عبد المهدي: العراق يدفع فاتورة تناقضات صراع الأضداد في المنطقة

قال إن المظاهرات غيرت من قواعد نومه واستيقاظه

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (غيتي)
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (غيتي)
TT

عبد المهدي: العراق يدفع فاتورة تناقضات صراع الأضداد في المنطقة

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (غيتي)
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي (غيتي)

في تمام الساعة التاسعة والنصف من مساء أول من أمس انتهى لقاؤنا، نحن مجموعة من الكتاب والإعلاميين العراقيين، مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي يحمل على كاهله 78 سنة قضى منها 60 سنة سياسة كانت محصلتها وجود جسد مملوء بالرصاص وحكمين بالإعدام في زمن صدام حسين.
ما إن نهض الرجل ليودعنا ويذهب إلى التزام ثان قلت له: «دولة الرئيس المعروف عنك طبقا لما هو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي أنك تنام الساعة التاسعة يوميا وها هي الساعة الآن التاسعة والنصف وما زلت بيننا ولديك التزام ثان». وأردفت: «هل هي دعاية إعلامية مرسلة أم أن التزامك معنا هو السبب؟». ابتسم الرجل ثم قال لي: «صحيح أنا أنام الساعة التاسعة مساء يوميا وأستيقظ الثالثة والنصف فجرا، حيث يبدأ يومي بعد صلاة الفجر». ثم أضاف: «لكن المظاهرات والأزمة التي نمر بها حاليا غيرت قواعد نومي واستيقاظي رأسا على عقب».
حين بدأ اللقاء مع رئيس الوزراء جرى تقسيم الوقت فيما بيننا للإدلاء بدلونا في حديث صريح معه حول الأزمة السياسية والإدارية والمجتمعية في العراق والتي لم يتم التوصل إلى حلول لها منذ 16 عاما حتى بلغت ذروتها في الاحتجاجات الأخيرة. في البدء تحدث رئيس الوزراء عن قبوله الترشيح لمنصب رئيس الوزراء قائلا إن «ضغوطا كبيرة مورست علي ولمدة 3 أيام متواصلة لقبولي المنصب كوني أمثل الفرصة التي يرون فيها أملا في التغيير وبناء على ذلك وافقت على التصدي للمسؤولية». وتابع عبد المهدي: «ولأن المعروف عني أن الاستقالة في جيبي مثلما هو متداول فإن الشرط الذي وضعته الكتل والزعامات الكبيرة لقبولي المنصب هو ألا أستقيل وهذه في حد ذاتها مفارقة بالقياس إلى ما يجري الحديث عنه الآن من مطالبات بالإقالة أو الاستقالة في ظل ظرف شديد الحساسية برغم أنني لست متمسكا بأي منصب كما يعرف الجميع وقبلت بعد ضغوط لأنني كنت أقول لهم إن الشروط بالنسبة لي ليست متوفرة».
وبعد عدة مداخلات من الحاضرين التي تناولت مختلف جوانب الأزمة الحالية التي يمر بها البلاد وما إذا كانت أزمة داخلية أم خارجية أو هي أزمة حكم أم نظام سياسي كامل أم هي أزمة مجتمعية لها امتداداتها المختلفة أم سببها يعود إلى فشل الطبقة السياسية الحالية في كيفية التعاطي مع هموم العراقيين ومشاكلهم لا سيما فئة الشباب منهم حيث إن عماد المظاهرات الحالية وبنسبة تزيد على الـ90 في المائة هم من الشباب الذين لا تتعدى أعمارهم بين الـ18 إلى 22 عاما. وهذا يعني أن نسبة كبيرة من هؤلاء لم يعاصروا نظام صدام وحين ولد النظام الجديد كانت أعمارهم تتراوح بين سنتين إلى خمس سنوات.
