مصر تنشد ضغطاً دولياً على إثيوبيا يجنبها أضراراً متوقعة لـ«سد النهضة»

السيسي جدد رفضه «فرض الأمر الواقع»

TT

مصر تنشد ضغطاً دولياً على إثيوبيا يجنبها أضراراً متوقعة لـ«سد النهضة»

تنشد مصر ضغطاً دولياً فعالاً على إثيوبيا، يسهم في حلحلة أزمة مفاوضات سد «النهضة»، ويجنبها أضراراً متوقعة للسد، الذي تبنيه الأخيرة على أحد روافد نهر النيل، وتقول القاهرة إنه يهدد بتقليص نصيبها من المياه.
وبعد أن دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته أمام الأمم المتحدة (الثلاثاء) الماضي، المجتمع الدولي لـ«دور بناء في حثّ جميع الأطراف على التحلي بالمرونة»، صرح مجدداً بأن بلاده بدأت «تصعّد دبلوماسياً كي ننقل المشكلة من مستوى ثنائي وثلاثي حتى تصل لمجال طرح أكبر»، وشدّد أنه لن يتم تشغيل السد «بفرض الأمر الواقع»، في رسالة شديدة اللهجة.
وقال الدكتور محمود أبو زيد، رئيس المجلس العربي للمياه، ووزير الموارد المائية المصري الأسبق لـ«الشرق الأوسط»، إن «التصعيد المصري الراهن، هو مرحلة تالية في الرؤية المصرية لإدارة الأزمة، والتي بدأتها بالمفاوضات المباشرة على أمل الوصول لحلول وسط، لكن مع استمرار التعنت الإثيوبي، بدأت القاهرة في استجداء جهات دولية فعالة ودول صديقة للضغط على أديس أبابا، لتجنب أضرار متوقعة، بدأت القاهرة تتحدث عنها صراحة مؤخراً».
وأضاف أبو زيد: «مسؤولو مصر يدركون منذ البداية أن مسار المفاوضات سيواجه بتعقيدات، لكنها ما زالت تمتلك أوراقاً أخرى للدفاع عن مصالحها».
وتجري مصر وإثيوبيا والسودان، مفاوضات منذ نحو 8 سنوات، من دون التوصل إلى نتيجة. وتخشى القاهرة أن يؤدي السد للإضرار بحصتها المحدودة من مياه النيل، والتي تقدر بـ«55.5 مليار متر مكعب»، وتعتمد عليها بنسبة أكثر 90 في المائة في الشرب والزراعة والصناعة.
وفي لقائه عدداً من الشخصيات ومراكز الأبحاث داخل المجتمع الأميركي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ذكر الرئيس المصري، مساء أول من أمس، أنه «لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل»، موضحاً أن «95 في المائة من مساحة مصر عبارة عن صحراء، وأي إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر على المصريين»، مشدداً: «نحن مسؤولون عن أمن مواطنينا».
وحمّل السيسي مجدداً ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، مسؤولية أزمة السد، مؤكداً أن «أحد التحديات التي واجهت الدولة نتيجة أحداث ثورة 25 يناير 2011 هو إقامة مشروع سد النهضة ليؤثر على مصر وأبنائها»، مشيراً إلى أنه «كان من المفترض أن تتم إقامة مفاوضات مع الجانب الإثيوبي لو كانت الدولة المصرية موجودة في هذا التوقيت».
وشدّد السيسي على أن «مصر تتبنى سياسة تتسم بالحوار دائماً... بدأنا نصعد دبلوماسياً لكي ننقل المشكلة من مستوى ثنائي وثلاثي حتى نصل إلى مجال طرح أكبر، نحن لسنا ضد التنمية، نحن نريد أن نعيش وننمو جميعاً». وتابع: «كل بلد لديه تحديات، ونحن لسنا ضد إقامة السدود، لكن ليس على حساب مصر والإضرار بها».
وتبني أديس أبابا السد، الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، منذ عام 2011. بهدف أن تصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميغاواط، ووفقاً للمخطط سيتم الانتهاء من المشروع عام 2023.
وقال أبرهام بيلاي، الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء الإثيوبية، إن «المشروع اكتمل الآن بنسبة 68.3 في المائة، وسيبدأ توليد 750 ميغاواط في العام المقبل»، مشيراً في تصريح له، نقلته الوكالة الرسمية، الأربعاء، إلى أن بناء وحدتي الطاقة اللتين كانتا تهدفان إلى توليد الطاقة قبل الانتهاء من المشروع «وصل إلى منتصف الطريق». وتابع: «ارتفاع السد على اليسار والجانب الأيمن وصل أيضاً إلى 145 متراً».
وفي إطار تصعيدها الدولي، عقد نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، السفير حمدي سند لوزا، لقاءات موسعة مع كل من سفراء الدول العربية وسفراء الدول الأفريقية المعتمدين لدى القاهرة، لإحاطتهم علماً بمستجدات مفاوضات قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وأوضح بيان للخارجية المصرية، أمس، أن الاجتماعات التي تمت على مدار يومي 23 و25 سبتمبر (أيلول) الحالي، أكدت فيها مصر أن «جولة المفاوضات الأخيرة التي عُقدت بالقاهرة يومي 15 و16 سبتمبر على مستوى وزراء المياه بالدول الثلاث لم تحرز أي تقدم ولم تشهد أي نقاشات فنية بسبب رفض إثيوبيا النظر في الرؤية المصرية لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة وإصرارها على قصر النقاش على الورقة التي كانت إثيوبيا قد تقدمت بها في 25 سبتمبر 2018».
واستعرض نائب وزير الخارجية مجمل الموقف المصري من المفاوضات وعناصر الطرح المصري لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة والذي يعد طرحاً عادلاً ومتوازناً ويمكّن إثيوبيا من تحقيق الغرض من سد النهضة، وهو توليد الكهرباء، دون الإضرار بالمصالح المائية لدول المصب، وخاصة مصر التي تعتمد بشكل كامل على النيل لتلبية احتياجاتها المائية.
ودعا السفير لوزا إثيوبيا للانخراط خلال اجتماع مزمع عقده مطلع الأسبوع المقبل بالخرطوم للجنة الفنية المعنية بالملف، في مفاوضات فنية جادة تتناول الطرح المصري لقواعد ملء وتشغيل السد وأي أفكار وأطروحات أخرى قد تساهم في تقريب وجهات النظر، وتساعد على التوصل لاتفاق عادل ومنصف.
وترفض إثيوبيا المقترح المصري، وتعتبره غير منصف، وبين البلدين خلافات أساسية حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر خلال فترة ملء السد، وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف. وترى مصر أن المرحلة الأولى من مراحل ملء السد ستستغرق عامين، وسيتم ملء خزان السد إلى 595 متراً، لكن إذا تزامنت هذه المرحلة مع فترة جفاف شديد في نيل إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بمصر من التراجع إلى أقل من 165 متراً. وتقول مصر إنها ستكون من دون هذا عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنوياً، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار.
وبعد المرحلة الأولى من التعبئة، يتطلب اقتراح مصر تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب، وفقاً للمذكرة المصرية.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.