تشكيل جديد جنوب سوريا برعاية روسية لـ«مواجهة نفوذ إيران وحماية الحدود»

TT

تشكيل جديد جنوب سوريا برعاية روسية لـ«مواجهة نفوذ إيران وحماية الحدود»

تناقل ناشطون في جنوب سوريا أنباء عن تشكيل عسكري جديد في جنوب سوريا يتم التحضير له بإشراف روسي وتنسيق مع الأردن، مهمته «منع التمدد الإيراني» في جنوب سوريا و«حماية الحدود» الجنوبية.
وأوضحت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الروسي يعمل بالتنسيق مع فصائل التسويات في جنوب سوريا (درعا والقنيطرة)، وهي فصائل معارضة سابقاً وقعت قبل عام على اتفاقات تسوية في المنطقة الجنوبية مع النظام السوري برعاية روسيا، لتشكيل قوة عسكرية جديدة جنوب سوريا، ومن أبرز الفصائل التي دعيت للتشكيل الجديد فصيل كان يعرف باسم «جيش العشائر» الذي يضم في غالبيته شباب العشائر البدوية في جنوب سوريا وخاصة من منطقة اللجاة شمال درعا. وهو فصيل كان مدعوما من الأردن بهدف قتال «داعش» جنوب سوريا. ويهدف التشكيل الجديد، بحسب المصادر، إلى «استقطاب شباب فصائل المعارضة سابقاً التي لم تنضوِ حتى الآن ضمن الفيلق الخامس الروسي في جنوب سوريا، وتشكيل قوات حرس الحدود مهمتها حماية الحدود السورية مع الأردن، لعدم ترك الساحة في الجنوب لأطراف أخرى، وكسب قوة عسكرية أكبر لروسيا في جنوب سوريا، وضبط الأعداد الكبيرة لعناصر التسويات التي بقيت في المنطقة، ورفضت التهجير إلى الشمال السوري».
ورجحت المصادر أن يكون التشكيل «ضمن قوائم الفيلق الخامس في جنوب سوريا، لتشكيل قيادة عسكرية واحدة في المنطقة الجنوبية (درعا والقنيطرة) تحت إشراف روسيا». ويعتبر أحمد العودة وهو قيادي سابق في المعارضة المرشح الأول لقيادة التشكيل الجديد باعتباره أول القياديين في المعارضة سابقاً الذي أجرى أول عمليات التفاوض والاتفاق مع الجانب الروسي بريف درعا الشرقي، واستجاب للمطالب الروسية بإرسال مجموعات من عناصره إلى جبهات شمال سوريا وبادية السويداء، وصاحب النفوذ الأكبر لـ«الفيلق الخامس» في المنطقة الآن، لا سيما أن 2000 عنصر سابق في المعارضة بات ضمن صفوف «الفيلق الخامس».
واستهدفت عملية اغتيال يوم الأحد الماضي 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 القيادي السابق في جيش «أحرار العشائر» الفصيل الأبرز في تنسيق التشكيل الجديد في المنطقة، حيث أثارت هذه الحادثة تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي أدت إلى اغتيال القيادي السابق في «أحرار العشائر» أبو حاتم المساعيد في هذه المرحلة التي صدح فيها نوايا تشكيل عسكري جديد في المنطقة بتنسيق مع روسيا، وإذا ما كان المنفذ مستفيدا من تعطيل المشروع الجديد في المنطقة.
وقال مراقبون بأن زيادة أعداد المنتسبين للميليشيات الإيرانية جنوب سوريا، يثير قلق موسكو وصعوبة إخراجها من المنطقة، لا سيما أن الأخيرة تعهدت أمام دول إقليمية بإبعاد ميليشيات إيران و«حزب الله» عن المنطقة الجنوبية، قبل سيطرة النظام السوري على المنطقة بدعم روسي قبل أكثر من عام. وهي تسعى إلى استقطاب ما تبقى من عناصر الفصائل المعارضة سابقاً وشباب المنطقة الجنوبية؛ لإبعادهم عن الانضمام إلى تشكيلات مرتبطة بإيران في المنطقة الجنوبية، خاصة أن إيران حاولت منذ سيطرة النظام على المنطقة كسب شباب المنطقة بإغراءات مادية وسلطوية بالانضمام إلى ميليشياتها لتشكيل جسم عسكري لها في المنطقة، ورغبة من روسيا في تشكيل قوة عسكرية بإمرتها وإشرافها جنوب سوريا تنفذ تطلعاتها مستقبلاً، وتحد من الوجود الإيراني في المنطقة الجنوبية.
كما ظهر تشكيل عسكري في فبراير (شباط) من العام الحالي 2019 في جنوب سوريا، بمهمة حماية الحدود السورية - الأردنية عند معبر نصيب مع قوات النظام الموجودة هناك. ويتمتع بصلاحيات واسعة في المنطقة، وهو بقيادة عماد أبو زريق أحد قادة «جيش الثورة» سابقاً في جنوب سوريا بعد عودته من الأردن والتنسيق بينه وبين الأردن والجانب الروسي وقادة سابقين في «الجبهة الجنوبية» أصبح لديهم ارتباط مباشر مع قاعدة حميميم الروسية، لضمان عودته دون أن يتعرض لتجاوزات من قبل قوات النظام السوري.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الجنوب السوري يشهد حالة من الانفلات الأمني الكبير، حيث ترتفع عدد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة من يونيو (حزيران) الماضي وحتى يومنا هذا، إلى أكثر من 127 محاولة، فيما وصل عدد الذين قتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى 84. وهم 9 مدنيين بينهم مواطنتان وطفل، إضافة إلى 43 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و17 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا تسويات ومصالحات، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية من ضمنهم قادة سابقون، و10 من الميليشيات السورية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 5 من «الفيلق الخامس».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.