ليوناردو ديكابريو لـ«الشرق الأوسط»: لو لم أولد في هوليوود لما أصبحت ممثلاً

الممثل الأميركي يأمل أن تأتي إدارة جديدة تعي مخاطر المتغيرات البيئية

إلى اليسار مع براد بت في «ذات مرة في هوليوود»
إلى اليسار مع براد بت في «ذات مرة في هوليوود»
TT

ليوناردو ديكابريو لـ«الشرق الأوسط»: لو لم أولد في هوليوود لما أصبحت ممثلاً

إلى اليسار مع براد بت في «ذات مرة في هوليوود»
إلى اليسار مع براد بت في «ذات مرة في هوليوود»

المرة الأخيرة التي التقينا فيها مع ليوناردو ديكابريو كانت في أعقاب فيلم «المنبعث» (The Revenant) سنة 2015 والكثير من الأفلام مرت من تحت وفوق جسر الزمن من ذلك الحين.
ليوناردو ديكابريو أنجز كممثل وكمنتج في السنوات الأربع الأخيرة ثلاثة عشر مشروعاً آخرها «ذات مرّة في الغرب» الذي يجمعه مع براد بت تحت مظلة كونتِن تارنتينو مخرجاً، وهو الفيلم الذي عُرض بنجاح كبير في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان».
يلعب ريك في هذا الفيلم شخصية ممثل كان نجماً وبدأ يهوي. عند مرحلة مبكرة من الفيلم يدرك تماماً أن مكانته السابقة لم تعد له، وأن استمراره يفرض عليه التراجع من بطولات الأفلام إلى تمثيل أدوار الشر في بعض المسلسلات، وما تيسر من أفلام. يقول في حديثه هنا إن تلك الشخصية لا تمثله، لكنه يفهمها تماماً. هذا حدث مع ممثلين آخرين وما زال يحدث دائماً. لكن ما يلفت النظر هو أن أداءه جسد هذا الخطر عليه حتى وإن كان الواقع الذي يعيشه مختلفاً عن الواقع المفترض على الشاشة.
الفيلم المذكور كان فرصة للظهور مع براد بت الذي لعب النصف الثاني من البطولة. هو، في الفيلم «الدوبلير» الذي يقوم بتنفيذ المهام الصعبة والخطرة عوض الشخصية التي يؤديها ديكابريو، وبذلك يضمن الفيلم متعة مشاهدة ممثلين، كل بأسلوب أداء مختلف وإلقاء مسلكي متباين ويجدهما صنوين متساويين في الموهبة والحضور.
> الشخصية التي تؤديها في «ذات مرة في هوليوود» هي لممثل يودّع سنوات شهرته ويقبل بما هو متاح له من أدوار في مشاريع ثانوية أو صغيرة. هل ينتابك أي قلق من أن يحدث ذلك معك في الواقع؟
- رغم أن مهنتي توجهت منذ البداية في سبيل مختلف عن السبيل الذي توجهت إليه شخصية ريك، فإنه لا شيء يمنع من أن أفكر بأن هذه الشخصية تتصل بي مباشرة. هو شخص من داخل الصناعة التي أوهمته بأنه شخصية دائمة الحضور ليكتشف أن الثقافة الاجتماعية والتطوّرات التي صاحبت الصناعة تجاوزتاه وهذا مصدر التهديد الذي يواجهه. علاقة تلك الشخصية بي، بالتالي، هي أنني أدركت تماماً ما تمر به من مخاوف رغم اختلافها عني وعن مسيرتي.
> هل كان في بالك شخصية ممثل آخر عندما بدأت التحضير للدور؟
- المثير في (المخرج) كوينتن تارنتينو هو أنه «سينيفيلي» كامل. يعرف كل شيء عن أفلام B (أفلام ذات ميزانيات وعناصر إنتاج صغيرة) على عكسي فأنا لا أعرف شيئاً عنها. لم أتابعها. لكن بفضل معلوماته استطعت أن أبحث وأدرك عما يتحدث عنه وما رؤيته وتأثير تلك الأفلام عليه. أدركت أن هناك العديد من الممثلين الجيدين الذين مرّوا بالحالة ذاتها التي تمر بها شخصية ريك مثل تاي هاردن وإد بيرنز وويليام شاتنر. ثم هناك المدعو رالف ميكر الذي كان إلهامي الفعلي. ميكر لم أتعرف عليه سابقاً، لكنني تابعت أفلامه قبل تصوير هذا الفيلم ووجدته بارعاً قام بأداءات مدهشة. كونتن يعتبره أحد أفضل ممثلي السينما.
