تجدد مخاوف السوريين من أزمة محروقات مع اقتراب الشتاء

وزير النفط: سوريا تحتاج 9 ملايين دولار يومياً لحل أزمة الوقود

صبي سوري يعمل في إعداد «المكدوس» في سوق سريجة بدمشق أول من أمس (إ.ب.أ)
صبي سوري يعمل في إعداد «المكدوس» في سوق سريجة بدمشق أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

تجدد مخاوف السوريين من أزمة محروقات مع اقتراب الشتاء

صبي سوري يعمل في إعداد «المكدوس» في سوق سريجة بدمشق أول من أمس (إ.ب.أ)
صبي سوري يعمل في إعداد «المكدوس» في سوق سريجة بدمشق أول من أمس (إ.ب.أ)

«أنس» مهندس يعمل في مكتب دراسات هندسية في دمشق، كان مستعجلاً في الذهاب إلى موعده عندما تعطلت سيارته بمنتصف الطريق، فاضطر إلى ركنها جانباً، وركوب تاكسي، لكن محرك التاكسي توقف أيضاً عدة مرات أثناء الطريق، وكل توقف كان أنس وسائق التاكسي يكيلان ما أمكنهما من شتائم «للبنزين الرديء ولوزارة النفط، وللحكومة شتائم موصولة للمعيشة في هذا البلد».
يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إن الحياة في دمشق لم تعد تطاق: «ظننا أن الحرب انتهت، وإذا بنا نقع في حفرة الأزمات المعيشية، والمسؤولين الفاسدين». ويتابع: «طوال سنوات الحرب كنت أقاوم فكرة الهجرة، اليوم أفكر فيها ليل نهار»، مشدداً: «انتظروا موجات هجرة جديدة لمن تبقى من السوريين إذا استمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه»، متوقعاً أزمة خانقة الشتاء المقبل ستكون أشد من أزمة العام الماضي، منهياً كلامه بالقول، إن «كل من يقول إن الأوضاع تحسنت في سوريا، هو كاذب، إننا نعيش وضعاً أسوأ من الحرب».
ومع اقتراب فصل الشتاء، عادت مخاوف السوريين من أزمة توفر الوقود (الغاز المنزلي والمازوت اللازم للتدفئة)، مع تصاعد الشكاوى من تلوث مادة البنزين، وتسببها بتعطيل السيارات. إلا أن تطبيق الإجراءات التقشفية التي وضعتها الحكومة، ضاعفت الأزمة ولم تحلها، مع غياب «العدالة» في توزيع مواد الطاقة والوقود بالسعر المدعوم، وبكميات محددة عبر البطاقة الذكية، بحيث تحصل كل سيارة خاصة على 100 لتر بنزين شهرياً، ولكل عائلة جرة غاز منزلي كل 23 يوماً، و200 لتر مازوت في موسم الشتاء، علماً بأن الكمية كانت 400 لتر مازوت، تم قسمت على دفعتين، الثانية لم توزع العام الماضي. أما هذا العام في المحافظات والأرياف، عدا مدينة دمشق، فقد قسمت الكمية إلى دفعتين كل دفعة 100 لتر. وتتصاعد الشكاوى بأنه حتى الـ100 لتر دفعة أولى، لا توجد كميات كافية لتوزع على الجميع.
وشهدت جلسة مجلس الشعب التي عقدت قبل أيام قليلة، عاصفة من الانتقادات الحادة صبها أعضاء مجلس الشعب على وزير النفط علي غانم، رداً على خطابه أمامهم، بأن الإنتاج الحالي من النفط لا يتجاوز 24 ألف برميل يومياً، نزولاً من 400 ألف برميل قبل عام 2011، أما إنتاج الغاز فقد وصل إلى 17 مليون متر مكعب يومياً، نزولاً من 30 مليوناً للفترة نفسها. وكشفت الحكومة أنها بحاجة إلى نحو 9 ملايين دولار يومياً، ثمن مشتقات نفطية مستوردة بالدولار، أي 3 مليارات دولار في العام. وردت أسباب الأزمات إلى الحرب والحصار. كلام الوزير أثار استياء النواب، ومنهم من قال إنهم كانوا ينتظرون منه عرض كيفية مواجهة وزارته الأزمة، لا كلمات مصفوفة تشرح الأزمة. كما انتقدوا غياب العدالة عن توزيع الكميات المتوفرة من الوقود والطاقة. فالسيارات يختلف استهلاكها للبنزين، كما أنه لا يمكن توزيع المازوت على أهالي المناطق الباردة كالقلمون وجبل الشيخ بالكمية نفسها للمناطق الأقل برودة مثل دمشق.
النائب حسين عباس قال إن 400 لتر من المازوت التي وعد بها وزير النفط، منذ سنوات، لم تحصل عليها الأسرة السورية، ولو بالحد الأدنى، وهي 100 لتر، خصوصاً في المناطق الباردة، مؤكداً أن الـ100 لتر لم توزع في محافظة حماة، لا العام الحالي ولا العام السابق. ناهيك عن أن أزمة البنزين في حماة لم تحل من العام الماضي. كما أن الغاز أصبح هماً، كون الفترة الزمنية التي حددتها الوزارة، وهي 23 يوماً، لا تكفي أصغر أسرة.
وكشفت مداخلات النواب عن أن في محافظة السويداء 120 ألف أسرة، تحتاج إلى 12 مليون لتر، والكمية الحالية لدى المحافظة لا تغطي 25 في المائة من الاحتياج، وفي محافظة حماة هناك 375 ألف أسرة تحتاج 37 مليون لتر من المازوت المنزلي، لم يوزع منها سوى 10 ملايين لتر، بمعدل 100 لتر لكل عائلة. كما أن ريف إدلب الذي استعاد النظام سيطرته عليه يشكو من افتقاد مادة المازوت اللازمة للزراعة. وفي السياق ذاته اشتكى عدد من النواب تعطل سياراتهم بسبب رداءة البنزين، وطالبوا باستفتاء تحت قبلة مجلس الشعب لمعرفة عدد النواب المعطلة سياراتهم بسبب البنزين.
ودعا النائب عمر الحمدو، إلى إلغاء البطاقة الذكية، لأنها أصبحت «ذريعة للمتاجرين بالمحروقات بدلاً من أن تكون وسيلة لمحاربة الفساد والتهريب». فيما طالب آخر وزير النفط بتوضيح أسباب شح الغاز في مراكز التوزيع المعتمدة وتوفره في السوق السوداء!!



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.