تصعيد «طالبان» يثير مخاوف من إرهاب معوّلم

عنفها لن يقتصر تهديده على أفغانستان

آثار دمار غداة هجوم مميت شنّته «طالبان» ضد مكتب حملة الرئيس أشرف غني في كابل نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
آثار دمار غداة هجوم مميت شنّته «طالبان» ضد مكتب حملة الرئيس أشرف غني في كابل نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

تصعيد «طالبان» يثير مخاوف من إرهاب معوّلم

آثار دمار غداة هجوم مميت شنّته «طالبان» ضد مكتب حملة الرئيس أشرف غني في كابل نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)
آثار دمار غداة هجوم مميت شنّته «طالبان» ضد مكتب حملة الرئيس أشرف غني في كابل نهاية الشهر الماضي (أ.ف.ب)

مهما يكن من أمر الجواب، فإننا بالفعل أمام مشهد مثير يحتاج إلى قراءة متأنية، ولا سيما بعد أن اقتربت الولايات المتحدة الأميركية كثيراً جداً من عقد اتفاق مع حركة «طالبان»، بعد مفاوضات طويلة وشاقة، كان ولا يزال هدفها الرئيسي إنهاء ثمانية عشر عاماً من القتال، قبل أن يعلن الرئيس الأميركي وقف تلك المحادثات من جراء تصاعد أعمال العنف التي جرت هناك مؤخراً، وأفرزت قناعة لدى صانع القرار في البيت الأميركي مفادها أن «طالبان» لن تتغير، كما أنها لن تكفّ عن ممارسة العنف والإرهاب وتشجيعهما؛ الأمر الذي ثبت صحته بالفعل من خلال التهديد المباشر الذي واكب إعلان وقف المحادثات الأميركية مع التنظيم المسلح الأشهر الذي قدم العناية والرعاية، ووفر الملجأ والمأوى لتنظيم «القاعدة» طوال أكثر من ثلاثة عقود خلت.
يعنّ لنا أن نتساءل في بداية الأمر ما هو الهدف الذي يدفع الرئيس ترمب إلى توقيع اتفاق مع «طالبان»، اتفاق لا يمكن أن نسميه بحال من الأحوال سلاماً، بل هدنة طويلة الأمد بشروط معينة؛ ذلك أن الأميركيين لن ينسوا ما دام هناك تاريخ أن هؤلاء البشر مسؤولون بشكل أو بآخر عن وفاة قرابة ثلاثة آلاف أميركي دفعة واحدة نهار الحادي عشر من سبتمبر 2001، كما أن «طالبان» سيظلون يتذكرون الثمن الفادح الذي دفعوه طوال ثمانية عشر عاماً من الغزو الأميركي لبلادهم؟
يمكن القطع بأن واشنطن لها أهداف معلنة وأخرى خفية فيما يخص العلاقة مع «طالبان»، أما المعلن فهو أن تلتزم «طالبان» بعدم السماح للمتطرفين والإرهابيين باستخدام الأراضي الأفغانية في التخطيط لشنّ هجمات على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، كما يتضمن الاتفاق بنوداً متعلقة بإجراء محادثات بين الأفغان للتوصل إلى تسوية سياسية أوسع نطاقاً لإنهاء القتال بين «طالبان» والحكومة المدعومة من الغرب، ويبقى بلا شك الحفاظ على أمن وأمان المصالح الأميركية في النطاق الجغرافي القريب من أفغانستان على رأس بنود الاتفاقية.
غير أن ما هو غير معلن موصول ولا شك بالتواجد اللوجيستي الأميركي في أفغانستان، من أجل الحيلولة دون توسع موسكو مرة أخرى في الداخل الأفغاني، وبالقدر ذاته كذلك قطع الطريق على بكين؛ كي لا تكتسب مربع قوة ونفوذ جديداً في أفغانستان، يدعم من مجال قطبيتها القادمة في الطريق؛ ما يجعل هزيمة أميركا في الجانب الشرقي من العالم أمراً مؤكداً، ويسرّع بمرحلة أفولها الإمبراطوري، التي تتناولها التحليلات والطروحات منذ وقت طويل.

