«بعد المطر» للفنان محمود سعيد في مزاد «سوذبي» المقبل بلندن

«بعد المطر» للفنان محمود سعيد (سوذبي)
«بعد المطر» للفنان محمود سعيد (سوذبي)
TT

«بعد المطر» للفنان محمود سعيد في مزاد «سوذبي» المقبل بلندن

«بعد المطر» للفنان محمود سعيد (سوذبي)
«بعد المطر» للفنان محمود سعيد (سوذبي)

للفنان المصري الرائد محمود سعيد لمسات خاصة وسحرية، يتميز بعشق للألوان، وإحساس مرهف بالضوء، يمزج في لوحاته ما بين الواقعية الحالمة والرومانسية، نرى ذلك في لوحاته، عبر نساء سمراوات ممشوقات القوام وبشرة بلون طمي النيل، أعينهن الواسعة تحمل السحر والغموض، أما النيل الأسمر ولونه الغني فهو مصدر لكثير من القوة والمعاني في لوحاته. سعيد الذي يعد رائداً للفن المصري الحديث لم يلق كثيراً من التقدير المستحق في حياته، ولكنه الآن يتمتع بثقل خاص وجاذبية تجعل من لوحاته التي تظهر بين الحين والآخر في صالات المزادات هدفاً لمقتنين دربوا أعينهم وحواسهم على التقاط موجاته الفنية المشحونة بصورة مثالية لمصر أبدعها سعيد.
بعد لوحته «آدم وحواء» التي ظهرت في مزاد دار سوذبي العام الماضي، تظهر هذا الموسم لوحة جديدة للفنان السكندري، تحمل كل عناصر الدهشة والجمال التي تميز لوحات سعيد. اللوحة تحمل اسم «بعد المطر»، نرى من خلالها منظراً يعيدنا للوحة «آدم وحواء» وكأننا أمام تكملة لها، من حيث الألوان والنخلات الباسقات ومياه النهر الزرقاء، في كل هذا نجدنا مبهورين، وأيضاً في حالة من النشوة بالألوان القوية والدافئة في ذات الوقت. «بعد المطر» تختلف عن «آدم وحواء» في أنها تخلو من الشخصيات، أمامنا فقط منظر لمنزل جذاب من الحجر بلونه الدافئ وفوقه سماء قد أفرغت خيرها وماءها على الأرض وما زالت تحمل بعض الغيوم المتفرقة، النخلة الباسقة والمثمرة تحرس الجانب الأيسر من اللوحة، شامقة تطاول السماء. بقية اللوحة تردد تيمات المبنى الحجري والأشجار، وربما نهر أو جدول من المياه الزرقاء. تستدعي اللوحة للذهن تصوير سعيد لمشاهد الريف المصري، المغلف بغلالة رومانسية تظهر تأثره بفناني الحركة التأثيرية والحديثة بأوروبا، وأيضاً تأثره بفناني عصر النهضة.
بالنسبة للخبيرة بدار «سوذبي» مي الديب، فلوحة «بعد المطر» تتشارك مع أعمال سعيد الأخرى في تصوير المكان والأجواء المحيطة، تقول لنا إن الناظر سينتقل إليه الإحساس بهذه اللوحة الساحرة. نرى أن السماء قد أغدقت خيرها على هذا المكان، ونحن الآن في مرحلة الارتواء والشبع و«النمو والبهاء وولادة شيء جديد»، وترى الديب أن الفنان عبّر في اللوحة عن «مرحلة انتقالية في حياته الفنية ستشهد نضوجه الفني وولادة أسلوب جديد».
رسم سعيد اللوحة في عام 1936 وهي الفترة التي مثلت أهم مراحله الفنية حيث يمكننا رؤية تأثير دراسته للفن الأوروبي، وتحديداً فن عصر النهضة بإيطاليا، وأيضاً تأثير فناني حركة ما بعد الانطباعية، وما فعله محمود بكل تلك المؤثرات خلق نوعاً من الواقعية المصرية الخاصة.
اللوحة التي لم تعرض من قبل بحكم وجودها ضمن مجموعة أحد المقتنين البارزين، ستقدمها «سوذبي» لجمهورها في الخليج العربي، من خلال معرض في دبي، يقام يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول)، ثم تعود للندن لتعرض للبيع ضمن مزاد الفن العشرين وفن الشرق الأوسط في 22 أكتوبر، ووضعت لها الدار سعراً تقديرياً، يتراوح ما بين 300 ألف جنيه إسترليني إلى 400 ألف جنيه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».