ارتجف توماس دنكان في سريره الكبير، حتى مع كونه مدسوسا تحت الأغطية ومرتديا كامل ملابسه؛ السراويل، والجوارب، وقميصين اثنين. كان ذلك صباح الأحد الماضي، وكان دنكان، وهو ليبيري، يزور لويز تروه في شقتها بمدينة دالاس، قبل أن يشعر بضعف وبرد، كما أخبر ابنة لويز، واسمها يونجور جالا. ذهبت جالا سريعا إلى متجر «وول مارت» لشراء بطانية بنية اللون كلفتها 50 دولارا. وحينما عادت، وضعتها فوق أكتاف دنكان ثم رفعته من ظهره برفق، في محاولة لحمله على شرب بعض الشاي الساخن. كان ذلك عندما نظرت في عينيه وعلمت في قلبها أن حالته سيئة للغاية.
قالت جالا (35 عاما)، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» جرت في شقتها القريبة، حيث وضعت هي وعائلتها قيد الحجر الصحي: «كنت أشاهد (إيبولا) على التلفزيون، كيف يبدأ المرض، مع آلام في العضلات، واحمرار في العيون. وعندما شاهدت عينيه محمرتين بالكامل، ظننت هذه المرة أنه فيروس (إيبولا)، وأنه ينبغي علي أن أتوخى الحذر». قاست درجة حرارته، وكانت 38.8 درجة مئوية. وقالت: «يجب أن أتصل بالإسعاف».
حاول دنكان المقاومة، فقد كان في المستشفى بالفعل قبل بضعة أيام، وكل ما فعلوه هناك كان إرساله إلى المنزل مع بعض المضادات الحيوية. لم تستمع جالا إليه. واتصلت بخدمة الطوارئ على رقم «911». وأخبرت مراسل الصحيفة: «يذهب والدي إلى الحمام باستمرار»، مشيرة إلى دنكان.
بعد مرور 15 دقيقة، طرق اثنان من المسعفين الباب. استقبلت جالا الرجلين، لكنها قالت لهما إنهما لا يمكنهما الدخول حتى يضعا القفازات وأقنعة التنفس على الوجه، وأوضحت لهما قائلة: «لقد جاء من ليبيريا لتوه. من أجل السلامة، لا تلمسا أي شيء. إنها الفيروسات».
لم تستخدم كلمة «إيبولا»، كما قالت، لأنها لم تكن تعلم ما إذا كان هو الفيروس الفتاك أم لا. كل ما عرفته هو أن دنكان كان مريضا للغاية، وأن دولة ليبيريا يتفشى فيها مرض الحمى النزفية. طلب المسعفان من دنكان المشي إلى سيارة الإسعاف، كما فعل، لكنهما لم يسمحا لجالا بأن تعطيه البطانية، وقالت: «كان لا يزال باردا، ولم يكن معهما ما يغطيانه به».
لم تنتظر جالا حتى مغادرة سيارة الإسعاف. كل ما كان يجول بخاطرها هو الوصول إلى المستشفى بأسرع ما يمكن، كما قالت. توجهت إلى سيارتها «تويوتا» الحمراء الصغيرة مع البطانية على ذراعها، وانضم إليها الآن اثنان من أولاد عمومتها وجدتهم في وقت مبكر في طريقها إلى مجمع «إيفي أبارتمنت»، ووالدها جو جوجالا.
بعد مرور ساعة، كان أعضاء العائلة الـ4 جالسين في غرفة الانتظار بقسم الطوارئ في مستشفى الصحة الكنسية بتكساس، ينتظرون أن يسمعوا عن منح دنكان غرفة فيها. وقالت إحدى الممرضات: «سنعلمكم»، في كل مرة تسألها جالا.
ولذلك استمرت العائلة في الانتظار، وهم يشاهدون الناس يأتون ويذهبون من خلال غرفة الطوارئ. وفي هذه الأثناء، كانت البطانية المطوية بعناية، التي منذ ساعات قليلة كانت تغطي جسد الشخص الأول في البلاد المشتبه بإصابته بداء «إيبولا»، ملقاة على الكرسي بجانب جالا. يمكن للفيروس أن يكون معديا على الأسطح من ساعات قليلة، وحتى يومين كاملين، بناء على المادة ومدى التعرض لأشعة الشمس.
