«الإخوان» في الدول الإسكندنافية

«التنظيم الدولي» يرسخ وجوده في السويد

رجلا شرطة مسلحان أمام مسجد النور في أوسلو عقب تعرضه لهجوم في أغسطس الماضي  (إ.ب.أ)
رجلا شرطة مسلحان أمام مسجد النور في أوسلو عقب تعرضه لهجوم في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
TT

«الإخوان» في الدول الإسكندنافية

رجلا شرطة مسلحان أمام مسجد النور في أوسلو عقب تعرضه لهجوم في أغسطس الماضي  (إ.ب.أ)
رجلا شرطة مسلحان أمام مسجد النور في أوسلو عقب تعرضه لهجوم في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ما الذي يجعل التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين» يكثف جهوده في الآونة الأخيرة من أجل تثبيت حضوره في مجموعة الدول الإسكندنافية وبنوع خاص في السويد؟... لعل ما تعرضت له جماعة «الإخوان المسلمين» من انتكاسات في الأعوام الماضية في الشرق الأوسط، وفي منطقة الخليج العربي مؤخرا، كما في حال افتضاح شأنها في الكويت، جعل السعي المحموم إلى الخارج أمرا ملحا لا سيما إذا كانت في دول تتوفر فيها الشروط الملائمة لنشوء وارتقاء «الجماعة» مرة أخرى من أجل تحقيق أهدافها التي لم تغب عن عينيها.

