في بيت أغاثا كريستي... ذكريات عائلية وحب للشرق

«غرينواي» في مقاطعة ديفون «بيت الأحلام» حيث قضت ملكة الروايات البوليسية العطلات مع عائلتها

أغاثا كريستي وزوجها ماكس في حدائق منزلهما الصيفي «غرينواي» (غيتي)
أغاثا كريستي وزوجها ماكس في حدائق منزلهما الصيفي «غرينواي» (غيتي)
TT

في بيت أغاثا كريستي... ذكريات عائلية وحب للشرق

أغاثا كريستي وزوجها ماكس في حدائق منزلهما الصيفي «غرينواي» (غيتي)
أغاثا كريستي وزوجها ماكس في حدائق منزلهما الصيفي «غرينواي» (غيتي)

أطلقت عليه وصف «أجمل مكان في العالم» ويمكن القول بأن الوصف لم يتجاوز الحقيقة فـ«غرينواي»، البيت الصيفي لملكة الروايات البوليسية أغاثا كريستي في جنوب مقاطعة ديفون يتمتع بجمال أخاذ وساحر يستمد الكثير من جماله من الطبيعة الغنية التي تحتويه سواء من أشجار الماغنوليا والكاميليا المنتثرة على امتداد المساحات الخضراء أو من السهول المنحدرة نحو مياه نهر دارت حيث تعبر المراكب والبواخر السياحية الصغيرة. قد لا تستقيم تلك الصورة مع سمعة كريستي ملكة الغموض والجريمة، ولكن «غرينواي» يحمل من صاحبته الكثير، فهنا عاشت منذ أن ابتاعت البيت في عام 1939 وحتى غادرت الحياة في عام 1976. وكل ركن في المنزل يحمل ذكرى وصورة وقطع أثاث عاصرت الكاتبة الشهيرة.
للوصول لـ«غرينواي»، الذي تديره مؤسسة «ناشونال ترست» المعنية بالحفاظ على البيوت التاريخية في بريطانيا، يجب أن نستقل القاطرة البخارية من مدينة باينتون الساحلية، وهو أمر يدخلنا في جو خاص وكأننا دلفنا إلى أول صفحات رواية بطلتها أغاثا كريستي، غير أنها لا تعتمد على جريمة أو أجواء غامضة، هي جولة في عالم الزوجة والأم والجدة، أما الآثار التي تدل على عالم التشويق والإثارة نجدها عبر نسخ من رواياتها في غرفة المكتبة.
في مذكراتها كتبت كريستي «في يوم من الأيام قرأت أن بيتا عرفته منذ الصغر كان معروضا للبيع... وهكذا ذهبنا إلى «غرينواي» وكم كان المنزل والأراضي حوله جميلة! بيت من الطراز الجورجي يعود إلى 1780 أو 1790 محاط بغابات منبسطة للأسفل لتلامس نهر «دارت»... هو المنزل المثالي أو هو بيت الأحلام».
قضت كريستي كل عطلاتها في هذا البيت ومن خلال زيارتنا نرى صورا بالأبيض والأسود لها ولعائلتها في أرجائه. البيت لم يتغير منذ ذلك الوقت، هو ذاته بكل قطعة أثاث أو ديكور نراها في الصور، كل ما علينا هو أن نتخيل كريستي وهي تجلس على مقعد من القماش في الحديقة الأمامية التي تطل على نهر «دارت» أو نتخيلها وهو تعزف على البيانو الذي ما زال يشغل نفس البقعة في غرفة الاستقبال أو نراها تجلس على مائدة الزينة في غرفة نومها إلى جانب النافذة المطلة على منظر الأشجار والمراكب العابرة في مياه النهر.
- البيت السعيد وعائلة تهوى جمع التحف
