قال الجيش الأميركي، إنه يتشاور مع السعودية لبحث سبل مواجهة التهديدات القادمة من شمال المملكة، بعد الهجوم الذي استهدف السبت الماضي منشأتي نفط سعوديتين في بقيق وخريص، في حين أكد وزير الخارجية مايك بومبيو، أن بلاده ترغب في «حل سلمي» للأزمة المتصاعدة مع إيران.
- بصمات إيرانية
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جونثان هوفمان، إن لدى بلاده «مؤشرات إلى أن إيران تقف وراء الهجمات بشكل أو بآخر، لكننا سننتظر أن يتوصل السعوديون إلى نتائج (التحقيق) وأن يقدّموها للمجتمع الدولي». وتابع في مؤتمر صحافي مشترك مع الكولونيل باتريك رايدر، المتحدث باسم القوات المشتركة: «هذه قضية دولية. ما رأيناه كان استهدافاً لمنشأتين مدنيتين، كان له أثر دراماتيكي على الأسواق العالمية».
وأضاف في معرض ردّه على أسئلة الصحافيين: «لطالما كان هدفنا هو ردع الصراع في منطقة الشرق الأوسط (...) لا نريد صراعاً. ما نريده هو أن تعود إيران إلى نظام القانون الدولي، وأن توقف الأنشطة الشريرة التي تدعمها في المنطقة، وأن تعود إلى المسار الدبلوماسي».
من جهته، رفض الكولونيل رايدر الرد على التهديد الإيراني من اندلاع «حرب شاملة في حال استهدفت»، ورأى أن لدى بلاده القدرات الكافية في المنطقة لحماية قواتها، وردع أي تهديد محتمل من إيران في المستقبل. كما وصف الهجوم على منشأتي «أرامكو» بـ«التصعيد البارز»، وسلط الضوء على نجاح وفعالية الدفاعات الجوية السعودية على الحدود الجنوبية في اعتراض هجمات «الدرون» وصواريخ الحوثيين.
- «إجماع خليجي» على مسؤولية طهران
جاءت تصريحات البنتاغون بعد ساعات قليلة من تأكيد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن واشنطن ترغب في «حل سلمي» للأزمة المتصاعدة مع إيران على خلفية الهجمات ضد منشأتي «أرامكو». وقال بومبيو في تصريحات للصحافيين في أعقاب زيارة لأبوظبي أمس: «نرغب في حل سلمي (...) وآمل أن ترى إيران المسألة بالطريقة نفسها». وأضاف «لا نزال نسعى لبناء تحالف كعمل من أعمال الدبلوماسية، في حين أن وزير خارجية إيران يهدد بحرب شاملة وبالقتال حتى آخر أميركي، ونحن هنا لبناء تحالف يستهدف تحقيق السلام». كما شدد على أنه «ستكون هناك عقوبات إضافية على إيران». ولفت بومبيو إلى أن الخطر الإيراني تهديد للعالم، وإن العقوبات على طهران تهدف لوقف عملياتها الإرهابية وحرمانها من إيصال الأموال إلى «حزب الله» وحلفائها.
وتحدّث بومبيو عن «إجماع» خليجي حول مسؤولية إيران عن الهجمات، بعد زيارته لكل من جدة وأبوظبي. وأوضح أن «هناك إجماعاً كبيراً في المنطقة حول الجهة (...) التي نفّذت هذه الهجمات. إنّها إيران. لم أسمع أحداً في المنطقة يشكّك في ذلك ولو للحظة».
وقال بومبيو إن الهجوم على منشأتي النفط «لم يهدد الأمن القومي السعودي فحسب، بل حياة الأميركيين الذين يعيشون ويعملون في المملكة أيضاً، وكذلك إمدادات الطاقة العالمية بشكل عام».
- خيارات رد متعددة
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أكد مساء الأربعاء، أن لديه «خيارات كثيرة» للرد على إيران، معلناً عن عقوبات جديدة «خلال 48 ساعة». وتضاف هذه العقوبات إلى إجراءات عقابية غير مسبوقة فرضتها واشنطن على طهران إثر الانسحاب الأميركي في مايو (أيار) 2018 من الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.
وفي إطار خيارات الرد المتاحة أمام واشنطن، التي قال ترمب إنها تشمل «خياراً أخيراً، وخيارات أقل من ذلك بكثير»، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الرد المحتمل يشمل لائحة من الأهداف، بينها منشأة عبدان، إحدى أكبر محطات تكرير النفط، وجزيرة خرج التي تضم أكبر منشأة نفطية في البلاد.