منذ أن تأسست «الجماعة» وحتى الساعة، كان في المقدمة وضمن أهدافها، بسط هيمنتها ومقدراتها لا على العالم العربي والإسلامي فقط، بل تصدير دعوتها واكتساب أرض جديدة يوما تلو الآخر إلى حين تتمكن من التحكم في العالم برمته.
ما الذي يدعو لفتح ملف «الإخوان المسلمين» في الدول الإسكندنافية في هذا الوقت؟ المؤكد أن هناك رصدا ومتابعة دقيقين قد جرت بهما المقادير الأشهر القليلة الماضية، هناك، حيث أكدت الخلاصات أن العديد من أفراد جماعة الإخوان والقياديين في «التنظيم الدولي» قد وقر لديهم يقين بأن السويد والدنمارك والنرويج، هي أفضل ثلاث دول يمكن أن يباشروا عليها أنشطتهم وبخاصة بعد التضييق عليهم من قبل الأجهزة الأمنية، في الدول التقليدية التي عاشوا فيها طويلا لا سيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا بدرجة ما.
أضف إلى ذلك أن انحسار تنظيم داعش ومؤيديه أيديولوجيا على الأقل قد كشف أوراق الكثيرين الذين باتوا قولا وفعلا أوراقا محروقة، ويتحتم عليهم الابتعاد والتواري عن المشهد.
عطفا على ذلك فإن الدول الإسكندنافية في هذه الأوقات تبقى الأكثر أمانا من ناحية عدم استطاعة اليمين الأوروبي المتطرف، السيطرة على حكوماتها وهو التيار الذي يعادي جهرا وسرا الوجود الإسلامي على الأراضي الأوروبية.
في دراسة حديثة لـ«وكالة الطوارئ المدنية» في السويد إحدى أهم وزارات الدفاع والتي تقوم بمثابة الاستخبارات على الأرض، نجد خلاصات مفادها أن «الإخوان» يسعون إلى اختراق الوجود الإسلامي في السويد ونشر مفاهيم الجماعة واكتساب أعضاء جدد.
على أن السؤال المطروح في هذا المقام كيف تمكن «الإخوان» من اختراق هيكل الدولة السويدية خلال العقدين الماضيين أي مع أوائل الألفية الجديدة بنوع خاص؟
الجواب يحمله إلينا البرفيسور السويدي ماغنورس نورويل، وعنده أن جماعة «الإخوان» تمكنت على مر السنين من بناء مؤسسات قوية في ذلك البلد الإسكندنافي البعيد بعد أن ضمنت عمليات تمويل من الأموال السويدية العامة، وبعد أن أتقنت فن الاحتيال في هذا البلد منذ سنين طويلة.
أما الباحث السويدي والخبير في شؤون جماعة «الإخوان لمسلمين» لورينزو فيدينو، فيذهب في تحليله لطريقة انتشار الإخوان في السويد، إلى القول بأن جماعة «الإخوان» الأم تعتمد على ثلاث فئات من الكيانات السويدية أعضاء الإخوان أنفسهم، وشبكات الإخوان غير المباشرة، والمنظمات المتأثرة بالإخوان.
ولعل تعميق البحث في مسألة الوجود الإخواني في السويد يقودنا إلى اكتشاف جذور تعود إلى ثلاثة عقود خلت وليس لعقدين فقط، وأنهم عرفوا كيف يتعاطون وإن بذكاء شديد مع مفاتيح الدولة السويدية، وعليه فقد قاموا ببناء هيكل مؤسسي يستخدم بسلاسة «النموذج السويدي» للاستفادة الكاملة من نظام المنح السخي والمساعدات المالية من الخزائن العامة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أنشأت جماعة «الإخوان» منظمات مستقلة ظاهريا لكنها ترتبط بها تشمل شبكات من المدارس والشركات والجمعيات الخيرية وغيرها من الكيانات، كل واحدة تنتمي إلى إحدى الفئات الثلاث المتقدمة، تحصل على تمويلها من دافعي الضرائب.
في هذا الصدد كانت هيئة «الحماية المدنية والتأهب» تصدر تقريرا بعنوان «النشاط الإسلامي في سياق متعدد الثقافات» قام على إعداده أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية السويدي «إيه كارلوم»، من جامعة «مالمو» خلص فيه إلى أن «الإخوان» على أراضي السويد لديهم مهمة راديكالية الطابع ذات خطر على الدولة، ولا ينبغي أن تتلقى أموالا من الأصول الضريبية.
دعا تقرير «كارلوم» إلى فتح العيون على أهم بل وأخطر أربع جمعيات كبرى في السويد على صلة مباشرة بالإخوان وأشهرها «جمعية الإغاثة» و«جمعية بن رشد التعليمية» و«جمعية الشباب السويدي المسلم» و«الرابطة الإسلامية» التي تعد مقرا لـ«الإخوان».
يستدعي الحديث عن هذه الرابطة حديثا مطولا لا سيما بعد أن باتت ملاحقة رسميا من السلطات السويدية متمثلة في جهازي الشرطة والمخابرات، فهي تابعة بشكل كامل «للتنظيم الدولي» والذي ينشط بأذرع متعددة في أوروبا وخصوصا في السويد عبر نشاط اقتصادي مغلف بعمل خيري أو تربوي أو حتى تعليمي وديني وإرشادي، وإن كانت المحصلة النهائية لكافة هذه التنظيمات واحدة أي ملء خزائن التنظيم الدولي لـ«الإخوان» بالأموال، وهي تستوحي قيمها من أفكار المؤسس حسن البنا، ورئيسها يدين بالولاء التام للزعيم الروحي لـ«الإخوان» يوسف القرضاوي.
تزعم الرابطة اليوم أنها تمثل ما لا يقل عن سبعين ألف سويدي مسلم، وهو رقم كبير يكاد يشمل الغالبية العظمى للمسلمين في السويد، وتشكل الرابطة مظلة لعدد من المنظمات السويدية، بما فيها المجلس الإسلامي السويدي، ومسجد ستوكهولم والأصول التابعة له في السويد.