شكوك عريضة حال الانسحاب الأميركي

للرئيس الأميركي دونالد ترمب أيضاً مصلحة كبرى في سحب كثير قواته والتي تبلغ الآن قرابة 14 ألف جندي من أفغانستان، فالرجل الذي يستعد لانتخابات رئاسية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 يقيم وزناً كبيراً للشارع الأميركي الذي يبقى رافضاً لفكرة استمرار حروب أميركا خارج البلاد، وترمب قد قطع على نفسه وعوداً بأنه لن يرسل جندياً آخر بعيداً عن أميركا، وبقناعة مطلقة أن واشنطن ليس منوطاً بها دور درك العالم أو شرطيه.
غير أن الأمر وحينما يتعلق بـ«طالبان» في واقع الأمر لا يمكن أن يكون على هذا القدر من السهولة، ذلك أن ترمب والذي لم يخفِ رغبته في سحب قوات بلاده من هناك حتى قبل توليه الرئاسة، تساوره شكوك عريضة حول واقع أفغانستان حال الانسحاب الأميركي دفعة واحدة من هناك، والأمر نفسه ينتاب المسؤولين الأفغان ومسؤولي الأمن القومي الأميركي، ولا سيما أن فكرة الانسحاب تكاد تكون مرتبطة بأمرين أساسيين آخرين:
أولاً: أن القوات الأميركية في الداخل الأفغاني تعمل حتى الساعة بمثابة رمانة الميزان، بين الفصائل الأفغانية المتناحرة، وفي المقدمة منها «طالبان» من جانب والحكومة الأفغانية من جانب آخر، وهنا فإن احتمال دخول أفغانستان في حرب أهلية داخلية طاحنة من جديد يبقى احتمالاً قائماً وبقوة، ومعنى عودة «طالبان» إلى الساحة مرة أخرى، وربما عودتها إلى إحكام قبضتها على البلاد، أن أفغانستان ستعيد سيرتها الأولى، وستقدم دعماً غير مسبوق للجماعات المتشددة حول العالم، وهذا ما يقودنا إلى الجزئية الثانية والأكثر هولاً من الأولى.
ثانياً: يكاد الخوف الأميركي والأممي من أن تتحول أفغانستان مرة جديدة محجاً للقوى الإرهابية العالمية كافة، ولعل المتابع لجميع التقارير الأمنية والاستخبارية حول العالم يدرك أن تنظيم «القاعدة» الذي ولد في أحضان «طالبان»، وفي مغائر جبال وشقوق أراضي أفغانستان عائد بقوة، بل ويكاد يكتسب يوماً تلو الآخر مساحات جديدة من النفوذ آسيوياً تحديداً، ولاحقاً حول بقية العالم.
أما الطامة الكبرى، فتتمثل في تحول أراضي أفغانستان إلى ملاذ آمن لتنظيم «داعش»، ولا سيما بعد الاندحار المؤقت في العراق وسوريا، مع ملاحظة أن «داعش» يتحول إلى فكرة إرهابية بأكثر منها تنظيم لوجيستي، ومؤخراً أشار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو إلى تنامي الوجود الداعشي في أفغانستان، ولم يكن الروس بمفردهم في واقع الحال من تحدثوا عن ضراوة نشوء وارتقاء «الدواعش» من جديد على الأراضي الأفغانية، فقد شاركهم الرأي المدعوم بالمعلومات الاستخبارية الأميركيون هناك، ففي الأول من مايو (أيار) الماضي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي كبير قوله: «إن عناصر (داعش) اختاروا أفغانستان ملجأ لهم»، ومضيفاً أننا «حال لم نبقِ على الضغوط لمكافحة الإرهاب ضد فرغ (داعش) في أفغانستان، فإن هجوماً نوعياً قد يقع على الأرجح على أمتنا خلال هذا العام».
يمكن لأي محلل سياسي أو أمني أن يتوقع أن أفغانستان وحال وقوعها في حاضنة الإرهاب والعنف مرة جديدة، سوف تضحى ولا شك كارثة أممية، ذلك أن العالم يتخوف في الوقت الراهن من مولد تنظيم جديد يمزج بين «القاعدة» و«داعش» معاً، ويسعى إلى ضم عناصر أكثر خطورة من بقية إرجاء العالم، تنظيم يكون قلبه اللوجيستي في وسط أفغانستان من جديد، وتكون أطرافه وأذرعه ممتدة في أطراف الكرة الأرضية كافة، وذلك عبر التواصل التكنولوجي الذي وفّرته وسائط التواصل الاجتماعي؛ ما يجعل من فكرة الذئاب المنفردة رعباً قائماً وقادماً».
