«أشياء غيّرتنا»... بودكاست يرصد تحوّلات المجتمع السعودي

ينقل التاريخ من صفحات الكتب إلى المجالس... وفاز بجائزة التميّز الإعلامي

صورة تجمع فريق عمل بودكاست «أشياء غيرتنا»
صورة تجمع فريق عمل بودكاست «أشياء غيرتنا»
TT

«أشياء غيّرتنا»... بودكاست يرصد تحوّلات المجتمع السعودي

صورة تجمع فريق عمل بودكاست «أشياء غيرتنا»
صورة تجمع فريق عمل بودكاست «أشياء غيرتنا»

كيف أصبح جزءٌ من المجتمع السعودي يلبس «الغترة» البيضاء، بعد أن اشتهروا بارتداء الشماغ الأحمر؟ وما أصل كلمات وخرافات كثيرة يتبادلونها للتعبير عن السخرية تجاه أمر ما؟... أسئلة كثيرة تناولها بودكاست «أشياء غيرتنا»، الذي فاز هذا الأسبوع بأحد مسارات جائزة التميز الإعلامي 2019، التي نظمتها وزارة الإعلام السعودية.
و«أشياء غيّرتنا» بودكاستٌ قصصي مجتمعي تنتجه إذاعة «ثمانية» على منصة إلكترونية، ويستعرض خلاله كل أسبوع المؤرخ الاجتماعي منصور العساف شكلاً من أشكال تغيّر المجتمع السعودي، ويشرح سبب هذا التغيّر، وكيف يؤثر على الحياة التي نعيشها اليوم، بحيث ينتقل التاريخ من صفحات الكتب إلى الشوارع والمجالس، ويتعرف المستمع للجيل القديم وكأنه يرى نفسه من خلاله.
عن ذلك يتحدث عبد الرحمن أبو مالح، الرئيس التنفيذي لشركة «ثمانية» للنشر والتوزيع، عن فكرة البودكاست، مفيداً أنه يهتم بتوثيق التاريخ الاجتماعي السعودي، على اعتبار أن التاريخ السياسي والاقتصادي قد وُثّق بعكس التحولات المجتمعية، التي يرى أبو مالح أنها تعاني شحاً في الرصد والتوثيق، وهو ما يؤكد سعي البودكاست إلى سدّ هذا النقص من خلاله.
ويتابع أبو مالح حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «نعمل في بودكاست (أشياء غيرتنا)، مع باحثين حقيقيين وأكاديميين، ونهتم بسرد القصص الاجتماعية المنسية وتوثيقها». ويضيف: «نحن نقدم مادة جادة وممتعة في آنٍ واحد». مشيراً إلى أن البودكاست الذي يُعرض كل يوم اثنين بمعدل 30 دقيقة للحلقة الواحدة، طرح حلقتين حتى الآن، ويستعد لإتمام 30 حلقة لعرضها في موسمه الأول.
ويطرح بودكاست «أشياء غيرتنا»، أسئلة قد تبدو غريبة أو غير مألوفة؛ حيث لم يعتد الفرد التفكير فيها. من تلك الأسئلة؛ كيف بدأت التطعيمات في السعودية؟ وكيف تقبلها السعوديون؟ وما رافق ذلك من شائعات ومخاوف. إلى جانب قصة ولادة الاتصالات الحديثة، التي بدأت بجهاز البرق، وهي قصة طريفة يحكيها أبو مالح قائلاً: «كان البرق يأتي صوتاً شبيهاً بالطقطقة، ومن هنا جاء مصطلح (طقطقة) الذي يتبادله السعوديون حالياً».
ولا يهتم هذا البودكاست فقط بالبحث عن إجابات على أسئلة التحولات الاجتماعية وعرضها بطريقة طريفة وساخرة أحياناً، بل يمتد إلى توثيق مراحل جادة وأزمات عاشها السعوديون في حقبات تاريخية ماضية، منها أحداث مفصلية، مثل وفاة الملك فيصل، وحرب الخليج الثانية، وغيرها من المراحل المهمة في تاريخ السعوديين.
وعن جمهور بودكاست «أشياء غيرتنا»، يقول أبو مالح إن «معظمهم من الشبان والفتيات، ولكن في الحقيقة، تفاجأنا أن لدينا انتشاراً جيداً لدى كبار السن أيضاً، وربما نكون من أوائل من لامس هذه الفئة الغالية، فعبر بودكاست يحكون ما عاشوه ومروا به».
ويسرد أبو مالح بمتعة قصص المتابعين، ويقول بعضهم إنهم يسمعون البودكاست مع الجد أو أحد كبار السن، ولمسوا منهم اهتماماً وحماساً بالغاً بما يُطرح.
ويدفع التتويج المبكر، الذي حاز عليه بودكاست «أشياء غيرتنا»، وفوزه في جائزة التميز الإعلامي، رغم أنه حديث التأسيس، أبو مالح، للتفاؤل بمستقبل صناعة البودكاست، التي يراها ما زالت تحمل آفاقاً كبيرة في القريب، قائلاً: «فوزنا هو فوز لكل صُناع البودكاست، الذين يقدمون محتوى ثرياً وجاداً، يستحق الدعم والإشادة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».