«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

عدد الأجنبيات من روسيا والدول الغربية يفوق كثيراً قريناتهن العرب

متهمات بالانضمام إلى {داعش} مع أطفالهن في مخيم الهول (أ.ف.ب)
متهمات بالانضمام إلى {داعش} مع أطفالهن في مخيم الهول (أ.ف.ب)
TT

«الداعشيات»... ماضٍ مظلم ومستقبل مجهول

متهمات بالانضمام إلى {داعش} مع أطفالهن في مخيم الهول (أ.ف.ب)
متهمات بالانضمام إلى {داعش} مع أطفالهن في مخيم الهول (أ.ف.ب)

هناك من النساء من هربن من بلادهن وانضممن إلى صفوف تنظيم «داعش» في سوريا والعراق بمحض إرادتهن لاقتناعهن بآيديولوجيته وأهدافه ومبرراته، أو تم استدراجهن والتلاعب بعواطفهن. وكثيرات منهن كن عند استدراجهن في سن صغيرة. إضافةً إلى ذلك، هناك أيضاً مَن سافرن مع أزواجهن أو التحقن بهم في سوريا عبر تركيا بعد أن خدعوهن ولم يكنّ يعلمن الهدف الحقيقي من السفر وأنهم أصبحوا من المتطرفين «الدواعش».