لاحقا تكشف لجهات الأمن السويدية أنهم أمام تشكيلات إخوانية تكاد تكون صورة طبق الأصل من نظيراتها في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي، إذ تتألف كل منظمة من المنظمات التابعة لـ«الإخوان» في السويد من مجلس شورى تحت قيادة أمير أو زعيم، ويتكون كل مجلس من اثني عشر شخصا يتناوبون على رئاسته، وينقسم الأعضاء بدورهم إلى وحدات صغيرة تتألف من خمسة أفراد ليشكلوا بذلك أسرة أو عائلة، وتقوم الأسرة بدورها بتنظيم اجتماعات أسبوعية تتخللها مناقشة الأمور الأيديولوجية في البلاد. ويضع تقرير المعهد الأميركي جيتسون السويديين أمام حقائق مخيفة حول ما يجري على أراضيهم من خداع فعلى سبيل المثال لم يكن هناك مشروع لإنشاء مسجد يعد مركزا لـ«الإخوان» في مدينة مالمو، بل مركز للأنشطة الشبابية والأسرية، وحين تم سؤال المسؤول عن البناء المدعو خالد عاصي قال إن الوقف غير تابع لأي مؤسسة، وإن جميع المساهمات المالية تأتي من أفراد المنطقة. فيما الأمر الأكثر إزعاجا أن العديد من أعضاء ما يعرف بـ«الوقف الإسلامي السويدي» ينتمون إلى الجمعية الثقافية الإسلامية السويدية التي ينتمي متحدثها الرسمي عمار دواد إلى طائفة أتباع الإمام الدنماركي أبو لبن، المعروف بصلاته بعناصر جهادية وبتحريضه للعالم الإسلامي ضد الدنمارك، وقد وصف أبو لبن ذات مرة «سيد قطب» منظر جماعة الإخوان المسلمين الأشهر بأنه مثله الأعلى.
ولعل خلاصة التقارير السويدية عن حالة «الإخوان المسلمين» في البلاد يمكن إجمالها في أن الجماعة تسعى في الداخل إلى بناء وخلق مجتمع مواز بمساعدة النخب السياسية التي تدعم سياسات الصمت على أنشطة هذه المجموعة الأصولية غير البريئة، وأن هذه الجماعة تبني كيانا موازيا في هذه الدولة الإسكندنافية، يمتد ليتصل ببقية الإخوان في الدنمارك والنرويج، كما أن هناك حالة جهل عام في صفوف السياسيين السويديين بشأن المجموعات المنتسبة إلى جماعة الإخوان، وبشأن مفهوم الإسلام السياسي ككل، وقد حان الوقت للاعتراف بالمشاكل المتجذرة المنبثقة عن وصول الجماعة إلى المال العام دون قيود، ولا بد من تحقيق رقابة على الأفراد الذين يديرون منظمات قد تكون بديلا عن اللبنات الأساسية للمجتمع.
ولعله من المؤكد أن الحديث عن التمدد «الإخواني» في الدول الإسكندنافية لا يستقيم بدون الحديث عن ذلك الوجود في النرويج وكذا الدنمارك.
يستلفت النظر في النرويج بداية وجود الرابطة الإسلامية الموازية لنظيرتها في السويد، والتي لها مسجد مستقل هو «مسجد الرابطة» في العاصمة النرويجية أوسلو، ويديره بعض الأشخاص وثيقو الصلة بالمرشد الروحي لـ«الإخوان» يوسف القرضاوي.
يستغل إخوان النرويج بنفس العقلية مؤسسات الدولة النرويجية التي تسبغ حرصها ودعمها للأقليات، وعليه يحصلون من الدولة على دعم مالي يستخدم في خدمة الأغراض الإخوانية، وخلال إجراء النيابة النرويجية التحقيقات حول نشاط خلية مايكل داود المتهم بتفجير صحيفة جيلاندز بوست الدنماركية ورد ذكر اسم مسجد الرابطة، فقد كان داود، وهو نرويجي من أصل صيني تحول إلى الإسلام عقب زواجه من امرأة مسلمة من أصول مغربية يتردد بشكل مستمر على المسجد قبل سفره إلى دول عربية حيث تواصل مع تنظيم «القاعدة»، وأشار إلى أنه أثناء قيادة الإخواني الأردني إبراهيم الكيلاني لـ«الرابطة الإسلامية» عام 2006 توسعت المؤسسة الإخوانية في أنشطتها الاجتماعية ونظمت فعاليات ومؤتمرات اشترك فيها قادة من الجماعة.
ماذا عن الدنمارك؟ الشاهد أن بعض التقارير الإعلامية الغربية تحدثت مؤخرا عن العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، فوصفتها بأنها «مغارة الحمدين» في إشارة لا تخطئها العين لما تقوم به قطر منذ عام 2000 في نشر رؤاها الأصولية من خلال الجماعات الإخوانية المنتشرة هناك.
منذ عقدين أسست قطر ما يعرف بـ«المجلس الإسلامي الدنماركي»، لتجعل منه صندوقا لتمويل تيارات متطرفة وفلول جماعة الإخوان الفارين من الدول العربية وحصالة لجمع الأموال وتوزيعها على قياديين في جماعات وتنظيمات وتيارات مشبوهة داخل أوروبا.
ولعل ما كشف حقيقة الدور المزعج لذلك المجلس قضية اختلاس بعض أعضائه لمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات، مما جعل أجهزة الاستخبارات الدنماركية تتساءل من أين تحصلوا على تلك الأموال؟ وفيم أنفقوها؟
وفي كل الأحوال يتكشف للدنماركيين والحديث على لسان هنريك يرني عضو اللجنة القانونية بالحزب الديمقراطي الاجتماعي أنه منذ عام 2010 تدفقت الأموال القطرية بالملايين على المركز المعروف باسم المجلس الإسلامي، وما أثار المخاوف هو أن تبرعات المسلمين في الدنمارك ومساعدات الدولة تكفي لبناء هذ المسجد وأكثر، وعليه فلماذا المزيد من ملايين قطر تلك التي يقوم بنقلها مسؤولون كبار في قطر.
ويبقى السؤال قبل الانصراف: هل يتحتم على الدول الإسكندنافية التيقظ اليوم لما يحاك لها ويجري على أراضيها؟


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».