العملية التركية في سوريا... إعادة رسم لخريطة الصراع

غرفة العمليات التركية العسكرية في سوريا (أ.ف.ب)
غرفة العمليات التركية العسكرية في سوريا (أ.ف.ب)
TT

العملية التركية في سوريا... إعادة رسم لخريطة الصراع

غرفة العمليات التركية العسكرية في سوريا (أ.ف.ب)
غرفة العمليات التركية العسكرية في سوريا (أ.ف.ب)

بدأت تركيا عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا، اليوم الأربعاء، بضربات جوية على بلدة رأس العين الحدودية.
وقد تعيد العملية رسم خريطة الصراع السوري مرة أخرى؛ مما يوجه ضربة لقوات يقودها الأكراد حاربت تنظيم «داعش» ويوسع رقعة الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا على الحدود.
وهذا ثالث توغل من نوعه لتركيا منذ 2016 بعدما نشرت بالفعل قوات على الأرض عبر قطاع في شمال غربي سوريا، آخر معقل للمعارضة السورية، مدفوعة بالأساس بالسعي لاحتواء النفوذ الكردي بسوريا.
* ما الذي تريده تركيا؟
لتركيا هدفان رئيسيان في شمال شرقي سوريا: إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها؛ إذ تعتبرها خطراً أمنياً، وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن.
وتدفع أنقرة الولايات المتحدة للمشاركة في إقامة «منطقة آمنة» تمتد 32 كيلومتراً في الأراضي السورية، لكنها حذرت مراراً من أنها قد تقوم بعمل عسكري من جانب واحد، متهمة واشنطن بالتلكؤ.
بل، وتحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الآونة الأخيرة عن توغل أعمق في سوريا يتجاوز «المنطقة الآمنة» المقترحة إلى مدينتي الرقة ودير الزور من أجل السماح لمزيد من اللاجئين بالعودة إلى سوريا.

* كيف سيتأثر الأكراد؟
أمضت «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد أعواماً وهي توسع نطاق سيطرتها عبر شمال وشرق سوريا بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش».
والأكراد مثال نادر على تحقيق مكاسب في الحرب السورية؛ إذ أقاموا مع حلفائهم هيئات حاكمة مع التأكيد دوماً على أن هدفهم هو الحكم الذاتي وليس الاستقلال.
وقد ينهار كل ذلك مع التوغل التركي. وقال «مجلس سوريا الديمقراطية» المرتبط بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، إن الهجوم سيفجّر موجة نزوح جماعي جديدة.
وبالنسبة لتحالف «قوات سوريا الديمقراطية»، الذي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية أكبر فصائله، سيعتمد الكثير على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتفظ بقوات في مناطق أخرى من الشرق والشمال الشرقي في سوريا.
وسيعرّض أي انسحاب أميركي كامل المنطقة لخطر المزيد من التوغلات التركية وعودة تنظيم «داعش»، أو لمحاولات الحكومة السورية المدعومة من إيران وروسيا استعادة أراضٍ.
وبعد أن واجه الأكراد احتمال انسحاب القوات الأميركية العام الماضي، طرقوا أبواب دمشق بهدف إجراء محادثات تسمح للحكومة السورية وحليفتها روسيا بالانتشار عند الحدود.
ولم تحقق المحادثات أي تقدم، لكن مثل هذه المفاوضات قد تصبح خياراً مطروحاً مرة أخرى في حال انسحاب أميركي أكبر.

