من التاريخ: مصر وإرهاب الحشاشين

من التاريخ: مصر وإرهاب الحشاشين
TT

من التاريخ: مصر وإرهاب الحشاشين

من التاريخ: مصر وإرهاب الحشاشين

لا يختلف شأن الحشاشين عن المجموعات الإجرامية أو الإرهابية أو بؤر الإرهاب التي تنتشر في العالم، فتنظيمهم ووجودهم قد ارتبط بعدد من الأساسيات التي تبدو وكأنها لا تختلف من زمن إلى زمن، فهم جماعة آيديولوجية واضحة الفكر والمعالم، فلقد كانوا من الإسماعيلية وكان هدفهم تقويض النظام السني القائم في فارس والشام ومصر، كما أن هذا التنظيم الكبير كانت له معاقله ممثلة في القلاع التي كانوا يحكمونها في الشام والتي كانت بعيدة عن متناول سيطرة الدول المختلفة، وكانت لهذا التنظيم قيادة واضحة وخلاياه القائمة والنائمة في مناطق مختلفة، كما أنهم وضعوا نظاما عنقوديا لعملياتهم، لكن الملاحظة التي لعلها تكون فريدة من نوعها هي أن هذا الكيان الإرهابي المنظم ربما يكون الأول في التاريخ الذي دخل مباشرة حلبة توازنات القوة داخل نظام العلاقات الدولية الإقليمية، فلقد ربطته بالدول والدويلات الإسلامية والصليبية على مدى أكثر من قرنين من الزمان تحالفات كما لو أن الحشاشين كانوا طرفا في المعادلة السياسية الإقليمية، على الرغم من أنهم لا يمثلون دولة.
أيا كانت الرؤية والدور السياسي والديني الذي لعبه الحشاشون في التاريخ الإسلامي على مدار ثلاثة قرون في الشام، فإن الثابت هو أن نجاحهم أو فشلهم هناك ارتبط بشكل أو بآخر بمصر، ويبدو أن مصر كان لها دورها المؤثر على سلوك ومستقبل هذا التنظيم، وهو ما يجعلنا هنا نضع عددا من النقاط المحورية التي قد تعكس حقائق أساسية لها دلالاتها إلى يومنا هذا:
أولا: على الرغم من أن بداية الحشاشين جاءت في شمال بلاد فارس، فإن هذه الحركة ارتبطت بحبل سُري واضح مع القاهرة، فلقد كانت تحكم مصر آنذاك الدولة الفاطمية وكانت إسماعيلية المذهب، وكانت على اتصال مباشر وواضح بمؤسس الفرقة الحسن بن الصباح على الرغم من بُعد المسافة بينهما، وكان الأخير يتبعها آيديولوجيا، بل إنه عاش في مصر فترة من الزمن قبل عودته إلى فارس، وهذا في حد ذاته منح هذا التنظيم قوة ودلالة سياسية مهمة، فضلا عن غطاء شرعي قوي للغاية في ذلك الوقت لارتباطهم بأقوى دولة إسلامية آنذاك. وقد وقع الانشقاق الآيديولوجي بين القاهرة و«قلعة الموت» في شمال فارس في نهاية القرن الحادي عشر بسبب إصرار الأخيرة على الاعتراف بإمامة ابن الخليفة المتوفى «نزار» وإصرارهم على توليته بدلا من أخيه ودعمهم لسلالته. كان ذلك عندما اشتد عود الحركة وأصبحت قادرة على الاستقلال الآيديولوجي قبل السياسي، وهو ما أدخلها في صراع فكري أدى لاغتيال الحشاشين قائد الجيوش الفاطمية الذي ناصبهم العداء وصفى جيوبهم ومريديهم في القاهرة، وعلى الرغم من مناصبة العداء للخلافة الفاطمية في مصر خاصة بعد بداية ضعف هذه الخلافة، فإن وجود دولة شيعية - إسماعيلية في مصر كان له أثره في منح هذه الطائفة زخما كبيرا حتى مع الفوارق السياسية التي بدأت تظهر.
ثانيا: إن المد «الحشاشي» إلى بلاد الشام خلال الفترة الأولى من القرن الثاني عشر على مدار قرنين من الزمان كان دافعه المباشر سعيهم لنشر الدعوة، لكن انتعاشهم السياسي والعملياتي جاء بشكل مباشر نتيجة ضعف الدولة المصرية في ذلك الوقت وارتباكها، وضعف القوة المركزية في فارس بسبب ضعف الدولة السلجوقية، وفي الشام بعد ضعف الدولة المصرية ودخولها المرحلة الانتقالية من نهاية العصر الفاطمي وفي منتصف العصر الأيوبي، وقد ساعدهم أيضا على ذلك انتشار الحملات الصليبية والتي جعلت من الشام مركزا للصراع الدولي بين أقطاب النظام الدولي، ولكن ما يهمنا إبرازه هنا هو أن مصر كانت سندا آيديولوجيا مهما للطائفة الإسماعيلية حتى قبيل التحول الآيديولوجي فيها بعد سقوط الخلافة الفاطمية، وهو ما مهد الطريق أمام قبول المذهب العقائدي للحشاشين وفتح المجال أمام تجنيد العناصر المختلفة وزيادة أتباعها بطبيعة الحال، فالفكر الاسماعيلي لم يكن غريبا على الإقليم ككل بسبب الدولة الفاطمية.
