العثمانيون جاءوا إلى الوطن العربي برائحة الموت

من تنفيذ احكام اعدام ضد معارضين للحكم العثماني في بيروت في ايار 1916
من تنفيذ احكام اعدام ضد معارضين للحكم العثماني في بيروت في ايار 1916
TT

العثمانيون جاءوا إلى الوطن العربي برائحة الموت

من تنفيذ احكام اعدام ضد معارضين للحكم العثماني في بيروت في ايار 1916
من تنفيذ احكام اعدام ضد معارضين للحكم العثماني في بيروت في ايار 1916

«إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون بحق اللبنانيين». انتقاد وجهه الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الدور الذي لعبه حكام السلطة العثمانية في المناطق التي كانوا يحكمونها في المنطقة العربية. انتقاد كان كافياً لإثارة حملة حكومية تركية على عون بلغت حد وصف كلامه بـ«الهذيان»، ووصلت إلى استدعاء سفراء الدولتين للاحتجاج من جانب أنقرة ومحاولات التفسير والتبرير من جانب بيروت.
ومع أن عون كان يقصد ما يتعلق بلبنان بشكل خاص، خلال الحقبة العثمانية، فإن الانتقادات للدور العثماني تشمل أجزاء أخرى من بلاد العرب، من الجزيرة العربية إلى مصر، وصولاً إلى بلاد الشام.
ومن الصعب فصل هذا الجدل عن محاولات إحياء التراث العثماني التي تنتهجها سياسات رجب طيب إردوغان، وهي سياسات تسعى إلى استعادة هذا التراث والانقضاض على الأسس الثقافية والاجتماعية التي بنى عليها كمال أتاتورك دولة تركيا الحديثة. ومع أن الجانب التاريخي من حقبة الحكم العثماني، بسلبياته وإيجابياته، هو الذي يفترض أن يطغى على الجدل الدائر، فإن هذا الجانب هو آخر ما يشغل بال السياسيين في الوقت الذي تمر علاقات إردوغان بأطراف عربية كثيرة بمرحلة صعبة.
في صفحة «قضايا» سنحاول إعادة النقاش إلى الحيز التاريخي، من خلال مشاركات متخصصين جامعيين في مادة التاريخ، وتحديداً تاريخ السلطة العثمانية. والمشاركات من الدكاترة طلال الطريفي وعصام خليفة ومحمد عفيفي.
من أكثر الجدليات التي طرحتها كتب التاريخ الحديث عن التاريخ العثماني علاقته بالمنطقة العربية، إذ انقسم المؤرخون في ذلك بين من صوروا ضم العثمانيين للعالم العربي لحمايته من الحملات البرتغالية في عهد سليم الأول، ومن رأى أنه بداية النهاية للحكم العربي، ومنه توقفت الحضارة العربية وتأخرت، مقارنة بالتطور العالمي. وبين هذين التصورين، سنلمحُ أن إشكالاً عميقاً يضربُ أطنابه في إعطاء صورة ذهنية متناقضة تجاه العثمانيين، يحارُ معها دارس التاريخ وقارئه.
غير أن معرفة الظروف التاريخية التي مرَّت بها المنطقة العربية، وحالة المخاض الفكري والاجتماعي الذي تشكَّل بعد سيطرة العثمانيين على الوطن العربي، ستجعلنا نطمح إلى الوعي التاريخي، لا المعرفة التاريخية، فالمعرفة متناقضة، فيما الوعي أكثر دقة وتصويراً للواقع التاريخي.
أما من صوروا العثمانيين على أنهم حُماة للوطن العربي، فكانوا على الأغلب متأثرين بدعاية «النير التركي»، وفكرة الجامعة الإسلامية التي جاء بها عبد الحميد الثاني، ومن خلالها كان يطمح إلى المحافظة على مكتسبات أجداده الأوائل في العالم الإسلامي، بعد أن بدت خسارتهم على الجانب الأوروبي.