من خلال تلك الحديقة الأمامية نبدأ ونغالب الرغبة في الجلوس على ذات المقاعد القماشية التي استخدمتها العائلة لنتأمل في الطبيعة حولنا ونرى انعكاسات الشمس على مياه النهر التي يقطعها بين حين وآخر مركب سياحي أو قارب صيد. من الحديقة ندلف لمدخل البيت حيث نرى قطع الأثاث التي صافحت أعين أفراد العائلة في كل يوم من إقامتهم في «غرينواي» وأيضا نفاجأ بكم القطع الفنية والزخرفية التي تكاد تشغل أسطح جميع المناضد والخزانات في المنزل. نعرف أن كريستي كانت تعشق جمع الأنتيكات منذ صغرها. عشق الاقتناء انتقل من الكاتبة لابنتها وحفيدها من بعدها، حيث اعتادت العائلة طوال سنوات إقامتها في «غرينواي» على ارتياد المزادات المحلية والأسواق الشعبية حيث تعرض منتجات الفنانين المحليين المختلفة. ونرى في حجرة الاستقبال وحجرة الطعام الصغيرة خزانات متخمة بالقطع مثل أطقم الطعام من الخزف الصيني وقطع مختلفة مثل المجسمات وعدد لا ينتهي من العلب الصغيرة الفضية والذهبية المزخرفة وساعات الجيب الأثرية صفت في خزانات زجاجية في مختلف الحجرات. 12 ألف قطعة من مقتنيات الأسرة وزعت على أرجاء المنزل. «غرينواي» مثل لأفراد لحظات السعادة والاسترخاء وهو ما يؤكده ماثيو بريتشارد حفيد كريستي في تقديمه لكتاب «ناشونال ترست» عن «غرينواي» حيث يقول «غرينواي كان بالنسبة لي المنزل السعيد ومقر الإجازات».
في حجرة الإستقبال نجد دميتها القماشية «روزي» التي رافقتها كطفلة موضوعة على مقعد تعلوه لوحة زيتية تمثل كريستي في طفولتها جالسة على مقعد وبجانبها نفس الدمية.
- قطار الشرق السريع ورحلات إلى العراق وسوريا
في عام 1928 قررت كريستي تحقيق أحد أحلامها بركوب قطار الشرق السريع إلى منطقة «أور» بالعراق لتشبع نهمها بعلم الآثار وهناك قابلت زوجها الثاني ماكس مالوان، اشتركا في نفس الشغف وتزوجا في عام 1930 وامتد زواجهما 47 عاما. في بغداد اشترى الزوجان منزلا اعتادا على الإقامة فيه لمدة شهر قبل كل بعثة تنقيب.
في «غرينواي» الكثير من التفاصيل الخاصة بالزوجين، أوراق ماكس وقطع من المناطق الأثرية التي نقب بها وأرفف من الكتب ترسم عالم الأثري مالوان، ولكن كريستي لها وجود هنا أيضا فهي ساعدته في عمليات التنقيب مدفوعة بحب لتعلم المزيد عن عالم الآثار ومعرفة المزيد عن حياة المجتمعات القديمة. نعرف أن كريستي انخرطت في عمل فرق التنقيب وساهمت بالتقاط الصور الفوتوغرافية ورسم القطع المكتشفة وأيضا تنظيفها أحيانا باستخدام كريم الوجه الخاص بها. في دليل المنزل نجد تعليقا من ماكس على مجهودات زوجته «ألا تعرفين أنك الآن في هذه اللحظة تعرفين عن الخزفيات من عصور ما قبل التاريخ أكثر من أي امرأة في إنجلترا؟» عمل الزوجان جنبا لجنب في «أور» ثم في «نينوى» واكتشفا مجموعة ضخمة من قطع العاج في «النمرود»، اقتنى المتحف البريطاني في لندن 600 منها لقاء مبلغ 1.7 مليون جنيه إسترليني. بعدها انتقل الزوجان إلى سوريا حيث كتبت كريستي كتابها «أخبرني كيف تعيش» وصفت فيه بعثات الاستكشاف التي شاركا فيها سويا. عاد الزوجان إلى الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ووصفت ذلك بقولها: «بسعادة بالغة انطلقنا مجددا... لاستكمال عملنا في الشرق الأوسط. ليس بقطار الشرق السريع هذه المرة ولكن بالطائرة».
تلك المرحلة من حياة الزوجين ممثلة هنا أمامنا عبر قطع فخارية تحمل كتابات باللغة العربية وصور ولوحات من العراق.
- عالم من الإبداع والموسيقى
قبل أن تطأ أقدامنا عتبات البيت تترامى إلى أسماعنا نغمات موسيقى قادمة من حجرة الاستقبال، عزف بيانو لأغنيات من فترة الأربعينات والخمسينات، ومع دخولنا للحجرة نرى البيانو الضخم يحتل أحد الأركان وعليه مجموعة من الصور لكريستي وابنتها روزاليندا. غير أن الموسيقى لم تنبعث من ذات الآلة فهي تسجيل للمقطوعات التي كانت كريستي تعشق عزفها، ونرى صورة لها وهي جالسة إلى ذات البيانو وإلى جانبها زوجها ماكس. نعرف أن كريستي لم تكن عازفة هاوية فهي قد تدربت على العزف على يد مختصين في مدرسة بباريس وأنها ألفت «فالس» وهي في السابعة عشرة. غير أن ملكة الروايات البوليسية كانت لا تحب العزف أمام الناس بسبب خجلها من مواجهة الجمهور.
في الحجرة أيضا نجد المكتب الذي جلست إليه كريستي لكتابة الرسائل ومراجعة كتاباتها. لم تكتب في هذا البيت سوى اثنتين من رواياتها ووصفت فيهما بعض من أجزاء البيت والحديقة.
في هذه الغرفة كانت العائلة تقضي فترات من الاسترخاء والترفيه واستقبال الأصدقاء. يحتفظ حفيد كريستي ماثيو بذكريات كثيرة عن جدته وهي تقرأ لعائلتها مقتطفات من رواياتها لتختبر حبكة قصصها وردة فعل جمهورها الصغير والأول.
من حجرة المعيشة ندلف لحجرة صغيرة محاطة بخزانات زجاجية تضم أطباقا وآنية من الخزف الصيني مكدسة فوق بعضها وبينها نجد قطعا أخرى متناثرة مثل المنحوتات الصغيرة وأيضا قلادة التكريم التي منحتها لها الملكة إليزابيث. الحجرة كانت تستخدم كحجرة طعام شتوية خاصة بالعائلة ومنها ندلف للمطبخ المتصل بها عبر باب خشبي، وفي المطبخ نجد بعض كتب الطهي التي كانت كريستي تستعين بها في إعداد الوجبات الخفيفة لأسرتها.
في الطابق الثاني نمر عبر حجرة المكتبة والتي تضم كتب كريستي وزوجها وبعض القطع الأثرية وأعلى المدفأة نجد رسما زيتيا لكريستي وهي شابة. نمر على حجرة النوم التي لا تزال تحتفظ بمقتنيات أصحابها، هنا السرير الضخم يتوسط الحجرة ولكننا نرى أيضا سريرا صغيرا من الحديد موضوعا بجانب السرير الكبير. تشير لنا إحدى المرشدات أن السرير كان لماكس زوج كريستي وكان يحمله معه في كل رحلاته. وسرعان ما يتجه البصر إلى خزانة من الخشب المطعم بالصدف تتصدر الحجرة ونعرف أن كريستي ابتاعتها من دمشق أثناء إقامتها هناك، تقول المشرفة بأن زائرة دخلت الحجرة وغلبتها الدموع لدى رؤية الخزانة قائلة إنها عاشت في سوريا لفترة طويلة وتشعر بالحزن لما أحدثته الحرب من دمار.
البيت الذي يحمل ذكريات كل أفراد العائلة ما زال محملا بها وفي هذه الحالة تركته روزاليندا ابنة كريستي وابنها ماثيو في رعاية مؤسسة «ناشونال ترست» ليصبح من أهم معالم بريطانيا السياحية والتاريخية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».