ثالثا: مثلت عملية تحويل مصر وبتر التشيع الإسماعيلي فيها وإعادتها إلى طبيعتها السنية على أيدي صلاح الدين سحبا واضحا لغطاء آيديولوجي مهم من هذه الفرقة، لكنه لم يقض عليها، بل جعلها بؤرة شيعية منعزلة في عالم سني المذهب والفكر، وعلى الرغم من القوة السياسية للدولة الأيوبية إبان حكم صلاح الدين، فإنه لم يستطع القضاء على الحشاشين لأسباب تتعلق بالحروب الصليبية في الأساس، خاصة مع تحالفاتهم السياسية مع الصليبيين، ودفع هذا صلاح الدين لمحاولة استمالتهم لخدمة غرضه القومي بالقضاء على الصليبيين، وفي هذا الصدد تصاغ الروايات التاريخية المختلفة والمختلقة في أغلبيتها لشرح كيف حاول صلاح الدين اغتيال الزعماء الصليبيين، ولكن في مجمل الأمور أمن صلاح الدين شرهم وتفرغ لمحاربة الخطر الأكبر، فالتخلص من الاحتلال يُرفع على درء البؤر الإرهابية في أغلب الظروف.
رابعا: استمر وجود الحشاشين وقيامهم بلعب دورهم الملحوظ طالما استمر عاملان أساسيان مرتبطين ببعضهم بعضا، فالأول الصراع الدولي وعلى رأسه الصليبي في المنطقة، والثاني الضعف النسبي لدولة مصر، فمع ضعف خلفاء صلاح الدين وتقاعس بعضهم بل وتحالفهم مع الصليبيين، أصبح الحشاشون أفضل حالا، وسمحت لهم هذه الظروف بالتحالفات مع القوى المختلفة، باستثناء قوة المغول بطبيعية الحال لأنهم من قضوا على الوجود الإسماعيلي في فارس عام 1256، ولكن مع زوال العنصرين بدأ المد «الحشاشي» يتراجع بشكل ملحوظ وسريع، فبمجرد أن قويت شوكة مصر بشكل واضح وصريح، انقلبت المعادلة السياسية الإقليمية، فلقد سيطرت الدولة المملوكية بقيادة «سيف الدين قطز» على الأوضاع الإقليمية، فهزمت المغول في معركة «عين جالوت».
وبمجرد تولي «الظاهر بيبرس» مقاليد الحكم في مصر، أعاد هذا القائد الفذ الدور الإقليمي المصري بكل قوته، وبدأ ذلك ينعكس على الفور على المنطقة ككل، خاصة في ما يتعلق بالحشاشين ومستقبلهم السياسي فيها، فلقد اتبع معهم الرجل سياسة تصفية واضحة وممنهجة، فبدأ بفرض سطوته عليهم، ومن الواضح أن قدرة مصر على التصفية شبه الكاملة للصليبيين في عهده كان لها أكبر الأثر في كسر شوكة الحشاشين، فلقد أخرجهم من المعادلة السياسية الإقليمية وسحب حليفا مؤقتا وتكتيكيا منهم، كما أن البأس العسكري المصري وقوة عمال «بيبرس» في الشام فتحا المجال أمام القضاء على نفوذهم كخطوة أولى ثم فرض عليهم ما يشبه الجزية والمكوس، ثم بدأ في تأليبهم على بعضهم البعض، بل إنه كان يرسل قواته لأسر قيادات منهم وجلبها للقاهرة، فضلا عن التدخل المباشر لاختيار قيادات الفرقة، وهو ما فتح الباب تدريجيا للقضاء عليهم وعلى جرائمهم وإرهابهم بشكل يكاد يكون تاما، ولا يذكر التاريخ أن هذه الفرقة قامت لها قائمة مرة أخرى حتى إنها مع بداية الحكم العثماني لم يكن لها أي أثر سياسي أو إجرامي يذكر بعد أن طوعتهم مصر.
تشير كل هذه الحقائق التاريخية وبشكل لا يدع مجالا للشك إلى أن قوة الدولة المصرية وآيديولوجيتها كانت العامل الحاسم في هذا الأمر، فالدولة عندما تقوى وتستقيم سياستها فإن هذا يكون بداية الطريق الصحيح لانحسار الإرهاب، خاصة إذا ما تم تخليص البيئة الإقليمية من التدخلات الخارجية، كما أن نهاية الحشاشين تعود لتؤكد أن الدولة المركزية هي المنتصر النهائي، فالدولة هي الدولة بمؤسساتها وقوتها وجيشها، فالإرهاب في أغلبيته يظل يستند إلى جماعات وبؤر، وهنا تبقى الدولة وتزهق الجماعة، اللهم إلا لو كانت هناك أهداف خفية لكسر الدول.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.