أما النساء المنتميات إلى المناطق نفسها التي كانت تحت سيطرة تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، فمنهن مَن تزوجن مسلحي «داعش» الأجانب برضاهن أو قسراً ثم طُلقن أو ترمّلن. والآن كل هؤلاء يُقِمن مع أطفالهن في مخيمات في أوضاع معيشية بائسة في ظروف لا يمكن تحملها، وهن في الآن ذاته لا يستطعن العودة إلى بلدانهن.
وفي مخيم «الهول» شمال شرقي سوريا، الذي بات ملاذاً آمناً للفارّين من مناطق التنظيم سابقاً في سوريا والعراق، يوجد اليوم نحو 72 ألف نازح ولاجئ، 90% منهم نساء وأطفال، حسب المسؤولين عن المخيم. وتُعَد نسبة العراقيين الأعلى من بين القاطنين، حيث يعيش 30875 ضمن 8746 عائلة، أما السوريون فيبلغ عددهم 30593 ويبلغ تعداد العائلات 8983.
تم تخصيص قسم خاص في المخيم للنساء الأجانب وأطفالهنّ المتحدرين من دول غربية وعربية ويبلغ عددهم نحو 10734، من بينهم 3177 امرأة بعضهن قاصرات، أما الباقي فأطفال دون سن الخامسة عشرة. ويخضع القسم لحراسة أمنية مشددّة، حيث يُمنع خروج ودخول النساء إلا بإذن خطّي من إدارة المخيم وبرفقة عناصر من قوى الأمن الداخلي. وتأتي روسيا على رأس القائمة من الأجانب ويبلغ عدد النساء مع أطفالهن 2010، تليها دول آسيا الوسطى بما مجموعه 2320، ثم دول أوروبية بـ1200، إضافة إلى عدد آخر من المنحدرين من أميركا وأستراليا.
أما عدد النساء العربيات المهاجرات وأطفالهنّ فهو 1453، عدا العراقيات، ويأتي المغرب على رأس القائمة ويبلغ تعداد النساء والأطفال منه 582، تليه مصر بـ377 امرأة وطفلاً، ثم تونس بـ251، بينما يبلغ تعداد النساء والأطفال من الجزائر 98 سيدة وطفلها، ومن الصومال 56، ومن لبنان 29، ومن السودان 24، ومن ليبيا 11، ومن فلسطين 8، والرقم نفسه من اليمن، إضافة إلى 9 من دول أخرى.
ومن الغريب أن نجد عدد الأجنبيات من روسيا وآسيا الوسطى والدول الغربية أكثر بكثير من اللاتي أتين من الدول العربية، وربما يعكس هذا أيضاً نسبة الدول التي يأتي منها المقاتلون الأجانب المنضمون لصفوف التنظيم. وقد تتشابه الأسباب التي أدت إلى انضمام النساء من هذه الدول ومن الدول العربية، مثل الإيمان بالآيديولوجية والمعاناة من القمع والجهل والفقر والتمييز والرضوخ لرغبة الزوج، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول تأثر هؤلاء النساء بفكر ودعاية «داعش» خارج نطاق محيطهن الاجتماعي العام العلماني أو المتحرر أو غير الإسلامي وكذلك الطريقة التي استطعن بها الوصول إلى سوريا من بلدانهن البعيدة.
وحتى الدول العربية التي يأتي معظم النساء منها، وغالباً الرجال أيضاً، لا تنطبق عليها الصورة النمطية للمجتمعات المسلمة المتشددة، بل العكس، هي دول معروف عنها الوسطية والاستقرار وتمكين المرأة. لذلك فإن تأثر هؤلاء النساء والرجال بالفكر المتطرف لا يمكن إرجاعه لعامل واحد فقط كالمناهج التعليمية أو المنابر الدينية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما يبدو أنها عوامل متعددة غذّى بعضها بعضاً، وقد يكون العامل الأسري والاقتصادي والنفسي المحرك الأقوى الذي تم استغلاله من جماعات منظمة لأهداف سياسية.
الآن فإن وضع هؤلاء النسوة وأطفالهن في مخيم «الهول» أقل ما يوصف به أنه كارثي. فالموجودون بحاجة ماسة إلى المساعدة، حيث تعرض القسم الأكبر منهم لفظائع وشهدوا حروباً ومشاهد موت فظيعة ومعاناة بدنية ونفسية. وهؤلاء يحتاجون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية والصرف الصحي، ويفتقر المخيم لمراكز صحية ومؤسسات تعليمية وترفيهية وإلى أبسط مقومات الحياة. ويفيد تقرير أعدته الأمم المتحدة بأن 126 قاصراً لقوا حتفهم في هذا المخيّم خلال الأشهر الأولى من هذا العام بسبب المرض أو سوء التغذية أو نتيجة إصابات تعذّرت معالجتها، وأن نحو 40 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة يعيشون في ظروف مأساوية ولا يعرف أحد ماذا ينتظرهم.
وبطبيعة الحال، يبقى الأطفال الضحية الكبرى في هذا كله. ما مصيرهم؟ آباؤهم «الداعشيون» إما قُتلوا وإما اعتُقلوا وإما لا يعرف أحد مكان وجودهم ولا ما إذا كانوا أحياء أم في عداد الأموات. وفي بعض الحالات يكون الأب مجهولاً لأن الأم لا تعرف الاسم الحقيقي لزوجها. وقد بدأ بعض الحكومات بتسلم عدد بسيط من رعاياها الأطفال من عائلات مقاتلي تنظيم «داعش» الموجودين في مخيم «الهول» مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية وبلجيكا وأستراليا وروسيا وفرنسا. وأشارت التقارير إلى أن دول آسيا الوسطى الأعلى استعادةً لمواطنيها من نساء وأطفال مثل أوزباكستان وكازاخستان. أما الدول العربية فإن المغرب والسودان هما الوحيدان اللذان يبدو أنهما تسلما عدداً قليلاً من رعاياهما. وبلغ مجموع النساء اللاتي عدن إلى بلدانهن الأصلية من الجنسيات الأجنبية 319 سيدة مهاجرة مع طفلها، إضافة إلى الأطفال اليتامى الذين قُتل والداهم جراء المعارك في سوريا.