وأخيرا، قيل لها إن دنكان انتقل إلى غرفة في الطابق الأرضي، لكن موظف المستشفى أخبرها: «إنه معزول الآن. والزيارة ممنوعة».
غادرت جالا ومن بصحبتها المستشفى، على مضض، وعادوا إلى شقة تروه، في حين قام أحد أبناء العمومة بمسح الأرضية، ووضعت جالا البطانية التي أحضرتها معها على سرير والدتها، ثم رشت مطهرا في جميع أنحاء الشقة ورشت سائل «كلوروكس» على الأثاث. وقالت لتروه: «لا تنامي على ذلك السرير». اعترضت والدتها: «لقد اشتريت تلك البطانية لتوك». غير أن جالا أصرت.
وفي وقت لاحق، ابتاعت لوالدتها مطهرا، وفراشا مؤقتا وبطانيتين جديدتين.
لم ير أحد من العائلة دنكان منذ أن غادر الشقة في صباح يوم الأحد في سيارة الإسعاف. كان يعيش في شقة تروه في ذلك الوقت ولدها تيموثي واين (13 عاما)، واثنين من الرجال في العشرينات، أحدهما قريب يدعى أوليفر سمولوود، وصديق يسمى جيفري كول. وكلهم قيد الحجر الصحي داخل الشقة حاليا. في الليلة قبل انتقال دنكان إلى المستشفى، كانت جالا وشريكها آرون ياه، قد تركا ابنتهما و3 من الأبناء، أعمارهم بين الثانية والـ11، مع تروه، لقضاء الليلة.
يقضي الأطفال أجزاء من المساء في المعتاد مع جدتهم نظرا لعمل جالا ممرضة مسائية مساعدة، وتتبادل النوبات مع ياه الذي يعمل مساعدا صحيا. في مساء يوم السبت، نام الأطفال الـ4 طيلة الليل مع الجدة على الأرائك لديها. في طريقها إلى «إيفي أبارتمنت» صباح يوم السبت، اتصلت جالا بياه لتخبره أن دنكان مريض، وأنه يجب عليه المجيء فورا ليأخذ الأطفال إلى المنزل.
بعد مرور 3 أيام، وفي مساء الأربعاء، زار المسؤولون الصحيون، من مركز الولاية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، جالا وياه في شقتهما بالطابق الثاني. قاس المسؤولون حرارة جميع الموجودين، وأخبروهم أنه لا ينبغي عليهم مغادرة المنزل. فقالت جالا: «ليس لدينا أي طعام، ماذا نفعل؟». فقيل لها إنه يمكنها هي وياه الخروج إلى المتجر، ولكن ليس الأطفال. وقال المسؤولون الصحيون أيضا إنهم سيأتون كل يوم للاطمئنان على صحة العائلة. بعد ظهر يوم الخميس، في الوقت الذي كانت طفلتهما ذات الـ6 أعوام ترسم في كتاب التلوين، كان باقي الأطفال مستلقين على الأرائك في غرفة المعيشة، والتلفزيون الكبير يبث قناة «سي إن إن» الإخبارية. وتناثرت قطع البسكويت واللعب الصغيرة على السجادة الداكنة بنية اللون. يبدو أن جالا وياه تقبلا القيود بهدوء، رغم أنهما غير قادرين على الذهاب إلى العمل. ولكن وبمزيد من الأهمية، كما يقولان، لا يزالون جميعا في صحة جيدة.
في يوم الأربعاء، تحدثت جالا مع والدتها، وأخبرتها بأنه في حالة جيدة. قالت جالا لوالدتها: «إننا ندعو الله فقط. لا يمكننا فعل أي شيء آخر. نسأل الله في كل يوم أن يكون الجميع بخير». تحرص جالا وياه على عدم مصافحة الزائرين عندما يغادر أحدهم، ويستخدمان مناديل معقمة لفتح مقبض الباب عندما يغادر أحد ما.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»