مراسم دفن شيراك غداً وحضور دولي مرتقب

إجماع فرنسي على الإشادة بالرئيس الراحل وماكرون يعلن الاثنين يوم حداد وطنياً

TT

مراسم دفن شيراك غداً وحضور دولي مرتقب

يوارى جثمان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الثرى، يوم الاثنين، في مقبرة مونبارناس الواقعة جنوب باريس في إطار عائلي محض، وفق أمنيات زوجته برناديت وابنته كلود. وسيدفن شيراك إلى جانب ابنته لورانس التي توفيت في عام 2016، وكانت طيلة حياتها وبسبب مرضها المزمن الجرح الدامي للرئيس الأسبق. لكن قبل ذلك، سيقام قداس احتفالي في كنيسة سان سولبيس الباريسية بحضور كثير من رؤساء الدول الذين انصبت تعازيهم على فرنسا منذ الساعات الأولى التي عرفت فيها وفاته.
ولأن شيراك كان، قبل كل شيء، متواضعاً وقريباً من الناس، رغم المناصب العليا التي تقلدها في حياته السياسية؛ ومنها أنه كان رئيساً للجمهورية لولايتين امتدتا إلى 12 عاماً، فقد قررت عائلته إفساح المجال للمواطنين ليلقوا عليه نظرة الوداع الأخير، وذلك في قصر الأنفاليد الوطني، حيث ترقد رفات الإمبراطور نابوليون بونابرت. وسينقل جثمان شيراك إلى الأنفاليد بعد ظهر غد (الأحد).
وقال فريدريك سالا - بارو، صهر شيراك وزوج كلود، إن شيراك «بنى علاقات وثيقة مع الفرنسيين ولذا، فإن كل محبيه يستطيعون المجيء من أجل وداعه». لم ينسَ الفرنسيون تعلق شيراك بدائرته الانتخابية الريفية الواقعة في مقاطعة «كوريز» وسط فرنسا، حيث كان يزورها باستمرار ونسج مع سكانها علاقات تتميز بالبساطة والقرب. كذلك لم ينسوا زيارات الرئيس الأسبق السنوية إلى «المعرض الزراعي» الذي يجري نهاية فبراير (شباط)، بداية مارس (آذار) من كل عام. وكان شيراك يمضي يومه متنقلاً بين أجنحته يصافح هذا ويداعب ذاك، يشرب من هنا ويأكل من هناك ولم يكن يتردد في ملامسة الأبقار والأغنام ويستفسر من أصحابها عن أوزانها وأجناسها وإنتاجها... كذلك لا ينسى الفرنسيون حملات شيراك الانتخابية خصوصاً حملته الرئاسية لعام 1995، حيث كان شعاره شجرة التفاح وكانت تسبقه صناديق التفاح إلى مهرجاناته الانتخابية ولم يكن يتردد في دعوة مستمعيه إلى أكل التفاح، رمزاً لتأييدهم له.
منذ أن عرف خبر وفاة شيراك صباح الخميس، بدأ الباريسيون بالتجمهر في محيط منزله الواقع في الدائرة السادسة قريباً من قصر لوكسمبورغ، حيث مقر مجلس الشيوخ وحديقته الشهيرة. ذلك أن الباريسيين عرفوه عن قرب رئيساً لبلديتهم لعقود. وفي عام 1995، انتقل شيراك مباشرة من القصر البلدي إلى قصر الإليزيه. وخلال سنينه الطويلة، عرف أن يغير وجه العاصمة وأن يستخدمها منصة لطموحاته السياسية.
وبالنظر للهفة الشعبية التي تبدت سريعاً، فقد أمر الرئيس إيمانويل ماكرون بفتح سجل ذهبي في قصر الإليزيه أمام المواطنين لتسجيل كلماتهم الوداعية، كما أمر بتنكيس الأعلام وجعل يوم الاثنين يوم حداد وطنياً على الرئيس الراحل. كما عمد ماكرون إلى تغيير برنامجه الرسمي يوم الخميس ليزور وزوجته عائلة شيراك لتقديم التعازي. كذلك عمد البرلمان إلى تغيير برنامج أعماله وتأجيل إطلاق النقاش الذي كان مقرراً يوم الاثنين حول موضوع الهجرات الذي أراد ماكرون من النواب تناوله استباقاً للانتخابات البلدية التي ستجري في مارس (آذار) المقبل، ولمنع احتكاره من قبل «التجمع الوطني»، وهو حزب مارين لوبن اليميني المتطرف. وقد جعل هذا الحزب من مسألة الهجرة والدفاع عن الهوية الفرنسية والتنديد بالمهاجرين والدعوة إلى الحد من تدفقهم على فرنسا أحد الأركان الرئيسية لآيديولوجيته.