> لكن هل مررت بفترة، ولو وجيزة، طرحت على نفسك أسئلة سببها عدم رضاك عما تقوم به؟
- أعتقد كل ممثل أعرفه مر بمثل هذه اللحظات. لكن أغلبنا يعرف كيف يتجاوزها سريعاً. أعرف ممثلاً فوجئ بأن الفيلم الذي اعتقد أنه سيربح به ما خسره من نجاح سقط بدوره. لكنه لم يسقط بفعله بل انتقل للعمل في فيلم آخر واستعاد مكانته. يحدث ذلك معنا من حين لآخر، خصوصاً إذا ما صرفت الجهد والوقت على فيلم ما ولم تكن النتيجة جيدة على الشاشة أو مقبولة لدى الجمهور.
> جلست قبل أشهر، خلال مهرجان «كان» مع براد بت وتحدث عنك بإعجاب شديد. قال إن وجودكما معاً هو تكامل فني لجانب أنه أيضاً صداقة. كيف وجدت بت حين عملت معه في هذه المرّة الأولى بينكما؟
- نعم. ما قاله صحيح جداً. أعتقد أننا تشاركنا في فهم الفيلم وفهم المدينة وفهم الفترة الزمنية التي تقع فيها الأحداث (سنة 1969). كوننا بدأنا التمثيل في فترة زمنية متقاربة (التسعينات) جعلنا قادرين على فهم ما يحاول الفيلم الحديث فيه والتعليق عليه. كان لا بد لنا أن نلم بالقصة الخلفية للحكاية وساعدنا المخرج في هذه المهمّة التي من دونها لم نكن لنستطيع هضم بيئتها وطبيعتها. لذلك عندما وصلنا إلى اليوم الأول من التصوير كان كل شيء عندنا جاهزاً للتطبيق.
> كانت الصورة الذهنية للشخصيتين اللتين قمتما بتأديتهما مكتملة…
- وحاضرة لكي نجسدها. براد كان رائعاً والعمل معه كان عظيماً، خصوصاً أنه من الممثلين الذين سعوا للعمل مع مخرجين متميزين. ممثل رائع ومحترف مبهر وموهوب.
> لم يسبق لكما العمل معاً داخل فيلم واحد، لكنه كان أحد منتجي فيلم «المغادر» الذي مثلته أنت مع جاك نيكولسون وأخرجه مارتن سكورسيزي…
- صحيح. قبل ذلك اشتركنا في مسلسل تلفزيوني اسمه «آلام متنامية» (Growing Pains) لكن ليس في وقت واحد. هو بدأ على ما أظن مع ذلك البرنامج في أواخر الثمانينات وأنا مثلت فيه في مطلع التسعينات.
> يبقى «ذات مرة في هوليوود» فيلماً عن هوليوود بقدر ما هو فيلم عن ممثل ودوبليره، وما كاد أن يحدث لشارون تايت. من هنا، ما تعنيه هوليوود بالنسبة إليك؟
- تعني لي حياتي كلها. لقد ولدت وترعرعت في هوليوود. في الحقيقة السبب الوحيد في أنني ممثل يعود إلى أني ولدت في هوليوود. أعني أنني لو ولدت خارج هوليوود… في (ولاية) أيوا أو ميسوري لما فكرت مطلقاً في أن أحمل حقيبتي وأتوجه إلى هوليوود لكي أصبح ممثلاً.
> أعتقد أنك بدأت السعي للتمثيل عبر التجارب التي يقيمها المنتجون والمخرجون بحثاً عن الوجوه.
- نعم وبفضل والدتي التي كانت تأخذني إلى هذه المراسم وتنتظر معي وتأخذ الموعد التالي.
> لم يكن الأمر هيناً.
- لا. لم يكن هيناً بالمرّة.
> كيف تصف تجربتك الأخرى كمهتم بالبيئة والتحولات التي تتعرض لها؟ ما الذي تعلمته من حقائق حولها وكيف تتعامل والأرقام كونك أحد المتبرعين للمنظمات الراعية لمثل هذه النشاطات؟
- في الواقع لا أتعاطى مع الحسابات والمسائل التفصيلية بنفسي. لا يمكن لي أن أفعل ذلك وأقوم بعملي كمنتج أو كممثل. أنا مؤمن بأهمية هذا الدور وبواجبنا في الحفاظ على البيئة التي ورثناها وتحسينها لهذا أنا أشجع هذا النوع من النشاطات، لكن لدي موظف خاص لهذه الغاية هو من يتابع مثل هذه الأمور.
