باريس: أحكام مشددة بحق 5 نساء لمسؤوليتهن عن محاولة إرهابية فاشلة

السجن بين 20 و30 عاماً للمتهمات في قضية السيارة المفخخة أمام كاتدرائية نوتردام

رسم للمتهمات وهن يستمعن إلى الأحكام الصادرة بحقهن في باريس (أ.ف.ب)
رسم للمتهمات وهن يستمعن إلى الأحكام الصادرة بحقهن في باريس (أ.ف.ب)
TT

باريس: أحكام مشددة بحق 5 نساء لمسؤوليتهن عن محاولة إرهابية فاشلة

رسم للمتهمات وهن يستمعن إلى الأحكام الصادرة بحقهن في باريس (أ.ف.ب)
رسم للمتهمات وهن يستمعن إلى الأحكام الصادرة بحقهن في باريس (أ.ف.ب)

ما بين المعلومات التي تفيد باستعادة «داعش» 3 نساء خرجن من سجن في عين عيسى بعد ضربات عسكرية تركية، وانتهاء محاكمة 5 نساء في باريس تمت إدانتهن بتدبير اعتداء إرهابي قرب كاتدرائية نوتردام في باريس عام 2016، عاد الملف الإرهابي لتصدر الأحداث في فرنسا على المستويين الرسمي والإعلامي. وما أضاف إلى الإحساس بالعودة إلى دائرة العنف، العملية الإرهابية التي نفذها ميكاييل هاربون في قلب مديرية شرطة باريس والتي أوقعت 4 ضحايا من أفراد الأمن. يضاف إلى ذلك أن ما كانت تحذر منه السلطات الفرنسية منبهة إلى المخاطر المترتبة على عملية عسكرية تركية في شمال شرقي سوريا لجهة إفلات أعضاء في «داعش» أكانوا رجالاً أم نساءً، يبدو أنه أصبح اليوم واقعاً. وما يزيد من وقعها التقريع المتواصل الصادر عن الرئيس الأميركي الذي يطالب الأوروبيين؛ وعلى رأسهم الفرنسيون والبريطانيون، باستعادة مواطنيهم من الجهاديين، فيما باريس ولندن وعواصم أوروبية أخرى ترفض ذلك لما له من نتائج سياسية وأمنية. لكن التغيرات الأمنية الحاصلة في منطقة سيطرة «قسد» وانسحاب الأميركيين وتهيؤ باريس لسحب مئات عدة من وحدات الكوماندوز التي كانت تعمل إلى جانب الأكراد، ستدفع بالسلطات الفرنسية للنظر إلى هذا الملف المتفجر من زاوية مختلفة لتجنب «تبخر» جهادييها في الطبيعة.
أما على الصعيد الداخلي، فإن انتهاء محاكمة 5 نساء وصدور أحكام ثقيلة بحق 4 منهن، أعاد إلى الأذهان أن الإرهاب لم يكن حصراً بالرجال. ذلك أن تنظيم «داعش» نجح في تجنيد مجموعات كبيرة من النساء منهن من التحقن بمقاتليه في العراق وسوريا، ومنهن من بقين في فرنسا وعملن إما على تنفيذ عمليات إرهابية، أو تجنيد نساء أو رجال وإرسالهم إلى «ميادين القتال» في سوريا والعراق.
إذن؛ كنّ 5 نساء في قفص الاتهام للاستماع إلى الأحكام الصادرة بحقهن بعد 16 يوماً من المحاكمة و10 ساعات من المداولات بين القضاة. ومن بين الخمسة، ثمة امرأتان (إيناس مدني وأورنيلا جيليغمان) لعبتا الدور الرئيسي في العملية الإرهابية الفاشلة التي سعيا إلى تنفيذها صباح 4 سبتمبر (أيلول) عام 2016. فذاك الصباح، ركنتا سيارة من نوع «بيجو» إلى جانب مقهى ملاصق لكاتدرائية نوتردام معبأة بـ7 أسطوانات غاز و3 صفائح من محروق الديزل لإشعالها. والنية الجرمية في هذه العملية كانت واضحة، ولو نجحت المرأتان في إشعال المادة الحارقة لكانت حصلت مجزرة حقيقية