فيما أن النقيض من هذه الصورة قد تبناه مؤرخون متأثرون بالحركة القومية العربية التي جاءت نتيجة الضغط العرقي، والاستغلال التركي لمقدرات العرب قروناً من التاريخ، من دون أن يكون لهم دور رئيس في الحركة التاريخية في أوطانهم، وفي التاريخ العالمي ككل.
والحقيقة التي تقودنا إلى الوعي بالتاريخ أن العثمانيين جاءوا للوطن العربي برائحة الموت، محاولين تدجين الجنس العربي وإرهابه، وجعله جنساً تابعاً، حالهم حال بقية الأجناس الأخرى التي خضعت للعثمانيين.
وبعيداً عن كتابات المؤدلجين من المؤرخين العرب الذين يتشدقون بالدعاية للعثمانيين، وتعداد مآثرهم المزعومة، يجب علينا أن نعود للمصادر الأصيلة التي تحدثت عن ظروف الحكم العثماني للمنطقة العربية، فمثلاً كتاب محمد بن إياس (توفى 929هـ-1523م) «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، المُعاصر لأحداث دخول سليم الأول لمصر، أعطى الصورة الحقيقية لهذا السلطان الذي صُوِّر كفاتحٍ، وأُلبس ثوب البطولة، بينما تحدث ابن إياس عما لا يقبله أولئك المتعاطفون مع الدعاية التركية، وذكر كمية المآسي التي مر بها المصريون في أثناء دخوله مصر، من قتلِ الشيوخ والأطفال، وسبي النساء، واسترقاق المسلمين منهم قبل غيرهم، ومجاهرة الجنود العثمانيين بشرب الخمر في نهار رمضان، وارتكاب الجرائم العظيمة التي لا يمكن أن نقرأها في كثيرٍ من كتب العرب الذين تحدثوا عن سليم الأول، وإسقاطه دولة المماليك، ناهيك عن أنه سعى لتدمير البنية الاقتصادية المصرية، حين اقتاد أصحاب الصناعة والحرفيين إلى إسطنبول، من دون أن يفكر في مصير هذا القطر العربي اقتصادياً، وما أورثه تصرفه.
أيضاً ابنه سليمان القانوني الذي جاء إلى دمشق، ودخلها دخول الحاقدين، كما ذكر ابن طولون في كتاباته المعاصرة للحدث، حيث كان القتل واستباحة الشام أبرز عناوين دخوله، وتحويل كثير من أهاليها إلى رقيق، واقتياد كثيرين منهم عبيداً إلى إسطنبول.
هذه هي الصورة الحقيقية لبداية العثمانيين في الوطن العربي، حيث تسلسلت بعد ذلك مآسي العرب، إلى أن سقط العثمانيون في بداية القرن العشرين، وليس أدل على ذلك مما قام به الاتحاديون من إعدام للوطنيين العرب، واستغلالٍ للمقدرات العربية بما يخدمهم، ويزيد من إذلال وتأخر الوطن العربي.
أما أهمية الجزيرة العربية بالنسبة للعثمانيين، فقد انحصرت في مناطق محدودة جداً، فلم يحرص العثمانيون بداية سوى على الحجاز، بعد أن أسقطوا المماليك، حيث إن تبعية الحجاز جاءت كإرث طبيعي لمناطق نفوذ المماليك، وأكثر شيء حرصت عليه الدولة العثمانية من الحجاز إضفاء الصبغة الدينية عليهم، والقُدسيَّة التي كانوا يطمحون إليها.
أما بقية أقاليم الجزيرة العربية، فلم تكن في حساباتهم، سوى اليمن بعد ذلك لموقعها الاستراتيجي في التحكم بالطرق البحرية الداخلة للبحر الأحمر، وبقية المناطق تُركت تواجه مصيرها، وضياعها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. ففي الوقت الذي تشدَّق فيه بعض المؤرخين بهدف حماية العالم العربي والإسلامي من قبل العثمانيين، كانت السفن الأوروبية تضرب سواحل الخليج العربي، وتستعمرها من دون أن يكون هنالك أي ردة فعل عثمانية حقيقية واقعية، وترك العثمانيون الخليج يواجه مصيره من خلال قياداته المحلية المتواضعة التي سيطرت عليها القوى الأوروبية، وورثتها واحدة بعد أخرى، على مرأى من العثمانيين.
