يشترك باتمان وسوبرمان وايرونمان وسبايدر مان بثلاثة خصائص. الأولى تشابه الأسماء والثانية كونهم أبطال مجلات الكوميكس في الأساس إذ ليس من بينهم شخصية كتبت خصيصاً للسينما. الخاصة الثالثة هي أنهم بلا آباء.
هؤلاء، وكابتن مارڤل وكابتن أميركا وكل شخصيات «ذا أفنجرز»، يتامى. حتى الشرير «جوكر» يتيم إلى حد رغم أنه، في الفيلم الماثل أمامنا هذه الأيام، تعرّف على من قالت له أمه إنه أبوه لكن هذا (متمثلا بسياسي بالغ الثراء اسمه توماس واين) ينفي معرفته به ويقول له إنه لم يقم بأي علاقة مع والدته (التي كانت تعمل خادمة في منزله) بل إن والدته التقطته من الشارع وتبنته.
توماس واين، لمن يود الاكتشاف أنجب بروس واين وبروس واين هو من عضته طيور الوطاويط صغيراً فانقلب إلى …. «باتمان». في مطلع شبابه قتل أحدهم توماس واين ما فرض على ابنه الفعلي باتمان الذي انقلب لاحقاً إلى سوبرهيرو، أن يعيش يتيماً.
هذا الوضع القائم على سؤال «أنا ابن من؟» لا يمت إلى باتمان وجوكر فقط بل ينتشر كقاسم مشترك بين العديد من شخصيات السوبرهيرو بما فيها شيخها الكبير «سوبرمان».
- نادي اليتامى
تقول الأسطورة إن سوبرمان وُلد فوق كوكب اسمه كريبتون. هذا ورد في العدد الأول من المجلة التي سُمّيت باسمه (Action Comics) سنة 1938 وأن والده أنقذ حياته عندما بعث به إلى الأرض بعدما بات محتماً دمار ذلك الكوكب. والده بالتالي مات في ذلك العالم البعيد.
المركبة التي حملت سوبرمان الصغير إلى الأرض حطت في الريف الأميركي حيث اكتشفه رجل وزوجته لم يرزقا بأولاد. أخذاه وبدآ العناية به. لكن الحكاية لم تشأ لبطلها أن يعيش في كنف أب عطوف فمات الأب بالتبني كذلك وسوبرمان ما زال شاباً.
الأب الغائب والتبني هما خلفية «ايرون مان» أيضاً الذي ظهر مطبوعاً لأول مرة سنة 1963 ومثل باتمان وسوبرمان وجوكر له اسم آخر يُكنّى به هو توني ستارك. وهو ولد لأب ثري (كحال توماس واين) لكن حادثة سيارة تقضي على والديه فينشأ يتيماً لينصرف لمتابعة أعمال والده. بعد حين سيكتشف أن والده لم يكن أباه بالفعل بل تبناه طفلاً.
لو أوردنا هنا باقي الشخصيات ذات القدرات البطولية الفائقة من سبايدر مان إلى «ذا فانتوم» و«فلاش غوردون» و«كابتن مارڤل» سنجد أنهم جميعاً ينتمون إلى نادي اليتامى ذاته ما يدفع بالسؤال عن السر في ذلك. لماذا كان على ذلك «السوبر هيرو» أن يبلور شخصيته وطاقاته وقدراته الفائقة فقط بعد رحيل الأب.
بما أن الأم غائبة بدورها في معظم الحالات، فإن المسألة، سيكولوجياً، لا علاقة لها بعقدة أوديب.
نجد بعض الإجابات في المرجعيات الدينية الغربية. هذا الغياب المتعمد انتقل إلى حكايات أدبية كثيرة كما حال بطل روايتي تشارلز ديكنز «ديفيد كوبرفيلد» و«توقعات عظيمة». نلاحظ الغياب نفسه في روايات «الملك آرثر» وصولاً إلى حكايات حديثة العهد مثل حكايات «هاري بوتر» الذي لا نرى له أباً بل يعيش في كنف عمّه القاسي.
ونجد هذا الغياب متجلياً في السيرة المتجددة لأبطال «ستار وورز»: صولو ليس له أب معروف، لوك وشقيقته ليا اعتقدا أنهما يتيمان لكن الشبهات تدور حول دارث فادر كأب تخلى عن ولديه. خلال ذلك حل بن أوبي وان (أليس غينس) مكانه في رعاية لوك.
