العلاقات الاقتصادية الأوروبية ـ البريطانية... من سيئ إلى أسوأ

بضغط من «بريكست» بلا اتفاق

التوقعات تشير إلى أن عجز الموازنة البريطاني سيقفز إلى 100 مليار جنيه إسترليني في حال «بريكست بلا اتفاق» (رويترز)
التوقعات تشير إلى أن عجز الموازنة البريطاني سيقفز إلى 100 مليار جنيه إسترليني في حال «بريكست بلا اتفاق» (رويترز)
TT

العلاقات الاقتصادية الأوروبية ـ البريطانية... من سيئ إلى أسوأ

التوقعات تشير إلى أن عجز الموازنة البريطاني سيقفز إلى 100 مليار جنيه إسترليني في حال «بريكست بلا اتفاق» (رويترز)
التوقعات تشير إلى أن عجز الموازنة البريطاني سيقفز إلى 100 مليار جنيه إسترليني في حال «بريكست بلا اتفاق» (رويترز)

لا أحد يعرف بتاريخ اليوم ما مصير العلاقات الاقتصادية الأوروبية البريطانية، ولا كيف ستتطور الأمور في حال عدم الوصول إلى اتفاق، مع نهاية الشهر الحالي. لكن المعروف بالنسبة للمتابعين لهذه العلاقات، منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) 2016، أنها تدهورت سنة بعد أخرى منذ ذلك التاريخ. والمعلوم أيضاً أن التداعيات تضغط على الاقتصاد البريطاني أكثر فأكثر.
ونشر معهد «فيسكال ستديز» الثلاثاء الماضي، تحليلاً لموازنة الحكومة الجديدة بالتعاون مع «سيتي بنك»، وتبين فيه أن المملكة المتحدة حققت منذ 2016 ناتجاً ناقصاً بواقع 60 مليار إسترليني، مقارنة مع سيناريو لو كان فشل ذلك الاستفتاء في الحصول على أغلبية مؤيدة لـ«بريكست».
ويؤكد التحليل أن الضغوط ستزداد على الاستثمارات والنمو. وسيقفز عجز الموازنة بواقع 50 مليار جنيه إسترليني ليبلغ 100 مليار، إذا حصل «بريكست» من دون اتفاق، ونفذ رئيس الوزراء وعده بخفض الضرائب بشكل كبير، لاستيعاب وتعويض ما سيخسره الاقتصاد.
إلى ذلك، نشر الأربعاء الماضي مؤشر خاص بتداعيات «بريكست» على صعيد التبادل بين بريطانيا والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ الاستفتاء في 2016، وأكد المؤشر المسمى «أكوراسي» أن العلاقات تدهورت أو ساءت بنسبة 12 في المائة في 3 سنوات. ولأغراض القياس، اختار المؤشر 4 أبعاد هي الأكثر تعلقاً بحرية التبادل الأساسية في السوق المشتركة: انتقال السلع، والخدمات، والأشخاص، والرساميل، وذلك بنسبة 25 في المائة لكل واحد من الأبعاد المذكورة. واستند المؤشر إلى بيانات من البنك المركزي الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وسنة الأساس، بقياس 100، بدأت في 2016. وتبين أن أولى الضحايا هي الاستثمارات، وتدفق المهاجرين، علماً بأن ذلك التدفق كان الأكثر تأثراً على الإطلاق، وبتراجع نسبته 25 في المائة، مقابل هبوط نسبته 12 في المائة في جانب الاستثمارات. والأكثر هبوطاً هي الاستثمارات المباشرة الآتية من دول الاتحاد الأوروبي، والسبب يكمن في صعوبة أو شبه استحالة تقدير الأرباح، في حال حصول «بريكست» من دون اتفاق، يرسم أفق العلاقات، لا سيما التجارية منها.
ويذكر أن بريطانيا حصلت بين 2005 و2015 على نسبة 5.6 في المائة من إجمالي التدفقات الاستثمارية الدولية المباشرة، مقابل 1.9 في المائة فقط لفرنسا على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى هذا الصعيد، أكد تقرير إحصائي صادر عن معهد «آي بي إم» للأعمال، حصول تراجع نسبته 17 في المائة على صعيد المشروعات الاستثمارية في بريطانيا في 2018، ونسبة الهبوط في فرص العمل الضائعة، بسبب تراجع المشروعات، نحو 29 في المائة. وتركز التأثير السلبي في قطاعات الإنتاج والبحث والتطوير.
