استراتيجية مصرية في مواجهة منظمات حقوقية اعتادت توجيه انتقادات للقاهرة

جهات رسمية تولت الرد على اتهامات بانتهاكات خلال الاحتجاجات الأخيرة

TT

استراتيجية مصرية في مواجهة منظمات حقوقية اعتادت توجيه انتقادات للقاهرة

بانت ملامح استراتيجية مصرية جديدة، متعددة الأوجه، لمواجهة منظمات حقوقية دولية وهيئات إعلامية كبرى، اعتادت توجيه انتقادات لاذعة للقاهرة، بداعي رصدها انتهاكات لحقوق الإنسان وممارسات غير ديمقراطية.
وتعتمد الاستراتيجية المصرية تلك، على توجيه رد رسمي سريع لتلك الانتقادات وتفنيدها، عبر مؤسسات رسمية كبرى، تتصدرها «الهيئة العامة للاستعلامات»، التابعة لرئاسة الجمهورية، ووزارة الخارجية، وكذا مجلس النواب (البرلمان).
ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، المنتمي لـ«الإخوان»، عام 2013، يتهم عدد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها «المفوضية السامية لحقوق الإنسان» التابعة للأمم المتحدة، و«العفو الدولية»، و«هيومان رايتس ووتش»، السلطات المصرية، بارتكاب انتهاكات واسعة بشأن معارضين، تشمل اعتقالات وعمليات تعذيب، فضلاً عن أحكام جماعية بحق المئات، ومصادرة للحريات.
لكن الحكومة المصرية، عادة ما تؤكد اعتماد تلك المنظمات على «نشر معلومات مغلوطة وغير موثقة»، كما تتهمها بـ«تغليب انحيازاتها السياسية على الدور الحقوقي المفترض أن تقوم به».
وعلى مدار الأيام الماضية، دخلت «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر في سجال مع منظمة «العفو الدولية»، بشأن مظاهرات محدودة ونادرة شهدتها القاهرة وعدد من المحافظات، ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
واتهمت المنظمة مصر، في بيانين متتاليين، بتقييد الحق في حرية التنقل، بإغلاق 4 محطات مترو بالعاصمة القاهرة، يوم الجمعة الماضي. وأشارت إلى أن الدافع وراء إغلاق السلطات المصرية للطرقات ومحطات المترو كان «منع الأشخاص من ممارسة حقهم في المشاركة في المظاهرات السلمية». كما دعتها إلى «إنهاء موجة الاعتقالات الجماعية التعسفية والإفراج عن جميع المعتقلين».
لكن «الهيئة» ردت بأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أباح للدول أن تقيد الحق في حرية الحركة والتنقل لـ«حماية الأمن القومي وحفظ النظام العام»، ونوهت إلى أن تلك الإجراءات جاءت رداً على انتشار «دعوات العنف والتحريض على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، واحتمال تنفيذ عمليات تخريب في البلاد».
وشددت «الهيئة»، في بيان أمس، على احترام مصر «حق التظاهر السلمي... بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة الواردة في القانون»، مشيرة إلى أن الجهات المختصة «لم تتلقَّ وفق قانون التظاهر، أي إخطار باستخدام الحق القانوني في التظاهر السلمي على مدار الأيام الماضية».
ورداً على إعلان «العفو» أن عدد الموقوفين في مصر خلال الأيام الماضية تجاوز الـ2200 شخص، قالت «الهيئة» إن المنظمة استندت إلى «إحصائيات أوردتها منظمات محلية ودولية ذات غطاء حقوقي شكلي ومضمون سياسي مؤكد، مناوئ للحكم في مصر، وتجاهلت الرقم الرسمي الصادر في بيان عن النائب العام المصري».
وسبق أن أشار النائب العام المصري إلى استجواب نحو ألف متهم، حتى يوم الخميس الماضي، في إطار تلك الاحتجاجات. وقالت «الهيئة» إن «منظمة العفو الدولية تصر على تبني خطاب مسيس بامتياز لصالح أطراف سياسية، بعضها يعارض الحكم في مصر، وبعضها الآخر يمارس الإرهاب ضد مواطنيها ومؤسساتها، ضاربة عرض الحائط بكل التقاليد الدولية المستقرة في مجال حقوق الإنسان».
وقبل يومين، هاجمت الخارجية المصرية، بياناً أصدرته «المفوضية السامية لحقوق الإنسان» التابعة للأمم المتحدة، انتقد تعامل السلطات مع الموقوفين على ذمة التحقيقات في المظاهرات، واعتبرته «غير مقبول» و«خاطئ».
وقال المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم الخارجية، إنه «لا يوجد مواطن في مصر يتم القبض عليه أو محاكمته بسبب ممارسته نشاطاً مشروعاً، أو لتوجيهه انتقادات ضد الحكومة المصرية، وإنما لاقترافه جرائم يعاقب عليها القانون، فالحق في التظاهر السلمي مكفول وفقاً للدستور والقانون، على أن تتم ممارسة هذا الحق وفقاً للإجراءات القانونية اللازمة».
وضمن الاستراتيجية المصرية الجديدة للمواجهة، أطلقت «الهيئة العامة للاستعلامات» في يوليو (تموز) الماضي، منصة إلكترونية جديدة بـ3 لغات، تتضمن قاعدة بيانات شاملة عن موضوعات حقوق الإنسان، سبقها تشكيل «لجنة عليا دائمة» للرد على أي مزاعم خارجية تخص مجال حقوق الإنسان.
ووفقاً للقرار الحكومي، تختص اللجنة بوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، وصياغة رؤية مصرية موحدة يتم التعبير عنها في المحافل الدولية والإقليمية، ومتابعة تنفيذ خطط التحرك، لدعم وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وتعتبر النائبة مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري (البرلمان)، أن معظم ما تصدره تلك المنظمات الحقوقية الدولية «يعبر عن موقف سياسي ضد مصر، أكثر من كونه مبنياً على حقائق ووقائع معينة».
وقالت عازر لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك التقارير الغربية تتضمن أكاذيب؛ خصوصاً ما يتعلق باعتقالات بسبب مواقف سياسية، مشددة على أن جميع من ألقي القبض عليهم مؤخراً خالفوا القانون، ويجرى التحقيق معهم أمام النيابة العامة، وهناك اتهامات موجهة لهم، من بينها التعاون مع جماعة إرهابية.
بينما يؤكد محمد عبد العزيز الغول، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري، أن «تلك المنظمات الدولية والجهات الإعلامية الكبرى التي تستهدف مصر، عبر طمس الحقيقة وإطلاق اتهامات غير مبررة، تغمض الأعين في المقابل عما يحدث في فلسطين وقطر وتركيا».



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.