وفعلها كارل لاغرفيلد مرة أخرى.. أبدع وأدهش

ثورة «شانيل».. أناقة متناهية تسجل لتغيرات اجتماعية وسياسية

وفعلها كارل لاغرفيلد مرة أخرى.. أبدع وأدهش
TT

وفعلها كارل لاغرفيلد مرة أخرى.. أبدع وأدهش

وفعلها كارل لاغرفيلد مرة أخرى.. أبدع وأدهش

فعلها كارل لاغرفيلد للمرة الألف وأبهر جميع الحضور، إلى حد أن بعضهم لم يتمالكوا قشعريرة سرت في أبدانهم ودموعا تجمعت في مآقيهم من حجم الانفعال. لم يقدم كارل عرض أزياء فحسب، بل قام بثورة أكد فيها أنه لا يزال قيصر الموضة بلا منازع. فلا أحد مثله يمكن أن يقدم أزياء يسيل لها اللعاب وتنسيك كل واحدة الأخرى، وفي الوقت ذاته عرضا مبهرا من حيث الديكور والسيناريو والتجسيد. في العشرينات من القرن الماضي، قامت كوكو شانيل بثورة عندما حررت المرأة من قيود الكورسيهات والتصاميم المعقدة التي كانت تكبل حركتها، في المقابل قدمت لها أزياء ناعمة، بعضها مستوحى من خزانة الرجل، مثل استعمالها قماش الجيرسيه والتويد وغيرها، بل حتى حقيبتها الـ2.55 صممت لكي تحرر يد المرأة. ثم لا يمكن أن ننسى أن من مقولاتها المأثورة أن «المرأة يجب أن تكون واحدة من اثنتين: صادقة مع نفسها وأن تفعل ما تريد».
ثورة كارل لاغرفيلد مختلفة، ولا يختلف اثنان في أن لا أحد مثله يقدر على التقاط نبض الشارع وما يجري من أحداث عالمية ويترجمها بطريقة تثير الرغبة فيها بشكل محموم. ما التقطه كارل لاغرفيلد أننا نعيش تغيرات اجتماعية كثيرة في الآونة الأخيرة، فضلا عن التغيرات الاقتصادية والسياسية، ربما آخرها ما يجري في هونغ كونغ من أحداث، لهذا عندما عادت «شانيل» إلى بيتها «لوغران باليه»، حولته إلى شارع كبير تتراص على جوانبه العمارات والمحلات، وفي جزء منه بركة مائية صغيرة كأنها من مخلفات ليلة ممطرة. بعبارة أخرى، كل ما يمكن أن يمثل شارع فرنسي راق، لكي تنظم فيه ثورتها على التابوهات الاجتماعية والسياسية، التي داهمت الحضور عندما ظهرت العارضات، 85 عارضة بالتمام والكمال، في آخر العرض بأبواق ولافتات كتبت عليها عدة رسائل تطالب بمساواة المرأة وبحقوقها كما بحق الرجل في الحياة بالطريقة التي يحلو له العيش بها، إضافة إلى أخرى تضج بالطرافة، وتذكرنا بأننا نتابع عرضا وراءه عبقري. بعد أن قدم لنا في الموسم الماضي سوبر ماركت ضخما وأزياء عملية وواقعية، طبعا بطريقة وأسعار «شانيل»، قدم لنا هنا أيضا أزياء عملية، نحو 85 قطعة، ربما أكثر أناقة لأنها تخاطب كل نساء العالم على اختلاف مستوياتهن الاجتماعية. أزياء لكل الأيام وليست لمناسبات السجاد الأحمر، ومن ثم لم تكن متكلفة، بل العكس تماما. من اللحظة الأولى التي طالعنا فيها سرب من العارضات بأزياء مطبوعة بالورود المتضاربة بشكل فني، إلى آخر مجموعة ظهرن فيها، كانت الألوان قوية تجمع كل ألوان قوس قزح، وإن كان الملاحظ أن الأسود استبدل بالأزرق الغامق هذه المرة. كل رموز الدار المعهودة كانت حاضرة، لكنها كانت بنكهة مختلفة: أكثر لذة وجمالا، ثم إن عددها الهائل يجعلها متنوعة إلى حد أن كل نساء العالم، بغض النظر عن أعمارهن وبيئاتهن ومراكزهن سيجدن فيها ما يروق لهن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».