ما يوعز به كل ذلك هو إثارة التعاطف لشخصيات وُلدت محرومة حتى وإن كانت ستتمتع بما يعوض هذا الحرمان من قدرات بدنية. تقول دراسة منشورة في مجلة Psycology Today إن الطفل الذي ينشأ يتيماً يطلق خياله صوب آفاق يجد فيها نفسه أقوى من سواه. حتى أقوى مما كان والده سيكون عليه فيما لو لم يمت أو يغيب عنه.
في الجانب الآخر من هذه البطولات تكمن حقيقة أن غياب الأب بمثابة «كارت بلانش» لاحتلال مكانة عالمية. السوبرهيرو، كما تفيد الشخصيات المذكورة آنفاً، هم أبناء العالم بأسره. اختصاصاتهم تجعلهم ينتمون إلى عالم بلا هوية.
في عمق هذه الدلالة تكمن حقيقة أن البطل الخارق الذي لا أب له سيعمد، كما حال سوبرمان وسبايدر مان وكل عائلة «أفنجرز» وفوقها «كابتن أميركا» و«كابتن مارڤل»، إلى إنقاذ العالم المسالم الذي لا يستطيع أن يتمتع بأي من القدرات البدنية التي يتمتع بها السوبر هيرو. بذلك يتم التعويض عن الأب المفقود بإيجاد آباء كثيرين لا داخل الفيلم بل بين عموم المشاهدين الذين سيتبنون البطل الخارق ذهنياً شاعرين بسعادة كبيرة لقدرته على محو الشر وشخصياته وإنقاذ الأنفس البريئة.
- شخصيات مزدوجة
بعض ما سبق من تفسيرات واحتمالات هي حقائق في إطار الخيال. الإبداع المتمثل في سطور المؤلف تصبح غير ذات ريب بل الشرط الأساسي لخلق سوبرهيرو مثالي. والحال هذه فإن هذا السوبرهيرو الذي له حياة تشبه حياة البشر (الذات البديلة- Alter Ego) واسم (طبيعي) يُكنى به وربما وظيفة عادية لا يستطيع أن يقع في الحب الذي يؤدي إلى الزواج وتكوين العائلة.
كلارك كنت هو سوبرمان ووظيفته التي تخفي شخصيته هي مصوّر صحافي. الصحافية التي تعمل في الجريدة تنتقل تدريجياً من عدم المبالاة إلى الرغبة في الاقتران على نحو ما به. هو يشعر صوبها ببعض هذا الشعور لكنه سيخفيه وسيتصرف دوماً كما لو أنه أقرب إلى الغباء في مثل هذه المسائل.
شخصية كابتن مارڤل بدورها (وقد ظهرت أول مرة سنة 1939) هي شخصية مزدوجة بدورها. هو كابتن يتمتع بقوّة خارقة (كالعادة). يتيم منذ أن كان في الرابعة عشرة ويعيش حياته العادية تحت اسم ويليام بيلي باتسون لكنه سينقلب، بعد سنوات قليلة، إلى محارب قوي في سبيل المظلومين بمجرد نطقه الكلمة السحرية «شازام».
هو والباقون جميعاً ليسوا متزوّجين وبالتالي لا حياة عاطفية وعائلية لهم ما يجعل مسألة استمراريتهم عبر إنجابهم أولاداً أمرا مستبعدا تماماً. خارج هذا الإطار الكبير لموضوع الآباء الغائبين والأولاد المتفردين نجد أفلاماً أخرى تبحث في هذا الغياب من دون أن تنتمي إلى سينما السوبرهيرو. المثال على ذلك نجده في «أد أسترا» حيث بطل الفيلم هو شخص عاش بلا حنان الأبوّة منذ أن ذهب والده في رحلة عمل إلى كوكب نبتون وبقي هناك. اعتقد أن والده مات، لكن فجأة تحوّل هذا الاعتقاد إلى أمل ثم لقاء. في بحثه عن أبيه يبحث عن نفسه.
يبدو أن المسألة برمتها أكثر تعقيداً مما يتبدى من الوهلة الأولى.