The Burmese Harp
• إخراج: كون إتشيكاوا
• اليابان (1956)
• تقييم: ★★★★★
موسيقى تصنع السلام
«الڤيثارة البرموزية» تبقى أشهر روايات الكاتب ميتشيو تاكياما والوحيدة التي تم تحويلها إلى السينما كما إلى التلفزيون. المخرج في العملين المقتبسين هو كون إتشيكاوا، أحد أهم مخرجي السينما اليابانية إلى اليوم.
إنها الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. المعارك ما زالت ناشبة في جزيرة بورما. لا انتصارات كبيرة هنا للجيش الياباني، بل مجرّد امتثال لأوامر تقتضي بمتابعة القتال. للقيام بالمهمّـة على خير وجه يقوم الكابتن إنويي (رنتارو ميكوني) بتدريب جنوده على الغناء تجاوباً مع عزف المجنّـد ميتزوشيما (شوجي ياسوي) على آلة «الهارب» وهي ڤيثارة من تراث آلات الموسيقى في تلك الأنحاء من البلاد. الغاية هي تحفيز الجندي لدمج الفن في خدمته العسكرية، لكن الأثر غير المنظور هو كيف أدّى ذلك لاحقاً إلى أن تلعب الموسيقى دورها في الدعوة إلى السلام.
تنتهي الحرب. القنبلة النووية تُـلقى على ناكازاغي وهيروشيما (لا نراهما) والجنود اليابانيون فوق الجزيرة يستسلمون باستثناء وحدة أخرى ما زالت تقاتل في مغارة تقع في أعالي جبل. تقوم حامية بريطانية مزوّدة بالمدفعية بإرسال ميتزوشيما إلى تلك الوحدة. حال وصوله يحذّر قائد تلك المجموعة مغبّـة استمراره في القتال. حين يدرك أن المجموعة لا تنوي الإذعان يحاول الهرب من المكان قبل أن تنفذ المدّة الموقوتة التي حددتها الحامية البريطانية لمواصلة القصف. لكن القصف يبدأ سريعاً ويشمل كل شيء. ميتزوشيما يُـعتبر في عِـداد الموتى.
ننتقل، بعد ذلك، إلى الحامية اليابانية التي يقودها الكابتن إنويي والتي باتت تعيش الآن في معسكر بريطاني وتقوم بأعمال الطرق بانتظار موعد الإفراج عنها. يختار المخرج إتشيكاوا الانتقال بين ميتزوشيما (الذي نجا بنفسه وعالج جراحه ناسك بوذي) والحامية اليابانية. الأول يبدأ ترحالاً فوق براري بورما، مستفيداً من معرفته اللغة، ومتوقفاً عند جثث الجنود اليابانيين التي ما زالت في العراء لكي يحفر قبوراً لها. لاحقاً ما ينضم إليه بعض أبناء القرى البورميين قبل أن يستمر في تجواله منتقلاً من مكان لآخر.
في إحدى المرّات يمر ميتزوشيما بالوحدة التي كان انتمى إليها، لكن أحداً من أفرادها لا يستطيع التأكد من شخصه. هذا إلى أن يسمع الجنود موسيقاه فيدركون أنه رفيقهم السابق... حين يصدر العفو العام ويستعد الجنود للعودة إلى بلادهم يدركون أن ميتزوشيما سيبقى في بورما. يناشدونه العودة معهم، لكنه يكتفي بالنظر إليهم مودّعاً. بالنسبة إليه لم تعد هناك أراض وأوطان، إنما هي حياة على الأرض تستورد أنفاسها من الروح والموسيقى
إنه من الصعب، إلى اليوم أن تجد فيلماً يشبه، في أي مضمون أو شكل، ما حققه إتشيكاوا في عمله هذا. الفيلم ما زال منفرداً اليوم كما كان منفرداً بالأمس. ليس فيه عند المخرج صديق أو عدو. الحرب القاسية لا تعرف ذلك. وبمجرّد تخلي إتشيكاوا عن التبويب السياسي يساوى بين الجميع. السائد هنا هو معالجة الموضوع بجوهر إنساني بحت لا تميّـز فيه وإلا لما أوصل مفاده وجوهره إلى العلن بنقاء ضروري. الحرب، عند الكاتب والمخرج معاً، هي العدو والفن هو السمو.
الفيلم بالأبيض والأسود والحكمة الثابتة بسيطة في هذا المجال: أي مدير تصوير يستطيع التصوير جيداً بالألوان. فقط الفنان يستطيع التصوير جيّداً بالأبيض والأسود. مدير التصوير هنا هو مينورو يوكوياما. المشهد الذي نرى فيه الموسيقار على ساحل البحر وهو يؤم دفن الموتى من تلك التي تجعل المرء يعيش عالماً مسكوناً بالمخاوف. رسم بالكاميرا لا يبتعد عن منحى الرسّام الياباني الكلاسيكي سيشو تويو (1508 – 1420)، الذي اشتهر بلونه في الرسم الطبيعي وبعضها وإن كان ملوّناً، إلا أنه حمل ميزتين نراهما في الفيلم: ألوان رمادية وبنيّـة فاتحة وسوداء وشعور بالعزلة بحيث إن المنقول إلى اللوحة لم يكن جمال الطبيعة بل وحشتها.