10 فنانين مصريين من أجيال مختلفة يلتقون تحت سقف اللوحة

«غاليري مصر» جمعهم في معرض بعنوان «تقاطع» ضم 30 عملا متنوعا

من أعمال الفنان خالد زكي
من أعمال الفنان خالد زكي
TT

10 فنانين مصريين من أجيال مختلفة يلتقون تحت سقف اللوحة

من أعمال الفنان خالد زكي
من أعمال الفنان خالد زكي

يبحث 10 فنانين مصريين من أجيال ومشارب فنية مختلفة عن جمالية مغايرة واستعارة بصرية تجمعهم وتشد همومهم تحت مظلة الفن.. هذا الملمح يشد انتباهك وأنت تتجول في معرض «تقاطع» الذي ينظمه «غاليري مصر» بالقاهرة، ويشارك فيه 10 فنانين لهم إسهامهم البارز في الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة، في النحت والتصوير والرسم، على رأسهم الفنان النحات الراحل عبد الهادي الوشاحي، والفنانون: أحمد شيحا، عصام معروف، فتحي عفيفي، إبراهيم الدسوقي، خالد زكي، مصطفى الرزاز، محمد رضوان، نازلي مدكور، رضا عبد الرحمن.
افتتح المعرض مساء «الأحد» الماضي بحضور كوكبة من الفنانين والنقاد والجمهور، ويدشن به «غاليري مصر» موسمه الجديد.. وحول المعرض قال الفنان محمد طلعت (مدير الغاليري) إنه يضم نحو 30 عملا فنيا تتنوع ما بين النحت والتصوير، تعرض لأول مرة لكوكبة من الفنانين المعاصرين المهمين جدا على الساحة التشكيلية المحلية والإقليمية والعالمية، والمنتمين لأجيال مختلفة، وهو ما سيجعل من هذا المعرض رحلة فريدة بين عوالم من الإبداع الفني مختلفة الأذواق والأساليب والتقنيات تتحقق معها حالة من الإمتاع البصري للمتلقي الذي يمكنه زيارة المعرض طوال شهرٍ كامل.
وأضاف طلعت: إنه سيقام خلال المعرض عدد من الأمسيات الفنية، يتحدث فيها بعض الفنانين المشاركين في المعرض حول مشوارهم الفني، وقضايا التشكيل، ورؤيتهم لواقع الحركة التشكيلية في مصر.. يعقبها حوار حي مفتوح مع الجمهور، كما تستضيف هذه الأمسيات مجموعة من النقاد المعنيين بالفن التشكيلي.
ورغم تباين الأسلوب الفني في أعمال الفنانين المشاركين والتي يعرض بعضها لأول مرة للجمهور، وكذلك تنوع جماليات المنظور، ما ببن النحت والتصوير والرسم، فإن استعارة العاطفة الإنسانية، تشكل نقطة تقاطع أساسية في أعمال الفنانين. حيث تتنوع هذه الاستعارة في علاقات فنية متقاطعة ومتجاورة، سواء في علاقة الإنسان مع الطبيعة، وهو المنحى الذي تجسده أعمال الفنانة نازلي مدكور، بتكويناتها المستمدة من أوراق الشجر والأغصان والزهور، حيث يبدو الشكل وكأنه في رحلة سباحة مستمرة في فضاء اللون والضوء، وتبدو الأزهار معادلا فنيا لفكرة الوجود، في المقابل يبزر تنوع الخامة، والسعي الدائم لإثرائها في أعمال أحمد شيحا، وهو ما يكسب الشكل واللون عمقا متناميا، ويجعل اللوحة بمثابة سلاح للتحرر من كوابح الظلام وقمع الحرية الذي يواجه الحلم الإنساني والعاطفة الإنسانية، في سعيهما نحو النور والجمال. ويبرز الهم بالتراث في لوحات مصطفى الرزاز، حيث يحتضن المقومات والموتيفات التراثية، في أشكال ورموز إنسانية تتمتع بحيوية خاصة، تكسب أسلوبه التصويري خصوبة الجذور، وتجعل المقومات التراثية متشابكة مع الواقع الراهن، من خلال صياغات معاصرة ومبتكرة، لها جاذبيتها الخاصة. وعلى تخوم الأسطورة خاصة بملامحها المصرية القديمة وتخوم الواقع معا، يطلق رضا عبد الرحمن العنان لمغامرة فنية مفتوحة على الماضي والحاضر والمستقبل معا، مغلفا توريهاته الرمزية، بحس الحكاية، التي يستجمع عناصرها وروافدها من التاريخ والحاضر معا، ويتعايش كل هذا في نسيج اللوحة في تناظر فني وجمالي شيق وأخاذ. ويلعب عصام معروف على مفارقات السطوح الغنية بالعناصر والرموز والدلالات، ليكشف عما تضمره من حسية، وهو ما يتجلى عميقا في دلالة وجه المرأة، وتعدد مستوياته على مسطح اللوحة، فهو البذرة الخفية الواضحة لكل تجليات الإيقاع على السطح وفي الباطن، وتبرز لوحات فتحي عفيفي مقدرته في جمع شتات الكثير من المفردات، لتتوحد في جسد اللوحة، وتنتظم في تكوينات وأشكال شديدة الانسجام فكريا ودلاليا، تخطف عين المشاهد إلى ما وراء اللون والخط والضوء.
ويتوج النحات المصري الراحل عبد الهادي الوشاحي المعرض بمجموعة من أعماله النحتية تكسر الأبعاد التقليدية في فن النحت، وتستقي الإيقاع من نسيج التمثال نفسه وعلاقته بالفراغ المحيط به، وأيضا علاقته بالطبيعة التي يستوي في عباءتها، كما تكسب حيوية الحركة بخفها وثقلها أعمال الوشاحي حالة من الشفافية والمتعة البصرية، حيث يطل عليك التمثال أولا قبل أن تطل عليه.
ورغم بريق البرونز في تكوينات خالد زكي النحتية، فإنها بسطوحها الناعمة الفضفاضة تدعو للتأمل والاستغراق، وتكتسب جمالياتها من القدرة على التكثيف والاختزال، وتحاشي الزوائد الزخرفية.
وفي بقية أعمال المعرض، يتعاظم الإحساس بالمتعة البصرية ويتنامى التعبير عن هموم الإنسان وأحلامه، سواء في محيط واقعه الراهن المعيش، أو في محيط العالم من حوله.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».