تعذّر إقرار قانون انتخاب جديد يعزز «التمديد القسري» للبرلمان اللبناني

كتلة بري تريد الاقتراع على أساس «الدائرة الواحدة»... والمسيحيون يرفضون

TT

تعذّر إقرار قانون انتخاب جديد يعزز «التمديد القسري» للبرلمان اللبناني

قالت مصادر نيابية ووزارية إن المجلس النيابي اللبناني سيتفرّغ لدرس ومناقشة مشروع قانون الموازنة للعام 2020 الذي ستحيله إليه الحكومة بعد إقراره في مجلس الوزراء خلال الأسبوعين المقبلين، على أن ينصرف لاحقاً من خلال اللجان النيابية المشتركة إلى النظر في مشروع قانون الانتخاب الجديد المقدّم من «كتلة التنمية والتحرير» النيابية برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري. وحذّر مصدر وزاري من أن تعذّر إقرار قانون انتخاب جديد سيؤدي إلى «تمديد قسري» للبرلمان الحالي.
ولفتت مصادر النيابية والوزارية إلى أن الاجتماع الأخير للجان النيابية المشتركة برئاسة نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي لم يناقش بالتفصيل المشروع الذي تقدمت به كتلة الرئيس بري، واكتفى النواب الأعضاء في هذا اللجان بإلقاء نظرة أولية على مضامينه مع أنه سبق لوفد نيابي يمثل الكتلة أن جال على رؤساء الكتل النيابية وسلّمهم نسخة عن المشروع.
ويرتكز المشروع الانتخابي لـ«كتلة التنمية والتحرير» على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النظام النسبي وزيادة ستة مقاعد نيابية على المقاعد الحالية البالغ عددها 128 مقعداً إفساحاً في المجال أمام تمثيل الاغتراب اللبناني وتحديد «كوتا» نسائية لتمثيل المرأة في البرلمان وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة.
ويشكل المشروع الانتخابي هذا مشروعاً بديلاً للمشروع الذي أُجريت على أساسه الانتخابات النيابية في مايو (أيار) 2018 ليس لأنه لا ينص على الصوت التفضيلي وإنما لاعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة بدلاً من تقسيمه، كما هو الحال الآن، إلى 15 دائرة انتخابية.
ومع أن ممثلي الكتل النيابية في اللجان المشتركة آثروا، في الاجتماع، عدم الإدلاء برأيهم في مشروع الرئيس بري وفضّلوا أن يبقى النقاش في العموميات، فإن خلوّه من الصوت التفضيلي يعبّر عن قرار قاطع لـ«كتلة التنمية والتحرير» باعتبار أنه (أي الصوت التفضيلي) «بدعة»، رغم أن هناك من يعزو سبب التخلي عنه إلى أنه أوجد مبارزة داخل «الثنائي الشيعي» وأظهر تقدّماً لـ«حزب الله» على حليفه حركة «أمل».
وترفض المصادر نفسها اعتبار أن طرح مشروع القانون الانتخابي الجديد يُقحم البرلمان في انقسام حاد على خلفية تظهير التباين حول قانون الاقتراع قبل أكثر من سنتين ونصف على موعد إجراء الانتخابات، وتقول إن التجربة السابقة التي رافقت التوافق على القانون الحالي لم تكن مشجعة لِما حملت من خلافات كادت أن تؤدي إلى تأجيلها لو لم يضغط بعض الأطراف لإنجازها تفاديا لارتداداتها السلبية على عهد الرئيس ميشال عون قبل أن يمضي عامه الأول في سدة الرئاسة.
وقالت المصادر إنه لا مصلحة في تأخير طرح المشاريع الانتخابية على بساط البحث منذ الآن، لئلا يؤدي ترحيل النظر فيها إلى لجوء البعض، كما في السابق، إلى وضع الكتل النيابية أمام الأمر الواقع لجهة تقديم القانون الحالي على المشاريع الأخرى التي سُحبت من التداول.
وأكدت أن موافقة الرئيس سعد الحريري على القانون الحالي سهّلت إقراره بعد أن تم استرضاء رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بدمج قضاءي الشوف وعاليه في دائرة انتخابية واحدة مع أن تيار «المستقبل» أخفق في الحفاظ على عدد مقاعده النيابية وخسر أكثر من 10 مقاعد.
لذلك، فإن مجرد البحث في قانون الانتخاب الجديد - كما تقول المصادر - سيدفع حكماً نحو إعادة النظر في تموضع القوى السياسية في خصوص التحالفات الانتخابية مع أن «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» لا يبديان حماسة للسير في أي مشروع يقوم على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة لأنه سيؤدي، من وجهة نظرهما، إلى «ذوبان» الصوت المسيحي كون عدد المقترعين المسلمين يفوق عدد المسيحيين. كما أن الشارع المسيحي عموماً لن يكون مرتاحاً حيال اعتماد هذا المشروع حتى في حال حصوله على ضمانات من المكونات الإسلامية، إذ أن كثيرين من المسيحيين يخشون أن يؤدي المشروع الجديد إلى الإخلال بالتوازن السياسي في البلد.
كما أن الانتخابات المقبلة ستكون معيار إعادة تكوين السلطة في لبنان، خصوصا أن البرلمان الذي سيُنتخب هو من يقرر هوية رئيس الجمهورية الجديد، باعتبار أن تاريخ إنجاز الاستحقاق الانتخابي يسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي.
في أي حال، يُعتقد أن حسم المواقف من أي قانون انتخاب ستجري على أساسه الانتخابات المقبلة بات يحتاج إلى مزيد من التريث ريثما يتبلور الوضع السياسي في المنطقة لمعرفة ما إذا كانت التطورات ستؤدي إلى تحولات تعيد رسم خريطة جديدة للمنطقة بما فيها لبنان.
وعليه، رأت المصادر نفسها أن مناقشة المشاريع الانتخابية ستبقى في إطار استكشاف النيات ولن تتطور إلى توافق على الخطوط العريضة، حتى إشعار آخر. وفي هذا الإطار، رأى مصدر وزاري بارز أنه إذا تعذّر الاتفاق على بديل لقانون الانتخاب الحالي فإنه سيؤدي حكماً وبلا أي تردّد إلى تمديد قسري للبرلمان الحالي... إلى حين التوافق على قانون جديد.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.