقي، أما يوم الجمعة فيقام مزاد لمجموعة مقتنيات أوليفر هوار خبير الفنون الإسلامية الراحل.
يضم المزاد الكثير من القطع المتميزة بأسماء مقتنيها أو بأهميتها التاريخية. من المجموعات المعروضة هناك عدد من القطع من مجموعة الراحل المهندس محمد سعيد فارسي. هناك أيضاً ثلاثة كتب هامة من القرن الـ15 وجزأين من كتاب «نهج الفردوس»، إضافة إلى مصحف من العصر المملوكي و76 صفحة من مصحف بالخط الكوفي يعود للقرن الثامن.
ولا يكتمل أي مزاد لفنون العالم الإسلامي والهندي دون قطع السجاد النادرة وفي هذا المزاد توجد مجموعة متنوعة من السجاد في العهدين الصفوي والعثماني منها قطعة من سجادة تعود للقرن الـ14 من فترة حكم المغول وقطع أخرى نادرة من دمشق في القرن الـ16.

صندوق من الصدف الملون وتاج من اللؤلؤ
أثناء الحديث مع خبيرة الفن الإسلامي بكريستيز سارة بلمبلي تشير بفخر لصندوق مزين بالصدف الملون من غرب الهند، وتشير التفاصيل الدقيقة والألوان المبهرة للصدف وتشير إلى النقوش على الصندوق والتي تمثل أشجاراً بفروع تنتهي بثمرات دائرية.
تعرض لنا قطعة أخرى تدهش من بالحجرة، لا نعرف ما الذي يخفيه الصندوق المخملي المصنوع على هيئة هلال وعند فتحه نجد أمامنا أجزاء لعمامة وتاجاً في نفس الوقت مغزولة باللآلئ والماس والزمرد والياقوت. العمامة - التاج تعود لبداية القرن العشرين وصنع في نيبال. يتكون التاج من أكثر من قطعة يتم تركيبها لتشكل القطعة المدهشة. يثبت في مقدمة العمامة اللؤلؤية قطعة من الفضة تحمل شعار نيبال ويثبت عليها ريش من طائر الجنة. تشغلنا القطعة بتفاصيلها وغرابتها وخاصة أن رأس الطائر المحنطة ومنقاره مستخدمين في زينتها.
تعود بلمبلي إلى قطع أخرى محفوظة داخل صندوق أسود وتخرج لنا مجسمات صغيرة لحيوانات من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة، القطع المختلفة تتميز أيضاً بأن قاعدتها تحمل رسوماً لمدن ومعالم هندية. المجموعة من طاقم للعبة الشطرنج تتكون من 32 قطعة مغطاة بالذهب ومطعمة بالماس والزمرد والياقوت.

مجموعة محمد سعيد فارسي
تعرض الدار أيضاً مجموعة كبيرة من المخطوطات الكوفية التي تتضمن أجزاءً من القرآن الكريم، من المجموعة الخاصة بالدكتور محمد سعيد فارسي، وهو من الشخصيات المعروفة في مجال الفنون البصرية بمنطقة الشرق الأوسط، وكان من كبار الداعمين للفنون المصرية الحديثة، علاوة على دوره الكبير في تشجيع الإقبال على الفن الإسلامي التقليدي، حيث تضمنت هذه النسخ المعروضة للبيع أجزاء من القرآن الكريم. أما المستند التاسع عشر، فهي مخطوطة كبيرة الحجم تتضمن بجميع أجزائها كتابة بالحروف الكوفية، مع ترتيب معين للكلمات. ويعتبر بيع مخطوطة بهذا الحجم أمراً مذهلاً، خاصة أنها لا تزال تحتفظ بواجهتها الأصلية المنيرة من العصر الأموي، الذي كانت مدينة دمشق منارته، أو بواكير العصر العباسي في أواسط القرن الثامن.

كتاب لزوجة السلطان عبد المجيد
من المعروضات أيضاً كتاب أدعية وصلوات مختارة مكتوبة على ورق من اللون العاجي مكتوبة بخط النسخ مع إطارات باللون الأسود والذهبي، ومزينة بزخارف رقيقة في بدايات السور والفواصل. ويتميز الكتاب بالرسومات البديعة التي تمثل مكة والمدينة.
الكتاب صنع لاستخدام الزوجة السابعة عشر للسلطان عبد المجيد سيست هانم وابنتها الوحيدة نايل سلطان. ويبدو الاهتمام بتنسيق وزخرفة الكتاب في اختيار الألوان، الزهري المتدرج والقرمزي، وهي ألوان أنثوية ناعمة، وربما يكون الاختيار قد راعى الألوان المفضلة لدى الملكة ووحيدتها. يلفت النظر أيضاً وجود اسمي الملكة وابنتها في خمسة مواضع في الكتاب.
قدم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (حكم الدولة بين العامين 1876 و1909 ميلادية) علبة السجائر هذه، والمرصعة بالماس، وطغراء (ختم) السلطان، ونقوشاً مرصعة بالماس، إلى الأدميرال تشارلز بالدوين (1822 - 1888 م)، والذي كان قائداً للأسطول الأميركي في منطقة البحر المتوسط بالقسطنطينية في عام 1882م.
تعتبر هاتان القطعتان الرخاميتان تجسيداً لتقنيات الفنون الزجاجية التي كانت رائجة في إيران في القرن السابع عشر. كان من المفترض أن توضع هاتان القطعتان أصلاً في إطار أكبر حجماً؛ لتشكل قطعة مصورة واحدة. توضع مثل هذه القطع غالباً ضمن القناطر، وكانت تجسد في كثيرٍ من الأحيان ترف الحدائق الغناء. تحمل كل قطعة من هذه الرخاميات، كما هو مبين في هذه الأمثلة، جزءاً من فكرة أو لوحة، أو تمثل عنصراً ضمن مجموعة كبيرة منها، وتظهر أزهار خلابة تتخلل أوراقاً شجرية متمايلة على بعضها، وتمتاز بلونها الأزرق البراق مع الأصفر، بجانب بعض الخطوط المرسومة باللون الأسود.

سجادة فارسية
يعد الحائك الشهير حاجي ملا محمد حسن محتشم، أحد الخياطين القلائل الذين رسخوا مكانة مدينة كاشان الفارسية كمركز حديث للخياطة أواخر القرن التاسع عشر. يعرف السجاد المصنوع عنده بروعة نسجه، وجودة خيوطه المصنوعة من أجود المواد المشغولة يدوياً مثل الصوف الناعم، فضلاً عن ثراء الألوان وتناسقها البديع في تلك المنسوجات المصنوعة كلياً من مواد طبيعية، ويتم في بعض الأحيان إضفاء لمسات من الحرير الأرجواني إلى تلك القطع، وهي المواد التي تظهر جميعها على هذه السجادة التي يبلغ طولها 303 سم، وبعرض يبلغ 230 سم، ويعود تاريخ صناعتها إلى عام 1890 تقريباً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».