أما وسط الجزيرة العربية، فكان منسياً مُتجاهلاً، لم يلتفت له العثمانيون نهائياً، مما أدى لتدهور هذا الإقليم على المستويات كافة: سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً. وكانت قياداته المحلية تتنازع وتتناحر وتتعدد، من دون أن يعي العثمانيون ما كان يدور فيه من أحداث وتفاصيل. ولم يكن لوسط الجزيرة العربية أهمية، سوى بعد أن قامت الدولة السعودية الأولى التي هزت العرش العثماني في الحجاز، واسترد السعوديون الحكم العربي المباشر للمقدسات، مما جعل الدولة العثمانية في حالٍ من القلق والتخبط حتى أُسقطت الدولة السعودية الأولى، ونكل العثمانيون بقادتها، وأعدموهم بوضع رؤوسهم على فوهات المدافع، وأعدموا الإمام الشهيد عبد الله بن سعود بن عبد العزيز في إسطنبول، إيغالاً منهم في التشفي والكره لكل قيادة عربية ناشئة تؤثر على مناطق نفوذهم.
كذلك حاول العثمانيون إغراق الجزيرة العربية ومناطقها بمزيدٍ من التدهور والتفكك، حين أسقطوا الدولة السعودية الأولى، فهدموا أسوار المدن، وقتلوا رموز القيادات المحلية بطريقة وحشية، حتى أن زعيم إحدى البلدات النجدية قُطعت رأسه، ورمي في شوارع البلدة، وهددوا من يقوم بدفنه، وتركوا البلدات النجدية في يد جيش من المرتزقة، وراحوا بعد ذلك يفكرون في الاستيلاء على بعض المناطق الحيوية التي يضمنون من خلالها عدم قيام أي قوة جديدة في الجزيرة العربية، من خلال سيطرتهم على الأحساء، لجعل حاميتهم العسكرية فيها، كشُرطي يحافظ على طموحاتهم في إغراق الجزيرة بمزيدٍ من التشتت والتأخر.
لم يتباكى العثمانيون، ومعهم بعض المؤرخين العرب المتعاطفين، إلا بعد أن شعروا باقتراب فقدان سيطرتهم على الوطن العربي، فراحوا يؤكدون إسلامية الدولة، وأنها من حمت العرب من الهجمات الأوروبية، فيما أن الواقع يتنافى مع ذلك تماماً، فما قام به العثمانيون من قتل وتشريد ووحشية ضد العرب، لم تقم به بعض الدول الأوروبية المُستعمرة بعد ذلك.
ومن أكبر مشكلات العرب مع التاريخ العثماني أن كثيراً منهم تعامل معه بعاطفته، بعيداً عن الموضوعية العلمية، وراحوا يتهمون كل من يطمح لكشف حقيقة العثمانيين بالتأثر بالنظرة الأوروبية، واتهامه بالروح العنصرية القومية، فيما أن الأولى أن توجه هذه الاتهامات إلى العثمانيين، من خلال محاولتهم تتريك العرب، وطمس هويتهم العربية، حتى أنهم أوغلوا في ذلك حين فرضوا تدريس قواعد اللغة العربية بالتركية، من خلال معلمين أتراك في الوطن العربي.
وليس أدل على ذلك مما جاء على لسان عبيد الله الأفغاني، في جامع أيا صوفيا، وأورده كخاتمة للصورة الحقيقية في النظرة التركية تجاه العرب، حيث قال في خطبة الجمعة:
«أيها الأتراك المسلمون، كفاكم وهناً ومسامحة، انفضوا عنكم هذا الغبار، وامحوا عن مساجدكم أسماء الخلفاء الراشدين وآل الرسول ممن لا يعنيكم أمرهم، واكتبوا بدلها أسماء الأبطال الاتحاديين، أمثال طلعت وجمال وأنور وجاويد، الذين هم أولياء الله الصالحين، قدس الله سرهم».

- أستاذ التاريخ الحديث المُشارك بقسم التاريخ والحضارة في جامعة الإمام محمد بن سعود



واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».