ورغم أنه لم تتغير حتى الآن أي قاعدة من قواعد حرية الانتقال، فإن تدفق الأوروبيين إلى بريطانيا تراجع 30 في المائة، بين الفصل الثاني 2018 والفصل الأول 2019، وزاد عدد الأوروبيين المغادرين لبريطانيا بنسبة 48 في المائة في آخر 12 شهراً. وكما في نهاية مارس (آذار) الماضي، لم يكن يشكل الأوروبيون إلا 33 في المائة من إجمالي داخلي أراضي المملكة المتحدة، مقارنة مع 48 في المائة في 2015، مقابل شبه استقرار في إحصاءات القادمين الآسيويين. وعلى صعيد متصل، تنقص حالياً اليد العاملة في قطاعات مثل الصناعة والفنادق والمطاعم.
في المقابل، لم يتأثر كثيراً تبادل السلع والخدمات؛ لأن الرسوم الجمركية على حالها حتى الآن، والأمر يتعلق غالباً بسلع وخدمات للمدى القصير، ما يفسر عدم صعود أسعارها. ولم يهبط مؤشر السلع إلا 3 في المائة بين يونيو 2016 ومايو (أيار) 2019. أما مؤشر الخدمات فهبط 5 في المائة في الفترة عينها. ولم تتأثر الصادرات البريطانية؛ لأنها استفادت من هبوط الجنيه الإسترليني بين 2016 و2019.
وتباطأ الاقتصاد البريطاني بنسبة راوحت بين 2.5 و3 في المائة، وفقاً لمعهد «فيسكال ستديز» في دراسة أكدت أيضاً أن الدين العام سيتضاعف وستتراجع استثمارات الشركات في المملكة المتحدة أكثر، بعدما هبطت بنسبة 20 في المائة منذ الاستفتاء في 2016.
وفي بورصة لندن، يشعر المستثمرون بوطأة الأيام القليلة الفاصلة باتجاه الموعد المحدد للخروج من الاتحاد الأوروبي، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وفقد مؤشر «فوتسي» الأسبوع الماضي 3.6 في المائة، بفعل مخاوف الخروج من دون اتفاق، والتباطؤ الاقتصادي الذي تؤكده توقعات صندوق النقد الدولي. وانسحبت خلال الأشهر الماضية أموال من الصناديق المستثمرة في البورصة اللندنية، تراوحت قيمتها بين 2.2 مليار جنيه في الفصل الثاني، و3.5 مليار في الفصل الثالث، وفقاً لأرقام نشرتها «فايننشيال تايمز».
أما الأموال التي انسحبت من الصناديق العقارية، فبلغت 250 مليون جنيه في الفصل الثاني، و667 مليوناً في الفصل الثالث. وعلى صعيد علاقة مؤشر البورصة مع سعر صرف الجنيه، كان المؤشر يصعد تاريخياً إذا هبط سعر الجنيه، متفائلاً بنتائج أفضل للشركات؛ لا سيما تلك المعتمدة في أعمالها على الصادرات. لكن الذي حصل هو أنه رغم هبوط الجنيه مقابل الدولار بنسبة 1.4 في المائة منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي لم ينعكس ذلك إيجاباً على المؤشر؛ بل حصل خلاف ذلك.
وعلى صعيد النمو الاقتصادي العام، كان المعدل سلبياً بنسبة 0.2 في المائة في الربع الثاني من 2019 على أساس فصلي، وذلك بعد صعود 0.6 في المائة في الربع الأول. والصعود ثم الهبوط في فصلين متتاليين سببه التقلب الذي رافق السيناريوهات المختلفة والمتناقضة أحياناً التي تقابلت منذ بداية العام بين خروج باتفاق أو من دونه. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن الآفاق الاقتصادية البريطانية شبه قاتمة. ومن مؤشرات ذلك، بالنسبة للصندوق، مؤشر المبيعات الذي يتراجع بشكل حثيث، ويتراجع معه بشكل ملحوظ مؤشر التوظيف؛ خصوصاً منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.