موسكو توسّع اتصالاتها مع الأطراف السورية لدفع عمل «الدستورية»

TT

موسكو توسّع اتصالاتها مع الأطراف السورية لدفع عمل «الدستورية»

نشطت الدبلوماسية الروسية اتصالاتها مع الأطراف السورية، على خلفية التحضيرات لعقد أول اجتماع للجنة الدستورية السورية في جنيف نهاية الشهر الجاري، وأعلنت وزارة الخارجية أن نائب الوزير ميخائيل بوغدانوف أجرى محادثات في هذا الشأن مع وفد المعارضة السورية برئاسة أحمد طعمة، كما أجرى لقاء موسعاً مع ممثلي عدد من الأحزاب السورية المسجلة لدى دمشق.
وأفاد بيان أصدرته الخارجية بأن بوغدانوف، بحث إطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية مع طعمة. وزاد: «جرى خلال اللقاء تبادل مفصل للآراء حول الوضع في سوريا وحولها، مع التركيز على مهام التسوية السياسية للأزمة السورية في سياق الانطلاق المتوقع لعمل اللجنة الدستورية، التي تم تشكيلها بناء على مقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
ولم تشر الخارجية إلى تفاصيل أوسع، علماً بأن أحمد طعمة يرأس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات آستانة التي ينتظر أن تعقد جولة جديدة من المحادثات خلال الفترة القريبة المقبلة.
وكانت الخارجية الكازاخية أعلنت أخيراً أنها تضع الترتيبات لاستضافة الجولة الجديدة التي ستكون الأولى بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، فيما أبلغت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا «الشرق الأوسط» أن العمل جار لوضع أجندة اللقاء وأنه «سوف يشمل كما اللقاءات السابقة كل الملفات المطروحة على الطاولة، وبينها عمل اللجنة الدستورية وآليات تثبيت وقف النار والجانب الإنساني المتعلق بملف المعتقلين والمساعدات والملفات الأخرى المطروحة». وأكدت زاخاروفا أن الأطراف الضامنة «لم تحدد بعد الموعد النهائي للجولة».
في غضون ذلك، عقد بوغدانوف جلسة محادثات منفصلة مع ممثلي عدد من القوى والأحزاب السياسية المسجلة رسميا في دمشق. ولفت بيان أصدرته الخارجية أن الوفد ضم طيفاً واسعاً من الأحزاب وشمل أعضاء في المجلس الشعبي السوري، وحزب الشباب الوطني السوري للبناء والتغيير، والحزب الشعبي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد، فضلا عن مجموعة الحوار الفلسطيني.
ووفقاً للوزارة فقد «نوقشت مهام التسوية السياسية في الجمهورية العربية السورية بالتفصيل، بما في ذلك إرساء عمل بناء ومستدام للجنة الدستورية في جنيف».
وكان بوغدانوف أعلن أن روسيا ستحضر الاجتماع الأول للجنة الدستورية في جنيف، وأن «مستوى تمثيلها قد يكون رفيعا».
وأعلنت موسكو في وقت سابق أنها تعارض أي تدخل خارجي في عمل اللجنة الدستورية.
إلى ذلك، تريثت وزارة الدفاع الروسية أمس، في إعلان تفاصيل عن شن هجوم في إدلب استهدف مواقع تنظيمي «حراس الدين» و«أنصار التوحيد» الجهاديين وأسفر وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل تسعة أشخاص وجرح ثمانية آخرين.
ولفتت معطيات إلى أن الضربة الجوية التي نفذها الطيران الروسي استهدفت مواقع تمركز للتنظيمين في شرق محافظة إدلب.
وجاء التطور متزامناً مع تلويح أنقرة بإطلاق عملية عسكرية في شمال سوريا وهو أمر تجنبت موسكو أمس، التعليق عليه. لكن وسائل إعلام روسية أشارت إلى ترابط بين مسار الأحداث في إدلب، ونيات تركيا في المنطقة الحدودية، ولفتت إلى أن الأوساط الروسية ترى أن «العملية العسكرية التركية من شأنها أن تسفر عن إضعاف أو إنهاء الوجود العسكري الأميركي في المنطقة».
وزادت أنه «على خلفية سوء التفاهم المستمر بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن إنشاء (المنطقة الأمنية) في سوريا، فإن حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول سعي بلاده لفتح قنوات للتنسيق بين تركيا وسوريا حول الوضع شرق الفرات يحمل مؤشرات إلى ملامح التطورات المقبلة». وكان لافروف أعلن أن موسكو «تسعى إلى التوسط بين أنقرة ودمشق بهدف التوصل إلى آليات مشتركة للتحرك، تضمن سلامة الأراضي السورية ووحدتها وتراعي في الوقت ذاته المصالح الأمنية المشروعة لتركيا التي تجاهلتها واشنطن طويلاً».
وبرغم عدم صدور موقف رسمي روسي حيال النشاط العسكري التركي المحتمل، لكن تحليلات وسائل إعلام روسية ذهبت نحو «حصول تركيا على ضوء أخضر روسي كامل»، ونقلت وكالة «نوفوستي» الحكومية عن خبير بارز أن «الولايات المتحدة فقدت ثقة تركيا في سوريا، وفي ظل هذه الظروف، فإن العملية التركية الجديدة شرق نهر الفرات أمر لا مفر منه».
وقال رئيس مركز أبحاث الأزمات السياسية البروفسور محمد سيفيتين إيرول إنه «في ظل الظروف الحالية، تواجه الولايات المتحدة خياراً: إما أن تتجاهل تماماً طلبات تركيا وبالتالي تتجه إلى تأجيج جديد للعلاقات معها، أو تغض الطرف عن العملية العسكرية المحدودة لتركيا في هذه المنطقة».
لافتاً إلى أن «الخيار الثاني يبدو أكثر احتمالاً. وبعد تنفيذ عملية محدودة، ستخفف تركيا من حدة التوتر داخل البلاد وخارجها. وقد يحدث الحوار اللاحق مع الولايات المتحدة في أجواء مواتية أكثر» مضيفا أنه «من المهم إعلان موسكو وطهران عن دعمهما لتركيا، فضلاً عن أن تصنيف دمشق المنظمات الكردية في المنطقة بأنها إرهابية» سيوفر أساساً مهماً للتقارب وإطلاق الحوار المنتظر.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم