فيلم «بالصدفة»... قصص صغيرة ليوميات لبنانية تلامس القلب

البطولة السينمائية الأولى للفنانة كارول سماحة

بطلا فيلم «بالصدفة» كارول سماحة وبديع أبو شقرا مع مخرجه باسم كريستو
بطلا فيلم «بالصدفة» كارول سماحة وبديع أبو شقرا مع مخرجه باسم كريستو
TT

فيلم «بالصدفة»... قصص صغيرة ليوميات لبنانية تلامس القلب

بطلا فيلم «بالصدفة» كارول سماحة وبديع أبو شقرا مع مخرجه باسم كريستو
بطلا فيلم «بالصدفة» كارول سماحة وبديع أبو شقرا مع مخرجه باسم كريستو

مجموعة قصص صغيرة داخل عمل سينمائي لبناني بامتياز تتألف منه مجريات فيلم «بالصدفة»، الذي تلعب بطولته الفنانة كارول سماحة مع الممثلين بديع أبو شقرا وباميلا الكك. وقد أضاف إليه ظهور الممثّل منير معاصري بصفته ضيف شرف، لمسة إيجابية واضحة على فريق عمله.
ولعلّ عبارة «أول مرّة» قد تكون العنوان العريض لهذا العمل الذي صُوّر في مناطق لبنانية ونقل وقائع حقيقية يعيشها المجتمع اللبناني ولم يسبق أن يتناوله أي عمل من قبل. فكارول سماحة تقوم ببطولة سينمائية لأول مرة. فيما المخرج باسم كريستو الذي له باع طويل في تاريخ إخراج أنجح البرامج التلفزيونية الفنية والترفيهية العربية واللبنانية، فهو يقدّم عمله السينمائي، وأيضاً لأول مرة.
ووضع كريستو الفيلم في قالب تقني حديث دمغت مشاهد كثيرة منه بأسلوب الإثارة المعروف في عالم السينما الأميركية. وأحياناً أخرى بعينه الثاقبة التي التقطت زوايا صورية لم يسبق أن رأيناها في أعمالنا السينمائية المحلية. وركّز في مشاهد عديدة على البيئة اللبنانية الأصيلة، وعلى مشاهد أخذت من الأعلى بواسطة طائرات الـ«درون»، ليكشف عن جمالية أزقة وشوارع وأبنية حديثة وقديمة في لبنان وكأننا نشاهدها لأول مرة. وزود هذه المشهدية بكاميرا متحركة سريعة حيناً وبليدة وواضحة أحياناً أخرى ليستغل ملامح وجه غاضب وحالم ورومانسي ونافر بخطوطه مرات أخرى.
ويتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً في إطار رومانسي عن امرأة تعاني من التهميش في مجتمع شرقي، وتجسد المطربة اللبنانية كارول سماحة دور سيدة مسحوقة ومظلومة تتعرض للكثير من المشكلات الطبقية إلى أن تحدث لها مفاجأة تغير حياتها وتقلب وضعها رأساً على عقب. كما يطل في الوقت نفسه على حالات مرض التوحد التي تؤديها باميلا الكك باحترافية يُشهد لها بها. وتتنوع موضوعاته التي تتمحور حول شاب غني يعمل في مجال التجهيزات الإلكترونية الخاصة بكاميرات المراقبة لتشمل سلامة المباني المهدّدة بالسّقوط بأي لحظة، والفقر المدقع الذي تعاني منه شريحة لبنانية تختبئ فيها متمسكة بالحياة رغم كل شيء. ويطلّ الفيلم أيضاً على قصص حبّ مختلفة تحدث لشخصيات في أعمار مختلفة للدلالة على أنّ الرومانسية لا تقتصر فقط على عمر الشّباب، بل أيضاً على أعمار من هم متقدمون أو في منتصف العمر. وكعادتها الكاتبة كلوديا مرشيليان تأخذنا بقلمها غزير الأفكار إلى موضوعات العنف الأسري والسرقة والحرمان وغيرها لتؤلف بذلك سلسلة قصص صغيرة من مجتمع لبناني لم يسبق أن تناولها أحد من قبل بهذا التنوع في فيلم صنع في لبنان.
عودة كارول سماحة في هذا الفيلم إلى التمثيل أحدثت صدى لدى جمهورها الذي اشتاق لرؤيتها في هذا الإطار. فلقد مرّت سنوات طويلة منذ ظهورها الأخير على الشاشة الصغيرة في مسلسل «الشحرورة»، الذي قدمت فيه قصة حياة الراحلة صباح. فهي معروفة بأدائها المحترف والطبيعي الذي حفر في ذاكرة اللبنانيين من خلال أعمال درامية ومسرحية كثيرة لها. وفي فيلم «بالصدفة» نلتقي بكارول سماحة الممثلة المتألقة. واللافت أنّها تخلّت في دورها بالفيلم عن أي إكسسوارات أو «عكازات» كما يسمونها صناع السينما لدعم دورها. فبدت امرأة طبيعية لا مكياج يلوّن وجهها طيلة أحداث الفيلم لتقنع المشاهد بأنّها بالفعل امرأة مهمشة ومسحوقة بفعل حياة قاسية مرت فيها. وحتى في نهاية الفيلم عندما نراها امرأة أنيقة ومتكاملة شكلاً وروحاً كما يتطلب الدور، حافظت على خط العفوية الطبيعية هذه. فأخذت مساحيق التجميل طريقها إلى وجهها ببساطة ومن دون أي مبالغة. أمّا أداؤها فاتّسم بهدوء ونضج الممثلة المتخصصة التي علّمتها تجاربها السّابقة في هذا المضمار كيف تتلقف الكاميرا وتتعامل معها. واستفاد المخرج من حرفيتها هذه ليستخدمها بكاميرته الجريئة. فكانت تدخل ومن دون استئذان إلى تفاصيل وجهها عن قرب وكأنّها تحت مجهر يراقب كوكباً من نوع آخر. وتجدر الإشارة إلى أنّ أغنية الفيلم «بالصدفة» تؤديها سماحة وقد سبق وطرحتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأدى الممثل بديع أبو شقرا دور الشّاب الحالم والعاشق حيناً ودور الرجل الغاضب والمتلذذ بعاداته السيئة حيناً آخر. فاختلف أداؤه باختلاف طبيعته ليبرز طينة تمثيلية فذّة لديه. أمّا الممثلة باميلا الكك التي جسّدت دور فتاة مصابة بمرض التوحد فنجحت في إيصال رسالة إنسانية يحملها الفيلم ليعي المشاهد مشكلات صحّية ونفسيّة صعبة لم يستطع الطّب حتى الآن أن يتعرف على أسبابها الحقيقية. وعاشت الكك دورها المركّب والصّعب حتى النفس الأخير من العمل، لتؤكد مرة أخرى أنّها صاحبة موهبة تمثيلية لافتة. وفي المشاهد التي يطل فيها الممثل المخضرم منير معاصري، إحساس بكاميرا صامتة رغم حوارات قصيرة تتخلّلها. عمل المخرج باسم كريستو على إظهار القيمة الفنية الكبيرة التي يضخها معاصري في العمل. فاتّسمت اللقطات التي يطلّ فيها بمستوى تمثيلي لا يشبه إلّا الكبار من عرّابي أبطال الشّاشة العالمية.
فيلم «بالصدفة» بدأ عرضه في الصّالات اللبنانية ابتداءً من 26 سبتمبر (أيلول) الجاري.


