باريس تنعى مؤسسة «كلوي» وتحتفل بأسلوبها البوهيمي الناعم

وفاة غابي أنيون قبل يوم واحد من عرض الدار لم يؤثر على قوته

كل ما في العرض كان تحية لغابي أنيون التي غيرت وجه الموضة بإطلاقها أزياء جاهزة تخاطب المرأة المتمردة على قيود الـ«هوت كوتير» وغلوها
كل ما في العرض كان تحية لغابي أنيون التي غيرت وجه الموضة بإطلاقها أزياء جاهزة تخاطب المرأة المتمردة على قيود الـ«هوت كوتير» وغلوها
TT

باريس تنعى مؤسسة «كلوي» وتحتفل بأسلوبها البوهيمي الناعم

كل ما في العرض كان تحية لغابي أنيون التي غيرت وجه الموضة بإطلاقها أزياء جاهزة تخاطب المرأة المتمردة على قيود الـ«هوت كوتير» وغلوها
كل ما في العرض كان تحية لغابي أنيون التي غيرت وجه الموضة بإطلاقها أزياء جاهزة تخاطب المرأة المتمردة على قيود الـ«هوت كوتير» وغلوها

رغم أن فتاة «كلوي» لا تزال هي نفسها، بكل أناقتها الباريسية السهلة والممتنعة، فإن لكنتها الفرنسية تعرضت لبعض التغيير على مر الزمن، إثر تعاقب الكثير من المصممين الأجانب عليها، وأخيرا على يد مصممتها البريطانية كلير وايت كيلر.
قبل عرضها بأيام، صرحت هذه الأخيرة أنها وبعد 4 سنوات في الدار الفرنسية، تريد أن تحقنها بجرعة أكثر حيوية وشبابا وقوة، الأمر الذي ترجمته في قطع أنيقة غير مغرقة في النعومة أو المبالغات وفي خطوط واضحة لا تتطلب أي خيال. فهي تُدرك أن للدار شخصيتها التي تعشقها زبوناتها الوفيات، وبالتالي عليها أن تحترمها بأن لا يكون التغيير جذريا إلى حد إبعادهن عنها. ما لم تكن تعرفه المصممة حين صرحت برغبتها في إجراء بعض التغيير، أن الموت سيغيب مؤسسة الدار، غابي أنيون، قبل يوم واحد من العرض، ما سيلقي بظلاله عليه. فقد كتبت الدار على الورق الذي وضع على الكراسي أن العرض تحية لها ولأسلوبها، وبالفعل كان كما أرادته دائما: قويا برومانسيته وعمليته واعتماده على صورة فتاة باريسية تريد أن تعيش الحياة بطريقتها البوهيمية الخاصة من دون قيود. وحتى التغييرات التي ذكرتها المصممة البريطانية، لم تأخذ أبعادا تذكر، فقد كانت مجرد لمسات خاصة وتقنيات جديدة لا تراها العين من بعيد.
كل ما في العرض كان تحية للمؤسسة، غابي أنيون، التي غيرت وجه الموضة إلى حد ما بإطلاقها أزياء جاهزة تخاطب المرأة المتمردة على قيود الـ«هوت كوتير» وغلوها. فعندما أسست دار كلوي في الخمسينات، 1952 لم تكن هناك أزياء جاهزة أنيقة كما نعرفها اليوم. كانت الـ«هوت كوتير» هي السائدة وكانت البدائل الأخرى شحيحة، تدفع المرأة، التي لا تستطيع لأسعار «الهوت كوتير» سبيلا، إلى خياطات يستنسخن لها التصاميم من المجلات. المشكلة كانت في الأقمشة التي لم تكن بنفس الترف والجودة ما كان يجعلها تبدو رخيصة. غابي أنيون، شعرت بحسها بهذه الثغرة، فملأتها من خلال أزياء بتصاميم تعبق بأنوثة ناعمة، والأهم مصنوعة من أقمشة جيدة.
هذا الاهتمام بالأقمشة هو الذي ركزت عليه كلير وايت كيلر، حيث صرحت بأن «نقطة الانطلاق كانت الأقمشة، خصوصا الفولكلورية منها مثل تلك المطرزة بالطيور والورود». حرصت أن تترجمها بخطوط واضحة ومباشرة، مسهبة في استعمال خامة الدينم، لأنه، حسب قولها «تحول إلى قطعة شخصية» يمكن للكل أن يلبسها وتبقى معه لفترة طويلة. كان واضحا أنها كانت تريد أن تمزج خامات عملية، مثل القطن والكتان، أو بلوريتارية مثل الدينم، مع أخرى ناعمة ومترفة مثل الموسلين والدانتيل لتمنح التصاميم تنوعها وأيضا أحجامها.
كانت أغلبية الأزياء موجهة للنهار بينما اقتصرت فساتين المساء على مجموعة معدودة، تتميز هي الأخرى بهدوء يجعلها مناسبة للنهار، في بعض الوجهات الصيفية أو على اليخوت، مثل فستان أزرق طويل مزين بدوائر ذهبية. افتتحت العرض بمجموعة من الفساتين القصيرة من الدانتيل والكتان، من دون تفصيل محدد على الجسم، وتعتمد كليا على خيط رفيع يشدها من الكتف لتنسدل على الجسم بحرية. تلتها مجموعة من الفساتين من الموسلين، تعتمد على نفس الفكرة باستثناء أن الموسلين استعمل فيها بسخاء ما جعلها تبدو أكبر حجما، فيما تباينت الألوان بين الدرجات الباستيلية والأزرق الداكن والمستردي وطبعا الأبيض، اللون المفضل لدى غابي أنيون، وأصبح يرتبط بدار كلوي مثلما يرتبط الرمادي بديور أو الأحمر بفالنتينو. رغم أن كلير وايت كيلر عبرت عن طموحها بأن تأخذ الدار باتجاه جديد، فإنها لم تقم بثورة بقدر ما قامت بعملية تجديد استعملت فيها الدينم، الذي ظهر في بنطلونات بخصور عالية وأخرى قصيرة فضلا عن تنورات بأطوال مختلفة تتمتع بجيوب واسعة لمزيد من العملية. أما بالنسبة لروح «كلوي» فلا تزال نفسها: منطلقة مع لمسة بوهيمية، ورومانسية تعتمد على النعومة عوض الأنوثة، كما على الأقمشة العملية والمترفة.
فالمعروف عن كلوي أنها لا تتوجه للمناسبات الكبيرة مثل حفلات السجاد الأحمر وغيرها، بل تتوجه لامرأة تريد الانطلاق والراحة ولا تريد التنازل عن الأناقة، لتكون النتيجة أسلوبا بوهيميا عصريا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».