كان «سيد عادل» عبد المهدي هكذا يريد مخاطبته لا «دكتور عادل» لأنه لم يناقش رسالة الدكتوراه وبالتالي لا يحمل عمليا لقب «الدكتور» سجّل كل الملاحظات والمداخلات وأجمل الردود عليها في إطار رؤية متكاملة لما جرى وربما لا يزال يجري في بغداد والكثير من المناطق والمحافظات ذات الغالبية الشيعية. بدأ من أزمة الإعلام العراقي الذي يراه أنه يقوم على مسألتين وهما «إعلام التسقيط وإعلام التمجيد بينما ما زلنا نفتقر إلى الإعلام الذي يتولى صناعة الرأي العام»، مضيفا أن «إعلام التسقيط يقوم على محاولة الإساءة إلى الطرف الآخر بإلصاق تهم وإطلاق صفات عليه لكي يتلقفها الجمهور بوصفها حقائق، وإعلام التمجيد يذهب إلى جعل هذا الحاكم أو ذاك بمثابة الزعيم الأوحد في حين أننا نحتاج إلى صناعة إعلام يصنع رأيا عاما يساهم في إيجاد الحلول لما نعانيه من أزمات».
وبشأن المظاهرات الحالية التي مثلت لحظة فارقة في طبيعة تعامل المحتجين مع النظام السياسي الحالي وتعامل الدولة بأجهزتها المختلفة معهم، يقول عبد المهدي إن «90 في المائة من المظاهرات صحيحة ومطالبها مشروعة لكن المشكلة التي واجهناها هي أنه منذ اليوم الأول للمظاهرات التي لا يزيد عدد المشاركين فيها على 25 ألفا كان هناك من يريد الاشتباك مع الشرطة التي كانت تتولى حماية المتظاهرين بالأساليب المعروفة للحماية»، مشيرا إلى «أننا خلال السنوات الماضية واجهنا مظاهرات أكبر بكثير من هذه المظاهرات الحالية لكنها كانت تخرج بإذن وفق الدستور وفي أماكن معينة ولساعات معينة وكان مسيطرا عليها من قبل منظميها بالدرجة الأساس غير أن الأمر اختلف هذه المرة في محاولة لخلق الفوضى».
وحول فرضية المندسين وما إذا كانوا من بين صفوف المتظاهرين فقط بينما هناك مؤشرات على استخدام الرصاص الحي من قبل القوات الأمنية المكلفة بالحماية، قال رئيس الوزراء: «لا أستبعد وجود مندسين بين صفوف القوات الأمنية وليس فقط بين المتظاهرين ذلك أن قواتنا لا تزال تتضمن أناسا ربما لا يؤمنون بالوضع الحالي لسبب أو لآخر وبالتالي فإن هناك من يريد إسالة دم في هذه المظاهرات وهو ما أدى إلى أن تأخذ المظاهرات مسارات أخرى أدت إلى وقوع كل هذه الأعداد من الضحايا».
وحول الحديث عن «المؤامرة» وما إذا كان هناك طرف خارجي فيها سواء أكانت دولة أم دولا أم جهات، قال عبد المهدي إن «العراق يعيش وسط منطقة ملتهبة وهناك صراع أضداد ولا بد من تحديد الخيارات مع من أو ضد من، وبالتالي فإننا ندفع فاتورة صراع الأضداد، علما بأن الجميع بات يدرك أن موقفنا متوازن من الأزمة التي تعيشها المنطقة حاليا»، مبينا أن «الجميع بات الآن يؤيد دورنا في التهدئة وبدأ الآخرون من دول المنطقة يستمعون إلينا إن كان في طريقة التهدئة بين مختلف الأطراف أو نقل الرسائل». وأضاف أن «جميع دول المنطقة المعنية بالصراع بدأت تستمع إلينا حين نتحدث إليهم وهو ما لم يكن موجودا حتى قبل شهور حيث كانت المواقف حدية بين تلك الأطراف».
وحول المطالب الخاصة بإسقاط الحكومة أو مساءلتها عما حققت وما لم تحقق، قال رئيس الوزراء العراقي: «لا توجد حلول سحرية بالتأكيد، لكننا جادون في تنفيذ كل ما وعدنا به المتظاهرين برغم أن قسما منه لا يتعلق بحكومتي بل بالفترات السابقة علما بأننا تمكنا من تخطي أزمات كثيرة لكنها قد لا تبدو منظورة أو لم يسلط عليها الإعلام الضوء لأسباب مختلفة».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).