لكن، ربما ينبغي علينا أن نعود إلى متابعة فصول المشهد الأميركي - الأفغاني بطريقة «الفلاش باك»، ففي نهار الاثنين التاسع من سبتمبر الحالي، قال الرئيس ترمب إن المحادثات مع حركة «طالبان» الأفغانية انتهت، وأنه لا يزال يفكر في سحب القوات الأميركية، وأضاف للصحافيين لدى مغادرته البيت الأبيض متجهاً إلى نورث كارولينا بعد أن ألغى محادثات سرية كانت مقررة في كامب ديفيد بشأن خطة للسلام في مطلع الأسبوع «بالنسبة لي قد انتهت».
أما السبب فهو اعتراف «طالبان» بالاعتداء الأخير الذي وقع في كابل وأسفر عن مقتل من أسماه ترمب «أحد جنودنا العظماء»، وأحد عشر شخصاً آخر.
السؤال الذي يتردد في عدد كبير من وسائل الإعلام الأميركية: «هل هذا الحادث هو السبب الرئيسي فعلاً في إلغاء السعي الأميركي إلى السلام مع (طالبان)، وهو حدث جرت الأقدار بمثله مراراً، ويمكن تبريره بصورة أو بأخرى، أو الصمت تجاهه، من أجل هدف كبير كإنهاء الصراع الذي أضحى مستنقعاً للأميركيين طوال عقدين، أم أن هناك أسباباً أخرى خفية غير واضحة في الوقت الراهن، هي من دفعت ترمب إلى هذا الموقف المتشدد؟».
المقطوع به هو أنه وإلى حين معرفة الجواب، تبقى «طالبان» هي الرعب القديم والجديد للجانب الأميركي، بنوع خاص، ولأمن وسلام العالم بنوع عام، فقد جاءت ردات الفعل «الطالبانية» بصورة لا تنم عن أنها فصيل أفغاني يسعى للسلام بالمرة في الحال أو الاستقبال.
في أعقاب إعلان ترمب المشار إليه بوقف المباحثات مع «طالبان»، قال المتحدث باسم الجماعة، ذبيح الله مجاهد، لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان لدينا طريقان لإنهاء احتلال أفغانستان، الأولى الجهاد والقتال، والأخرى المحادثات والمفاوضات». وأضاف: «إن أراد ترمب وقف المحادثات، سنسلك الطريق الأولى، وسيندمون قريباً».
هل يمكن أن يرتبط فعل الندم الذي تحدث عنه المتحدث باسم «طالبان» بأي شيء آخر سوى عودة الجماعة إلى طريق القتال في الداخل، وتوفير الملاذات الآمنة للجماعات الإرهابية التي تقلق العالم في الخارج؟
التهديد «الطالباني» بعودة العنف على هذا النحو ربما كشف مكنونات صدر «طالبان» بصورة مثيرة لمخاوف العالم برمته؛ الأمر الذي سيدفع ربما الجانب الأميركي إلى إعادة تقييم مسألة مفاوضات السلام مع «طالبان» بصورة جذرية؛ ذلك أن أي انسحاب أميركي سريع ومتعجل من الداخل الأفغاني، ربما ستكون له عواقب كارثية، ويذكّر بما جرى في أفغانستان نفسها عندما انسحبت القوات السوفياتية مرة واحدة، وتركت الدولة نهباً للمتطرفين الإرهابيين، والأمر نفسه خبرته أيضاً الولايات المتحدة الأميركية حين انسحابها من فيتنام.
أحد الأسئلة المثيرة أيضاً، هل ثبت لترمب أن فكرة قيام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بمتابعة المشهد الأفغاني من الداخل عوضاً عن وجود القوات الأميركية فكرة فاشلة، وعليه يسعى لمزيد من الوقت للتفكير في حلول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن «طالبان» تعد أوراقها لأسوأ الاحتمالات؛ ما يعني أن العالم على موعد مع موجة جديدة من الخوف والإرهاب المتفشي آسيوياً وأممياً من جراء الأصولية «الطالبانية».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».