«قصر خزام» في جدة بُني بأمر «المؤسس» وشهد أول اتفاقية للتنقيب عن البترول

نقش تحت سقفه التاريخ بتوقيع كثير من الاتفاقيات والمعاهدات

قصر خزام التاريخي في مدينة جدة غرب السعودية (واس)
قصر خزام التاريخي في مدينة جدة غرب السعودية (واس)
TT

«قصر خزام» في جدة بُني بأمر «المؤسس» وشهد أول اتفاقية للتنقيب عن البترول

قصر خزام التاريخي في مدينة جدة غرب السعودية (واس)
قصر خزام التاريخي في مدينة جدة غرب السعودية (واس)

يعد قصر خزام التاريخي، القابع في مدينة جدة (غرب السعودية)، أحد القصور الملكية التي كان يسكنها الملك المؤسس عبد العزيز، وقد نقش تحت سقفه التاريخ، بتوقيع كثير من الاتفاقيات والمعاهدات والمذكرات السياسية العظيمة التي كان لها الأثر الكبير في التطور الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية اليوم.
وبني قصر خزام التاريخي بأمر من المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في 1928، واكتمل بناؤه عام 1932، في قلب مدينة جدة، بعد إقامته لفترة في بيت نصيف. وترجع تسميته لانتشار نبات الخزامى في المنطقة التي بني عليها. وقد استخدمه الملك المؤسس ديواناً يستقبل فيه ضيوف الدولة وكبار المسؤولين وعامة الشعب.
واستغرق بناء القصر خمسة أعوام، وقد شهد توقيع اتفاقيات ومعاهدات ومذكرات سياسية عظيمة غيرت حال المملكة من صحراء إلى ما تعيشه اليوم. ففي هذا القصر، وُقّعت أول وأهم اتفاقية في الامتياز للتنقيب عن البترول بين الحكومة السعودية، ومثلها الشيخ عبد الله السليمان ممثلاً عن الملك عبد العزيز، وشركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا»، ومثلها مستر لويد هاملتون، في 29 مايو (أيار) 1933. ووُقّعت مذكرات متبادلة مع مصر، بشأن بعض المشاريع العمرانية، في 29 يوليو (تموز) 1940. كما وُقّعت معاهدة صداقة وحسن جوار مع الكويت، ومن ثمّ جُدّدت معاهدة جدة مع حكومة بريطانيا عام 1943، إضافة إلى توقيع اتفاقية تجارية مع سوريا، واتفاقية مطار الظهران مع الولايات المتحدة الأميركية، ومعاهدة صداقة مع باكستان.
ويشتمل قصر خزام التاريخي على ثلاث وجهات: الجنوبية، وتطل على حي النزلة اليمانية؛ ثم الواجهة الشمالية التي تطل على مصلى العيد؛ فالغربية، وتطلّ على منطقة السبيل.
وهو يتكون من طابقين وملحقات في الجهتين الجنوبية والغربية، ويحيط به سور بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً. وللقصر مدخل رئيسي، عبارة عن بوابة عالية، تسمّى بوابة قصر خزام الكبرى، تفتح جهة طريق مكة (الجهة الشمالية)، وتتكوّن من برجين متقابلين، متشابهين في التصميم المعماري والزخرفي. وهناك بوابة أخرى تعد أصغر من السابقة، وتسمى بوابة قصر خزام الصغرى، وتفتح على طريق الملك خالد.
وقد شُيّد القصر بالأحجار الجيرية الصّلبة المقطوعة من ساحل البحر الأحمر، وهي المادة الأساسية التي كانت تُستخدم في بناء المباني بمدينة جدة، إضافة لمواد أخرى، مثل البطحاء والإسمنت والرّمل وحديد التسليح والأخشاب، ويدلّ القصر على نمط الطراز المعماري الذي كان سائداً في البناء في تلك الحقبة، وهو يرسم التسلسل العمراني والتطور المعماري والفنّي المرتبط بالقواعد السياسية والتنظيمية للدّولة.
وبعد وفاة الملك عبد العزيز، استخدم الملك سعود القصر كمكاتب إدارية حتى عام 1963، وقد ضمّ القصر إلى قصور الضيافة، وأضيفت له بعض المرافق، ووضعت صورة بوابته الرئيسية على العملة الورقية في عام 1955، حين كان القصر يشكّل قبلة جدة الحكومية، وإليه كانت تأتي الوفود الرسمية بمهمات دبلوماسية، وكان منظر الحراسات الأمنية يشكّل معلماً لشارع الميناء (الملك خالد حالياً)، حيث تقع عليه بوابة القصر الرئيسية.
وتتدرّج المراحل التاريخية لهذا القصر، الذي انتقل لوكالة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف، وحوّل في عام 1981 إلى متحف، بتوجيه من الملك فهد بن عبد العزيز، فرممت الوكالة جزءاً من مقدمة القصر، وافتتح في مارس (آذار) 1995، وروعي في الترميم المحافظة على طابع المبنى المعماري، وحوّل جزء من القصر إلى متحف، وجرى تأثيثه وتجهيزه بالمعروضات التي تمثل جميع العصور التاريخية، متدرجة بطريقة علمية من عصور التاريخ القديم، مروراً بالعصور الإسلامية، وصولاً إلى العصر الحديث، ليستطيع المتحف موازاة المتاحف العالمية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».