السينما السورية تلفت الأنظار وتبث الأمل في «مهرجان الإسكندرية»

شاركت بـ3 أفلام تتجاوز مشاهد الحرب

لقطة من فيلم «الاعتراف»
لقطة من فيلم «الاعتراف»
TT

السينما السورية تلفت الأنظار وتبث الأمل في «مهرجان الإسكندرية»

لقطة من فيلم «الاعتراف»
لقطة من فيلم «الاعتراف»

لفتت السينما السورية، بإيقاعها الإنساني الشجي، الأنظار إليها بقوة، عبر مشاركتها المحدودة في فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي، بعد أن ظلت لسنوات تنقل أجواء الحرب ومشاهد الدمار وجثث الموتى، مسجلة بشكل توثيقي وروائي مشاهد من الحرب التي عاشتها البلاد. أخيراً بدأت السينما السورية الخروج من هذه الدائرة، التي أدرك السينمائيون أنه لا بد من تجاوزها، ورصد انعكاساتها على الإنسان، وبث الأمل، وترميم النفوس التي تعرضت مثل المباني للكثير من الدمار.
ففي ظل ظروف الحرب والإرهاب التي عاشتها سوريا، كان الحديث عن السينما يعد ترفاً من وجهة نظر الكثيرين، على اعتبار أنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، لكن السوريين رغم كل شيء يدركون أهمية الشريط السينمائي الذي يوثق ويسجل ويرصد أحوال الناس، ويعد دليلاً وبرهاناً على وقائع تلك الأيام، لذا فلا عجب من أن يواصل السينمائيون السوريون عملهم بكفاءة واقتدار، وأن ينفعل المبدعون فيها فيصرون على الاستمرار مستخدمين سلاحهم بالكاميرا والصورة لتأكيد مواقفهم، بل تصبح الحرب رغم بشاعتها وقوداً لإبداعاتهم، لذا لم يخل مهرجان سينمائي عربي أو غربي من حضور سوري لافت بأفلام متميزة لا تتخذ من الظروف القاسية في الإنتاج والتصوير مبرراً لتقديم أعمال دون المستوى، بل تتفوق عناصرها وتتكامل فنياً بشكل مثير.
وفى مهرجان الإسكندرية السينمائي الـ35، كانت السينما السورية حاضرة بقوة بأفلامها ونجومها في مسابقات المهرجان وفعالياته. ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لدول البحر المتوسط، شاركت السينما السورية بفيلم «درب السماء» للمخرج جود سعيد، وبطولة أيمن زيدان، وصفاء سلطان، ومحمد الأحمد، ويطرح الفيلم قضية زياد مدرس اللغة العربية، الذي يجد نفسه وحيداً في مواجهة الحرب التي أجبرته هو وعائلته على النزوح واحداً تلو الآخر، لتتباعد بينهم المسافات، وما بين الموت والموت تزدهر بسمة الحياة ويبقى وميض الأمل. وكان جود سعيد قد رصد في أفلامه القصيرة والطويلة كثيراً من وقائع الحرب، وحصل فيلمه «مرة أخرى» على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان سان فرانسيسكو، كما يشارك المخرج محمود خليل أحمد في مسابقة الأفلام الوثائقية بفيلم «رثاء الأم»، الذي يتعرض لقصة زوجين شهدا الأيام الأربعة الأخيرة قبل سقوط مدينتهما الكردية، ويعملان على رصد وتوثيق التفاصيل اليومية لحياتهما وحياة الناس بالمدينة من خلال كاميرا متواضعة لينقلا الحقيقة إلى العالم.
وفى فيلم «الاعتراف» للمخرج باسل الخطيب الذي عرض أول من أمس، ضمن الأفلام التي تتنافس على جائزة «مسابقة نور الشريف للأفلام العربية»، ينأى مخرجه تماماً عن مشاهد الحرب والدمار، ويقدم رؤية هادئة للأحداث، فيأخذنا إلى منطقة ريفية تبدو فيها الجبال وقد كساها اللون الأخضر، وما بين الماضي والحاضر تدور أحداث الفيلم خلال زمنين مختلفين، الأول مطلع الثمانينيات، حيث واجهت سوريا الجماعات التكفيرية، والثاني في 2016، حيث تفجرت جرائم هذه الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال بطله الفنان الكبير غسان مسعود في واحد من أجمل أدواره «أبو جاد»، حيث يضطر لإيواء امرأة وطفلها في بيته بعد أن اكتشفت أن زوجها ينتمي لجماعة «الإخوان»؛ لكن هذا العمل الإنساني يدفع ثمنه باهظاً، وبعد سنوات تعود ابنة هذه السيدة، لتبحث عن حقيقة أمها لدى أبو جاد، وتفجر مواقف عديدة. شارك في بطولة الفيلم محمود نصر، وديما قندلفت، وكندة حنا، وروبين عيسى التي جسدت شخصية زوجة الابن. وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفيلم لم يحك عن العنف، لكن الأزمات التي عشناها، والتي لها ذيول عديدة متمثلة في جماعات الإرهاب التي تسعى لقتل الروح السورية المتسامحة؛ والفيلم يؤكد بقاء الأب راسخاً، رغم أهوال الحرب وفقد الأبناء».
لم تتوقف السينما السورية في أي وقت رغم ظروف الحرب، فليس بالسلاح فقط تدار المعارك، وأكدت رشا بركات، مسؤول التوزيع بالمؤسسة العامة للسينما في سوريا لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإنتاج السينمائي في سوريا ازداد بعد الحرب، كنا ننتج فيلمين طويلين، ارتفع العدد إلى أربعة أفلام سنوياً، تمولها بالكامل مؤسسة السينما، كما ننتج عشرة أفلام قصيرة، واستحدثنا برنامجاً لدعم أفلام الشباب لإنتاج 30 فيلماً قصيراً سنوياً»، مضيفة أن «دور العرض السينمائي تشهد إقبالاً كبيراً من الجمهور السوري العاشق للسينما».


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».