فنانون من غزة يجوبون مدارس اللاجئين بمبادرة «باص الموسيقى»

استهدفت المناطق المهمشة وغرست فرحاً في قلوب الطلبة

جانب من عروض «الباص» في إحدى المدارس
جانب من عروض «الباص» في إحدى المدارس
TT

فنانون من غزة يجوبون مدارس اللاجئين بمبادرة «باص الموسيقى»

جانب من عروض «الباص» في إحدى المدارس
جانب من عروض «الباص» في إحدى المدارس

شعورٌ غريب سرى في جسد الفنان الشاب حسام حين قدِمت صوبه طفلة ٌتحملُ بين يديها «علبة حلوى» تطوف بها أروقة المدرسة، تقدم منها لكل من تراه واحدة وتقول: «هي عن روح والدي».
تسمّرت الطفلة للحظاتٍ أمام دندنات الشاب الذي كان يغني للوطن بصوتٍ عذب متجهزاً لأداء عرضٍ فني، داخل إحدى المدارس الابتدائية الواقعة جنوب قطاع غزة، وفاجأته بعد أن عبّرت عن دهشتها من منظر الآلات وأجهزة الصوت التي تدخل مدرستها للمرّة الأولى، بطلبِ الغناء لوالدها. قالت وعينها تدمع: «أبي كان يعشق الموسيقى»، ومضت.
لم يكن ذلك الموقف، سوى واحد من عشرات المواقف التي عايشها الفنان حسام الفالوجي، فقد كان مغنياً ضمن فرقة موسيقية جابت خلال الأيام الماضية، قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، ونفذت زيارات لعدد من المدارس الواقعة في مخيمات اللاجئين الثمانية، وذلك ضمن مبادرة «باص الموسيقى»، التي أطلقها معهد «إدوارد سعيد الوطني».
خلال أيام الأسبوع الذي نُفّذت المبادرة فيه، كان أعضاء الفرقة السبعة، يتجهزون منذ الصباح الباكر ويستقلون باصهم الذي تزّين بصورٍ لآلات العزف، لينطلقوا بعدها حيث قلوب الصغار كانت تتطاير فرحاً مع كلّ وصلة موسيقيّة تقدمها الفرقة لهم.
يقول الفالوجي لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر لم يكن مجرد مبادرة، فالحبّ الذي لمسناه في عيون الطلبة، والفرحة التي بدت في تفاعلهم معنا، تحمل معاني كبيرة»، مشيراً إلى أنّ تعقيدات الحياة في غزة متشعبة وأكثر الفئات تضرراً منها هم الأطفال، «الذين لا ذنب لهم بأي عمليات سياسية أو حروب».
«الدلعونا، والجفرا، وظريف الطول»، كلّها أهازيج وأغنيات من التراث الوطني الفلسطيني، كان يجتهد الشاب في تقديمها بأساليب مناسبة للأطفال، «ليساهم في ميلاد السرور داخل قلوبهم، التي أشبع الاحتلال كثيراً منها بقهر العدوان»، ويذكر أنّهم حرصوا على استهداف مدارس «الأونروا» التي تقع في قلب مخيمات اللاجئين؛ وذلك لما لتلك المناطق من خصوصية في تفاصيل الحياة والمعاناة.
من جانبه، يبيّن المشرف الأكاديمي لمعهد «إدوارد سعيد» للموسيقى في قطاع غزة أنس النجار لـ«الشرق الأوسط» أنّ فعاليات الباص استطاعت خلال أيام عمله التي بدأت في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، الوصول لآلاف الطلبة داخل المدارس، وفي جهة أخرى نجحت كذلك في الولوج لجامعاتٍ وعقدت عروضاً موسيقيّة فيها، تفاعل معها الطلبة بشكلٍ كبير.
وذكر النجار الذي شارك في فعاليات الباص كعازفٍ للقانون، أنّ الأخيرة جاءت ضمن أنشطة مهرجان البحر والحرية الفني، الذي ينفذ من خلاله المعهد عروضاً موسيقيّة في عدد من محافظات الوطن، متابعاً: «نشر الموسيقى ومزجها بالثقافة الفلسطينية، عملية قديمة، نعمل على إحيائها وترسيخها لدى الجيل الجديد من خلال هذه الأنشطة».
وشدّ الانتباه خلال الجولات الموسيقيّة، انتشار عدد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيها طلبة بزي تراثي وهم يشكلون فرق دبكة وصفوف «دحية» يتفاعلون عبرها ويندمجون مع العروض، كما أنّ بعض الأطفال حاولوا استثمار تلك الفرصة التي وجد فيها الموسيقيون بقربهم، للتعبير عن شغفهم وحبّهم للآلات، وهذا ما اهتم به القائمون على «الباص» من خلال حرصهم على مدّ جسور تواصل مع عائلات ذوي القدرات الفنية، لغرض تطويرها.
في أقصى شمال قطاع غزة، وتحديداً في بلدة بيت حانون التي تعرضت للعدوان «الإسرائيلي» وتمّ تدميرها أكثر من مرّة، قرعت طبول «الباص»، وأمّ الطلبة من مختلف أنحاء البلدة المدرسة الابتدائية، التي زارتها الفرقة الموسيقية، ورددوا معها الألحان، وأطلقوا العنان لضحكاتهم التي رافقت تمايلهم على أصوات الآلات العزف.
تقول الطفلة رهف المصري بعد أن فرغت من تأدية رقصة دبكة شعبية أمام زملائها، لـ«الشرق الأوسط»: «يومنا الدراسي ممل جداً ولا يوجد ضمنه حصص موسيقية وترفيهية، وهذا الحفل كان فرصة لنا لإفراغ طاقتنا الكامنة»، مؤكّدة على أنّهم كأطفال بحاجة لعقد مثل هذه الفعاليات بصورة دورية، لأنّهم قادرون على إحيائها والتفاعل معها بكلّ ما تحتاجه من مواهب ومشاعر حبّ وفرح.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.