في أحد الشوارع الأكثر ارتياداً في العاصمة الفرنسية. وقبل ذلك، عمدت المرأتان إلى تسجيل شريط فيديو بتبني العملية باسم «داعش» وأرسلتاه إلى رشيد قاسم؛ وهو متشدد فرنسي كان يشغل موقعاً مهماً داخل التنظيم الإرهابي على علاقة بالعمليات في أوروبا. وفقدت آثار قاسم منذ أشهر عدة والأرجح أنه قتل. يذكر أن هذا الشخص كان «مشغل» إيناس مدني التي عملت لحسابه وسبق أن حُكم عليها بالسجن 8 سنوات في شهر أبريل (نيسان) الماضي بتهم تجنيد متطرفين وإرسالهم إلى الجبهات وجمع أموال. والغريب في محاولات هذه المرأة أنها كانت تتخذ صفة الرجال في وسائل التواصل الاجتماعي وتستعير أسماء «جهادية» مختلفة لإغواء النساء. وقد اكتشفت شريكتها في عملية نوتردام أن «أبو جنيد» المتطرف الذي وقعت في غرامه عبر الإنترنت ليس سوى... إيناس مدني.
تبين الأحكام الصادرة بحق النساء الخمس أن القضاء المختص في شؤون الإرهاب تعمد النطق بأحكام ثقيلة لتكون مثلاً ورادعاً. فقد حكم على إيناس مدني بالسجن لمدة 30 عاماً، وعلى أورنيلا جيليغمان بـ25 عاماً.
كذلك صدرت أحكام بسجن امرأتين أخريين 20 عاماً لأنهما تعاونتا مع المتهمتين ولأن إحداهما طعنت رجل أمن بلباس مدني في مرأب السيارات التابع للمبنى الذي كانت تسكن فيه صبيحة اليوم الذي اعتقلت فيه مع امرأة أخرى. ونطقت المحكمة بحكم مخفف من 5 أعوام على امرأة خامسة لقيامها بدور همزة الوصل بين رشيد قاسم ومدني. أما الأخير، فقد حكم عليه غيابياً بالسجن مدى الحياة. وتتراوح أعمار الخمسة بين 22 و42 عاماً، وقال أحد محامي الدفاع، في مرافعته، إن الخمسة يشكلن «صورة الجهاد بصيغة المؤنث». وخلال المحاكمة، تبادلت مدني وجيليغمان الاتهامات؛ حيث رمت كل منهما مسؤولية العملية الفاشلة على الأخرى. وادعت الثانية أنها جاءت عن عمد بصفائح من المازوت صعب الاشتعال بدل البنزين سريع الالتهاب لتجنب الانفجار، بينما اتهمتها الأولى بقيادة السيارة وركنها إلى جانب الكاتدرائية التي التهمت النيران أجزاء كبيرة منها في الربيع الماضي بسبب تماس كهربائي.
مع هذه الأحكام؛ لم يسدل الستار على هذه القضية التي شدت انتباه الفرنسيين لخطورتها، ولأن النساء في قفص الاتهام. فالباب مفتوح أمام المحكوم عليهن لتقديم طعون وطلبات استئناف أمام محاكم أعلى. وفي أي حال، وبالنظر إلى الظروف الراهنة، فمن الصعب تصور أن يحصلن على أحكام مخففة، لأن الغرض من الأحكام ليس فقط معاقبتهن؛ بل أن يكنّ عبرة لمن يسلك هذا المنزلق الخطير.


مقالات ذات صلة

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))
شؤون إقليمية عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التركية أثناء عملية استهدفت «داعش» (إعلام تركي)

تركيا: القبض على 47 من عناصر «داعش»

ألقت قوات مكافحة الإرهاب بتركيا القبض على 47 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في حملة شملت 5 ولايات؛ بينها أنقرة وإسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».