أسبوع مزادات الفن الإسلامي في لندن.. لقاء الحرفة مع التاريخ والفن

المصحف الأزرق وأسطرلاب السلطان بايزيد وصور مكة والمدينة في عام 1880

أسبوع مزادات الفن الإسلامي في لندن.. لقاء الحرفة مع التاريخ والفن
TT

أسبوع مزادات الفن الإسلامي في لندن.. لقاء الحرفة مع التاريخ والفن

أسبوع مزادات الفن الإسلامي في لندن.. لقاء الحرفة مع التاريخ والفن

من خلال جولة لـ«الشرق الأوسط» على داري كريستيز وسوذبيز لاستكشاف أهم القطع التي تعرض في أسبوع مزادات الفن الإسلامي نرصد مجموعة هائلة من القطع الإسلامية، بعضها يحمل تاريخا عريقا وقصصا فريدة، وبعضها اكتفى بالجانب الجمالي الذي صمد في وجه السنوات ليعيد لنا صورة من رونق وبهاء الحرفي الإسلامي.
البداية كانت في قبو دار كريستيز بكينغ ستريت في لندن، القطع التي ستعرض للبيع يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تتناثر أمامنا على الطاولات وعلى الأرفف، تجلس بصمت وجلال حاملة في داخلها قصصا شهدت عليها بعضها معروف، والآخر ما زال مخبأ داخلها. سارة بلمبلي رئيس قسم الفن الإسلامي تمنحنا الفرصة لمعاينة بعض القطع المهمة التي ستعرض للبيع، وذلك قبل عرضها للجمهور.
البداية مع قطعة سجاد نادرة تعود إلى لاهور من القرن الثامن عشر. السجادة التي يعرفها الكتالوغ بأنها مخصصة للصلاة دقيقة التفاصيل والألوان، وأيضا ناعمة الملمس بشكل مدهش، نعرف أنها غزلت من الحرير وأنها صنعت للبلاط المغولي. النقوش على السجادة أيضا تتميز باختلافها عن المعتاد، فألوانها غير تقليدية يتناغم فيها اللون الأصفر واللون البني الفاتح مع إضافة الزهور باللون الزهري.
وبالنسبة لقطعة يعدها مسؤولو المزاد نجمة مزاد السجاد، فالسعر يبدو مناسبا، فهو يتراوح بين 300 ألف و500 ألف جنيه إسترليني.
ولكن كريستيز في هذا المزاد تمنح الصدارة للمخطوطات حسب ما تشير بلمبلي، حيث يقدم المزاد 212 مخطوطة.
من العصر الفاطمي نلمح خنجرا يحمل مقبضا من الكريستال الصخري يختبئ في جراب قماشي أطرافه من الذهب المرصع بالياقوت والزمرد. المقبض الذي يتميز بصفاء ونقاء واضح في حالة جيدة، تعلق بلمبلي، وتجيب عن سؤال حول التاريخ خلف الخنجر قائلة، إنه لا توجد معلومات حوله ولا من صنعه أو حتى من امتلكه، ولكن يبدو من الطبيعي أن يكون قد صنع لأحد رجال البلاط في العصر المغولي أو حتى لأحد السلاطين.. «نرى في الرسومات التي وصلت إلينا عن بلاط القصور المغولية الحكام ورجال الدولة يحملون خناجر مشابهة». الخنجر يعرض للبيع بسعر يتراوح بين 30 ألفا و40 ألف جنيه إسترليني.
تمسك بلمبلي بقطعة أخرى من الكريستال الصخري، في الغالب استخدمت كزجاجة عطر، تشير إلى أنها من العصر الفاطمي، ليست بنفس نقاء مقبض الخنجر، لكن ذلك لا ينقص من جمالها كخامة أو كنقش.
من العصر الفاطمي (القرن الـ12) أيضا نلمح لوحا ضخما من الخشب المنقوش كان جزأ من باب وجرى وضعه في إطار صنع في سوريا في القرن الـ18. لا نعرف إن كان الباب لمسجد أو لقصر، ولكننا نعرف فقط أنه من النادر العثور على قطعة مماثلة من نفس الفترة في الأسواق العالمية الآن.
المفاجأة، على الأقل بالنسبة لي، كانت في قرآن مكتوب على ورق أزرق اللون نثرت عليه ذرات الفضة وكتب بماء الذهب. المصحف يعود إلى الهند في القرن الـ17. هل من المألوف رؤية مصحف مكتوب على ورق بهذا اللون؟ تقول بلمبلي: «لا أعتقد أنني رأيت الكثير من القطع المماثلة، اللون الأزرق مبهر وأتوقع أن يتجاوز السعر المقدر له (6 إلى 8 ألف جنيه). لدينا مصحف آخر قريب إلى حد ما منه، يعود إلى الأندلس وهو يعكس أيضا الاستخدامات الأولى للورق الملون».
صور من رحلة الحج
يضم المزاد أيضا مجموعة من الصور الفوتوغرافية لمكة والمدينة التقطها محمد صادق بيه الذي صحب المحمل في رحلته من القاهرة إلى مكة في الفترة ما بين سبتمبر (أيلول) 1880 إلى يناير (كانون الثاني) 1881، وقام بتصوير مراسم الحج والأماكن المقدسة وتمثل مجموعة الصور التي نشرها فيما بعد في إحدى المجلات المصرية من أوائل الصور التي التقطت في المنطقة. ومن مكة أيضا نعاين قطعة من ستارة باب الكعبة تعود إلى أوائل القرن الـ20.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».