ومن جانب آخر، عمدت بلدية باريس إلى نصب شاشة عملاقة في ساحة البلدية المطلة على نهر السين لإظهار صور المحطات المهمة في حياة شيراك. منذ أن ترك شيراك رئاسة الجمهورية في عام 2007، ندر ظهوره العام بسبب حالته الصحية التي تدهورت سريعاً. ويعد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014 آخر ظهور له بمناسبة تسليم جائزة المؤسسة التي تحمل اسمه في متحف «الفنون الأولى» أو متحف «برانلي». وقال بعض جيرانه إلى القنوات التلفزيونية إنهم كانوا يرون شيراك، من وقت لآخر، في كرسيه المتحرك في حديقة المنزل جالساً للتنعم بأشعة الشمس. والحقيقة أن الرجل طويل القامة ووسيم الوجه فقد كثيراً من أبهته في سنواته الأخيرة. ويرد السبب في ذلك إلى الذبحة القلبية التي أصيب بها في آخر سنوات حكمه.
كثيرة هي المؤسسات والمدن التي تريد أن تكرم ذكرى شيراك الذي كان طيلة 40 عاماً محوراً أساسياً للحياة السياسية في فرنسا منتخباً محلياً ونائباً ووزيراً ورئيساً للحكومة ورئيساً للجمهورية. فالرجل الذي جال في فرنسا طولاً وعرضاً بمناسبة حملاته الانتخابية كان أيضاً في تجوال عبر القارات؛ من العالم العربي الذي أحبه ونسج معه علاقات وثيقة، إلى القارة الأفريقية؛ حيث كان يسمى «بابا شيراك»، إلى اليابان وأميركا اللاتينية والشمالية. وخلف الرجل السياسي، كان يختبئ رجل عميق وواسع الثقافة، ومما كان يحبه الشعر الياباني و«صراع السومو» وهو الرياضة اليابانية الوطنية. ومما يعد إرثاً ثقافياً لشيراك، أنه كان صاحب فكرة إنشاء متحف خاص لما يسمى «الفنون الأولى»؛ أي الفنون البدائية من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وقررت إدارة المتحف القريب من برج إيفل الشهير فتح أبوابه مجاناً طيلة 40 يوماً وإقامة احتفالية تكريمية للرئيس الراحل. وقال رئيسه، ستيفان مارتن، في رثائه: «شيراك أبان مع مرور الزمن أنه رجل واسع العلم والاطلاع على الفنون والحضارات غير الغربية».
وإلى جانب متحفه، تنوي منطقة «كوريز» ومدينة نيس ومدن أخرى تكريم الراحل الكبير، ليس فقط الطبقة السياسية وفيها من حاربه لسنوات، وإنما أيضاً عالم الرياضة، خصوصاً لاعبي كرة القدم الفرنسيين الذين فازوا بالبطولة العالمية عام 1998. ووصفه زين الدين زيدان المعروف بـ«زيزو» وكان أحد صانعي انتصار العام، بأنه كان «صديق كل الرياضيين 1998». وقال عنه: «إنني حزين وكنت أعرفه شخصياً وأعرف أنه كان سعيداً عندما تتاح له الفرصة بشيء آخر غير السياسة». وسيعمد لاعبو كرة القدم الفرنسيون إلى تكريمه نهاية الأسبوع الحالي والوقوف دقيقة صمت حداداً عليه. كذلك قررت إدارة بطولة فرنسا للدراجات الهوائية تكريم الرئيس الراحل بأن يمر السباق في مدينة سران «منطقة كوريز».
وفي الكلمة المتلفزة التي ألقاها مساء الخميس، وصف ماكرون سلفه في الرئاسة بأنه كان «رجلاً فرنسياً كبيراً حراً يحب الناس بتنوعهم، ومهما تكن مهنتهم أو قناعاتهم أو أوضاعهم». وأضاف ماكرون: «نحن الفرنسيين، خسرنا رجل دولة، كنا نحبه وكان يحبنا». هكذا عاش جاك شيراك وهكذا رآه مواطنوه بعد مماته. وعندما سألت صحيفة «سود وست» واسعة الانتشار رئيس الحكومة الأسبق ألان جوبيه، الذي، كما يقول، عايش الرئيس الراحل طيلة 40 عاماً، عن السر الكامن وراء تعلق الفرنسيين بشيراك بعد وفاته فيما لم يقدروه عندما كان في السلطة، أجاب: «مع مرور الزمن، وعى الفرنسيون أخيراً قدرة شيراك على لم شملهم وعلى الاهتمام بهم وبرفاهيتهم». قد تكون آخر «مآثر» شيراك أنه نجح في مماته ما لم ينجح في تحقيقه في حياته.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.