مقالات ذات صلة

رائد السينما السعودية لـ «الشرق الأوسط»: خسرت أموالي بسبب الفن

يوميات الشرق عبد الله المحيسن (موقعه الشخصي)

رائد السينما السعودية لـ «الشرق الأوسط»: خسرت أموالي بسبب الفن

أكد رائد السينما السعودية المخرج عبد الله المحيسن أن تجربته في العمل الفني لم تكن سهلة على الإطلاق، متحدثاً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» عن الصعوبات الكثيرة.

يوميات الشرق فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المحيسن خلال تصوير فيلمه «ظلال الصمت» (موقعه الشخصي)

عبد الله المحيسن لـ«الشرق الأوسط»: خسرت أموالاً كثيرة بسبب الفن

أكد رائد السينما السعودية، المخرج عبد الله المحيسن، أن تجربته في العمل الفني لم تكن سهلة على الإطلاق، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» عن الصعوبات التي واجهها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق شكري سرحان وشادية في أحد أفلامهما (يوتيوب)

لماذا تفجر «الآراء السلبية» في الرموز الفنية معارك مجتمعية؟

أثارت واقعة التشكيك في موهبة الفنان الراحل شكري سرحان التي فجرها رأي الممثلين أحمد فتحي وعمر متولي عبر أحد البرامج ردود فعل متباينة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز (د.ب.أ)

كاميرون دياز: عشت أفضل سنوات حياتي أثناء اعتزالي للتمثيل

قالت الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز إن فترة الـ10 سنوات التي اعتزلت فيها التمثيل كانت «أفضل سنوات في حياتها».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».