* إلى أي مدى قد تذهب تركيا؟
تمتد المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها في الوقت الراهن قوات يقودها الأكراد لمسافة 480 كيلومتراً من نهر الفرات في الغرب إلى حدود العراق في الشرق. ويبدو أن خطط تركيا العسكرية تنصب في الوقت الحالي حول قطاع حدودي بين مدينتي رأس العين وتل أبيض اللتين يفصلهما نحو 100 كيلومتر. وأبلغ مسؤول أميركي «رويترز» يوم الاثنين بأن القوات الأميركية انسحبت من مواقع المراقبة هناك.
وإلى جانب الضربات الجوية على رأس العين، اليوم الأربعاء، قال شاهد في تل أبيض، إن دوي انفجارات سُمع هناك وفر السكان. ورغم أن هذا الجزء يقع تحت سيطرة القوات التي يقودها الأكراد فإنه كان على مر التاريخ يحوي وجوداً عربياً قوياً.
وقال أوزجور أونلو هيسارجيكلي، من صندوق مارشال الألماني «هذه منطقة سكانها عرب، ولتركيا علاقات طيبة مع الجماعات البارزة فيها».
وأضاف، أنه إذا حاولت وحدات حماية الشعب أن تحتفظ بأراضٍ هناك «فستخسر الكثير من الدماء».

* هل تدعم روسيا وإيران التحرك التركي؟
تدعم روسيا وإيران، القوتان الرئيسيتان الأجنبيتان الأخريان‭‭ ‬‬في سوريا، الرئيس السوري بشار الأسد بقوة على النقيض من تركيا والولايات المتحدة اللتين دعتاه للتنحي ودعمتا معارضين يحاربون للإطاحة به.
وتقول روسيا، إن من حق تركيا الدفاع عن نفسها، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال يوم الاثنين، إنه ينبغي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإن على كل القوات العسكرية الأجنبية التي لها «وجود غير مشروع» أن ترحل عن سوريا.
وإذا سحبت الولايات المتحدة كل قواتها من شمال شرقي سوريا، فإن حكومة دمشق المدعومة من روسيا، قد تحاول استعادة السيطرة على معظم المنطقة التي لم تسيطر عليها تركيا.

* ما هو رد الفعل الغربي على الخطة التركية؟
لا يوجد دعم علني من حلفاء تركيا الغربيين لخطتها الرامية لتوطين مليوني لاجئ سوري، أي أكثر من نصف عدد اللاجئين الذين تستضيفهم في الوقت الراهن، في شمال شرقي سوريا.
ووصف مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية الخطة بأنها «أكثر شيء جنوناً سمعت به على الأرجح».
والباعث الرئيسي لقلق الغرب هو أن يؤدي تدفق السوريين العرب السنّة على شمال شرقي سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.
وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للأزمة السورية، إن على كل الأطراف تفادي تشريد كبير للمدنيين إذا شنّت تركيا الهجوم.

* ما الذي يعنيه ذلك للأسد؟
رغم أن الأراضي المعنية خارج سيطرة الحكومة السورية بالفعل، قد يعني التوغل التركي أن الكيان المسيطر على المنطقة سيتحول من قوة غير معادية، هي «قوات سوريا الديمقراطية»، إلى تركيا ومقاتلي المعارضة الذين يريدون الإطاحة بالأسد.
ولطالما اعتبرت دمشق أنقرة قوة احتلال لها مخططات في الشمال السوري. كما لمحت أحياناً إلى استعدادها لإبرام اتفاق مع الأكراد، على الرغم من أن مفاوضاتهما الأخيرة وصلت لطريق مسدودة.

* ما الذي قد يعنيه ذلك لـ«داعش»؟
الفوضى قد تتيح لـ«داعش» فرصة للنهوض من جديد. وتشن «قوات سوريا الديمقراطية» عمليات ضد خلايا التنظيم النائمة منذ انتزعت من التنظيم السيطرة على آخر معاقله في وقت سابق هذا العام.
ولطالما حذر قادة الأكراد السوريين من أن «قوات سوريا الديمقراطية» ربما لا تتمكن من مواصلة احتجاز أسرى «داعش» إذا تدهور الوضع بسبب غزو تركي.
ووفقاً لإدارة العلاقات الخارجية في الإدارة التي يقودها الأكراد بشمال سوريا، لا تزال «قوات سوريا الديمقراطية» تحتجز خمسة آلاف مقاتل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى ألف أجنبي من أكثر من 55 دولة أخرى.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.