أما العراقيات فمنذ بداية العام الحالي، توقفت رحلات إعادة العراقيات الراغبات بالعودة إلى مناطقهن لأسباب تتعلق بالجانب العراقي، حسب المسؤولين عن المخيم. وفي سوريا تدخل شيوخ ووجهاء عشائر عربية وطالبوا بالسماح بإخراج النساء السوريات برفقة أطفالهن، لا سيما المتحدرات من مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها، وبدأ العمل بنظام «الكفالة» قبل العيد الماضي، وإخراجهن على دفعات. كما يوجد نساء وأطفال لدى دوائر الإصلاح العراقية وإقليم كردستان يقدر عددهم بنحو 1500 طفل بشبهة الانتماء إلى تنظيم «داعش»، بينهم 185 أجنبياً على الأقل أُدينوا بتهم متصلة بالإرهاب. وقد أشار بيان للخارجية العراقية شهر يوليو (تموز) الماضي، إلى أنها شاركت في عدد من عمليات ترحيل الأطفال من مختلف الجنسيات، وعددهم 473. ومن هذه الجنسيات: الروسية، والطاجيكية، والأذرية، والألمانية، والفرنسية، والجورجية، والبيلاروسية، والفنلندية، والأوكرانية، والتركية.
التعامل مع نساء تنظيم «داعش» يختلف عن الرجال. فرغم أن بعضهن حملن السلاح وقمن بعمليات انتحارية وكن أعضاء فاعلات في عمليات التخطيط والإمداد ونقل المعلومات والتجنيد، يظل واقع الحال يقول إن معظم نساء هذا التنظيم القابعات في المخيمات هن ضحية ظروفهن الأسرية والحرب، ومع ذلك تتعامل معهن بلادهن بحذر وقلق شديدين وتخشى من عودتهن. ويقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية، إن مخيم «الهول»، الذي يديره حلفاء أكراد سوريون بقليل من المساعدات والأمن، بات يتطور ليصبح بمثابة بؤرة جديدة لآيديولوجية تنظيم «داعش»، كما توصل تقييم حديث للأمم المتحدة إلى النتيجة نفسها، حيث أكد التقرير أن الأشخاص الذين يعيشون في «الهول»، «قد يشكّلون تهديداً إذا لم يتم التعامل معهم بشكل مناسب». وتشير هذه المعلومات إلى أن تنظيم «داعش» يصعد من جديد، وذلك ليس في العراق وسوريا فحسب، ولكن في أماكن أخرى من غرب أفريقيا إلى سيناء، وكذلك في أفغانستان.
الحقيقة أنها نبهت إلى أنه يجب أخذ تهديد الإرهاب النسائي على محمل الجد وإلى ضرورة معالجة الأسباب والدوافع من جذورها وتقييم وتشخيص تبعات انضمام النساء إلى الجماعات المتطرفة، سواء كان ذلك عن قناعة أو على نحو قسري وما نتج عن ذلك، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال، على المستوى النفسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي وكيفية التعامل معها. فما دامت البيئة التي أفرزت هذه الآيديولوجيا والعوامل التي ساعدت على نشرها ونموها موجودة فسيستمر ظهور المزيد من الحالات. ومن المهم إعادة تثقيف النساء بأمور دينهن وتأهيلهن نفسياً واجتماعياً وتمكينهن اقتصادياً ليصبحن أمهات صالحات لتربية أبنائهن بعيداً عن فكر وبيئة «داعش». وبالنظر إلى تأثير مواقع الإنترنت فإنه إضافةً إلى متابعتها وإغلاقها من الجهات المعنية يجب إجراء دراسة للمواقع لتحديد مدى جاذبيتها وأساليبها في الاستقطاب ولماذا يلجأ إليها هؤلاء. لقد شكّلت المناقشة بخصوص دور المرأة ذاتها في مكافحة الإرهاب أحد المحاور الرئيسية في الاجتماع الوزاري التشاوري بحضور خبراء من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة في شهر يونيو (حزيران) الماضي حول تمكين المرأة، والذي كان يهدف إلى بلورة ما يمكن أن تضطلع به منظمة تنمية المرأة التابعة للمنظمة من دور فور بدء نشاطاتها، والذي من المؤمل أن يكون العام القادم. وركزت النقاشات على التحديات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة في مجال مكافحة التطرف، وأهمية إشراك المرأة في التدابير والاستراتيجيات التي تضعها الدول الأعضاء في المنظمة في هذا المجال.
وأكد الخبراء أن أسباب ودوافع انضمام النساء للجماعات المتطرفة ليست واحدة، وبالتالي لا يمكن التصدي لها باستراتيجية واحدة يتم تعميمها، إذ تجب مراعاة خصوصية كل منطقة وتنوعها السياسي والاجتماعي والثقافي، مشيرين، في الوقت ذاته، إلى أن هناك بعض الإجراءات والسياسات التي يمكن أن تتفق بخصوصها جميع الدول المعنية بهذه الظاهرة، ومنها على الخصوص زيادة التوعية حول وجود إرهاب نسائي وإمكانية تطرف النساء، بشكل ربما يضاهي أو يكون أكثر تشدداً من تطرف الرجل، إضافة إلى ضرورة توسيع دائرة المعنيين بمواجهة التطرف، وعلى رأسهم المرأة، من خلال تمكينها من القيام بدورها الاستباقي في منع ومواجهة علاماته التي يمكن أن تظهر على أبنائها ومحيطها الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.