يعرف الساسة في ليبيا قدر العاصمة طرابلس وأهميتها، ليس لكونها مدينة هادئة تمتاز بقدر من الجمال، أو أنها الأكبر من حيث السكان والمساحة؛ بل لأنها بيت الحكم، ومقر إدارة البلاد، فمنها تنطلق السياسة، وإليها يتوافد كبار المسؤولين الدوليين. غير أنه ومنذ إسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، عقب اندلاع «الانتفاضة» الشعبية، لم تغادر العاصمة أصوات الرصاص، ودوي الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في اشتباكات متكرّرة تدور رحاها بين الميليشيات المسلحة.
ومنذ ذلك التاريخ، توغلت الكتائب والميليشيات، وأحكمت قبضتها على مجريات الأمور في طرابلس، لدرجة أن بعضاً من المجموعات المسلحة المحسوبة على التيار الإسلامي المتشدّد، تحدّت دخول السراج إلى طرابلس لممارسة مهام عمله كرئيس للمجلس الرئاسي في مارس (آذار) 2016، وفقاً لترتيبات «اتفاق الصخيرات»؛ لكنه نجح بدعم من ميليشيات أخرى في الوصل إلى مكتبه بقاعدة أبو ستة البحرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
ومع هذا، ظل السراج يكرر أنه يعمل على دمج تلك الميليشيات في الأجهزة الأمنية. وتبعاً لذلك أصبحت «الكانيات» تتبع وزارة الدفاع بحكومة «الوفاق»، أما «ثوار طرابلس» و«النواصي» فتنضويان تحت لواء وزارة الداخلية بالحكومة نفسها. وظلت هذه الميليشيات الثلاث تتحصّل على مميزات ورواتب من مخصّصات الوزارتين، البالغة ستة مليارات ونصف مليار دينار ليبي، في الترتيبات المالية. لكن بعد العملية العسكرية على طرابلس أصبحت هناك متغيّرات على الأرض دفعت بهذه التشكيلات للذهاب إلى جبهة القتال لمواجهة قوات «الجيش الوطني».
معاناة العاصمة لم تقتصر على تعسّف وسيطرة الميليشيات فقط، بل إنها أصبحت في غالبية الأحيان مكاناً للخطف والابتزاز من قبل الخارجين عن القانون، وتعتبر هذه الجريمة من أبرز الظواهر التي أزعجت مواطني العاصمة في ظل الانفلات الأمني. ففي عام 2017، سجل جهاز البحث الجنائي التابع لحكومة «الوفاق» وقوع 1038 جريمة قتل، إضافة إلى خطف 676 شخصاً في طرابلس وضواحيها. وقال تقرير حكومي، إنه تم خلال عام 2015، خطف 676 شخصاً، جرى تحرير 100 مخطوف منهم، لكن 74 قتلوا على يد خاطفيهم، ولا يزال مصير باقي المختطفين مجهولاً.
بجانب ذلك، صار العتاد المخزون لدى الميليشيات المسلحة خارج إطار الدولة، مصدر أرق وقلق لليبيا منذ إسقاط النظام السابق. بل إنه بات يمنعها من مغادرة «الفترة الانتقالية» وسط إصرار على أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فكلما هدأت الاشتباكات أوقدت الميليشيات نارها، بغية الاستبقاء على ليبيا سوقاً رائجة للسلاح تدرّ ملايين الدولارات على «أمراء الحرب».
طرابلس في سطور
عُرفت طرابلس، التي تأسست على يد الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد، بألقاب عدة كـ«طرابلس الغرب»، و«عروس البحر الأبيض المتوسط»، وهي تعلو قمة صخرية تشرف على البحر الأبيض المتوسط في الجزء الشمالي الغربي من ليبيا، ويبلغ عدد سكانها 1.126 مليون نسمة، بحسب إحصائيات عام 2014.
ويعد «أبو سليم» من أشهر أحياء العاصمة، بالإضافة إلى الحي الإسلامي ومنطقة الدريبي، والمدينة القديمة، والهضبة الخضراء، وباب بن غشير والأندلس، ودمشق، وزاوية الدهماني، وزناتة، وسوق الجمعة، وغوط الشعال.
وسياسياً، تبقى طرابلس ومحيطها في شمال غربي ليبيا عقبة كأداء وجائزة كبرى، أمام من يقرر خوض ماراثون الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا سيما أنه يضم أكثر من 62 في المائة من عدد الناخبين، وهم الذين يحددون مَن يقود البلاد، عند الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.