> هل أنت متفائل بالنسبة لمستقبل الأرض بيئياً؟
- من الصعب جداً أن تكون متفائلاً. لقد صرفت الكثير من حياتي على الموضوع وقمت بتأسيس المؤسسة التي تنصرف لهذه القضية. لكننا نعيش في عالم صعب وكل يوم هناك ما يعمل ضد البيئة وضد الإنسان والإنسانية عموماً. هذه أوقات عصيبة لم تمر بنا من قبل. آمل أن تأتي إدارة جديدة في أميركا تعي المخاطر الفعلية للمتغيرات البيئية الحاصلة. هناك لاعبون قلائل عليهم أن يفعلوا ما يجب فعله لإنقاذ البيئة. هناك أوروبا وهناك روسيا والصين والهند…
> هناك ذلك المشهد الذي تخونك فيه قدراتك الأدائية. تلقي الحوار مرة بعد مرة وترتكب أخطاء فيعاد التصوير وتشعر بالغضب نتيجة ذلك. هل حدث هذا معك؟
- كل ممثل أعرفه مرّ بهذا الوضع. مررت شخصياً بوضع مماثل. كنت مرهقاً ولم أحسن إلقاء الجملة التي كان علي إلقاؤها. تعثرت وخرج مني كلام غير مفهوم (يضحك). كنت أشبه بصبي المدرسة الذي يدخل الصف مرتدياً ملابسه الداخلية (يضحك). لمعلوماتك، هذا المشهد الذي تشير إليه لم يكن في السيناريو الأصلي. ابتكره كونتِن وأنا. في الفترة التي يقع فيها المشهد كان ريك على دراية بأن الأمور لا تمشي حسب ما يريد. مهنته لا تسير وفق ما يتمنى.
> «ذات مرّة في الغرب» يتناول حقبة شهد تيار الهيبيين. كنت تراهم في الشوارع والحدائق وكانت لهم حفلاتهم الموسيقية مثل «وودستوك». هل عشت هذه الأجواء وأنت صغير؟
- ولدت بعد خمس سنوات من أحداث الفيلم (1973) ووالداي كانا هيبيين. بالتالي، نعم عشت الفترة لكني سأحكي لك قصّة. لكي نصوّر الفيلم فرشنا شارع هوليوود بوليفارد بتصاميم وملامح الستينات لخمس «بلوكات» على جانبي الطريق. ألبسنا الممثلين ثياب تلك الفترة وطلبنا منهم التسكع في الشارع. المشهد موجود على الشاشة. لكن خلال التصوير كنت وبراد بت في السيارة وشاهدت والدي بينهم… قلت له: «هاي… هذا والدي هناك»، لم يصدقني، قلت له «هذا والدي بالفعل» فقال ساخراً: «جاء ليرتدي ملابس الهيبيين ويلعب دوراً كعابر… أليس كذلك؟». أكدت له أن ما يرتديه هو ما يرتديه كل يوم. لا أعرف إذا صدّقني أم لا. لكنه كان هناك في ذلك الشارع.
> شخصيتك في «ذات مرة في هوليوود» كان عليها أن تلجأ إلى إيطاليا لتعيد بعض نجاحها. في تلك الفترة كان الكثير من الممثلين يقومون بذلك وبينهم كلينت إيستوود.
- الاختلاف أن كلينت إيستوود لم يكن حقق نجاحاً كبيراً في السينما. هو ذهب إلى إيطاليا مباشرة من عمله التلفزيوني في «روهايد». شخصية ريك ذهبت مباشرة من السينما. لكن هناك تقاطع لأن الفترة التي تقع فيها أحداث الفيلم شهدت إعادة ولادة العديد من الممثلين الذين بنوا استمرارهم في هوليوود على التمثيل في أفلام إيطالية.
> على ذكر كلينت إيستوود تقوم بإنتاج فيلم من إخراجه. أليس كذلك؟
- نعم. «أنشودة رتشارد جيووَل» عن شخص أنقذ العشرات في حادثة إرهابية لكن الناس اعتقدت أنه أحد الإرهابيين.
> ما رأيك بتجربة إيستوود السينمائية كممثل وكمنتج؟
- هو مثل أعلى بلا ريب. لا أكتشف جديداً عندما أقول إنه أيقونة وآخر الهوليووديين القدامى، والمثير أنه ما زال يحقق الأفلام بنشاط. شاهدت له كل فيلم تقريباً وبعضها أكثر من مرة، وفي كل مرّة يعجبني أكثر كممثل ويعجبني أيضاً كمنتج. إنه بطل أميركي.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».