كما أن اللائحة تضم المواقع التي قد تكون انطلقت منها الصواريخ والطائرات دون طيار نحو السعودية، وقواعد أخرى للحرس الثوري في جنوب غربي إيران، حيث شهدت المنطقة تحركات يشتبه في أنها مرتبطة بضربة «أرامكو»، وفق الصحيفة.
من جهتها، كانت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية قد نقلت نقلاً عن مسؤول أميركي، أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي «وافق على الهجوم شرط أن يتم تنفيذه بشكل يبعد الشبهات في أي تورط» لبلاده. وقال المسؤولون الأميركيون في التقرير، إن الأدلة ضد إيران هي صور التقطت بقمر اصطناعي ولم يتم نشرها بعد، تظهر قوات الحرس الثوري الإيراني وهي تقوم بترتيبات للهجوم في قاعدة الأحواز الجوية، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. لكن القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، اعتبر، أمس، أن إيران «قوية إلى درجة» يتمّ اتهامها «زوراً» بأنها المسؤولة عن أي حادث، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء «فارس».
- تلويح إيراني بـ«حرب شاملة»
قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس، إن توجيه «أي ضربة عسكرية أميركية أو سعودية لبلاده سيفجر حرباً شاملة». وأضاف ظريف في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «أقول بكل جدية إننا لا نريد حرباً، لا نريد الدخول في مواجهة عسكرية... لكننا لن نتوانى عن الدفاع عن أرضنا».
كما ندّد ظريف في تغريدة، أمس، بـ«تحريض» مدبّر على خلفية الهجمات الأخيرة على المنشأتين النفطيتين في السعودية «بغية تحضير الرأي العام العالمي لحرب على إيران». وكتب ظريف رداً على تصريحات بومبيو الأربعاء: «(عمل حربي) أو تحريض بهدف (شنّ) حرب».
وترفض إيران منذ الأحد الاتهامات بأنها المسؤولة عن الهجمات، رغم استعراض أدلّة تورّطها مباشرة. وتدعم الرواية الحوثية بوقوف هذه الميليشيا المدعومة من طهران وراء الاعتداءات. وفنّد بومبيو هذه النظرية الأربعاء، وقال: إن هذا «العمل الحربي» يحمل «بصمات آيات الله» الإيرانيين. وأوضح أن الأسلحة التي تم استخدامها في الهجوم «ليست أسلحة يمكن أن تكون في حوزة الحوثيين»، وتابع أن مصدر الهجوم «لم يكن من الجنوب»، أي من اليمن، مضيفاً: «نعلم بأن الإيرانيين لديهم أنظمة لم ينشروها في أي مكان خارج بلادهم». وقال أيضاً، إن «لا إثبات على أن (الهجوم) مصدره العراق».
بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إن احتمال أن يكون الحوثيون نفذوا الهجوم على المنشأتين النفطيتين «يفتقد إلى بعض الصدقية». وقال الوزير الفرنسي للشبكة الإخبارية «سينيوز»، إن «الحوثيين (...) أعلنوا أنهم هم من قاموا بهذا التدخل. هذا يفتقد إلى بعض الصدقية». وأضاف: «على ما يبدو، استخدمت أدوات عسكرية كثيرة، طائرات مسيرة وربما صواريخ»، مشككاً في قدرة الحوثيين على القيام بعملية كهذه «وبلوغ هدفهم». وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بداية الأسبوع إيفاد خبراء فرنسيين إلى السعودية للمساعدة في التحقيق حول الهجمات. وأوضح المتحدث باسم رئاسة الأركان الفرنسية، العقيد فردريك باربري، أمس، أن عدد الخبراء سبعة ويتبعون لوزارة الجيوش، وهم «متخصصون في المتفجرات ووسائل الدفاع أرض - جو وتتبع المسارات».
وكان قد استعرض العقيد الركن تركي المالكي، المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، في مؤتمر صحافي في الرياض الأربعاء، قطعاً من صواريخ وطائرات مسيرة استخدمت في العملية ضد أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم في بقيق، وحقل خريص النفطي في شرق المملكة. وأكّد المتحدث العسكري أن «الهجوم انطلق من الشمال (...) وبدعم من إيران من دون أدنى شك»، مشيراً إلى أن المملكة تواصل تحقيقاتها «لتحديد الموقع الدقيق الذي انطلقت منه».
- تحالف بحري لحماية الخليج
أعلنت الإمارات، أمس، انضمامها إلى تحالف دولي للأمن البحري تعمل واشنطن على تشكيله منذ استهداف إيران ناقلات في مياه الخليج في الشهور القليلة الماضية. ورحب بومبيو بهذه الخطوة على «تويتر»، قائلاً إن «الأحداث الأخيرة تبرز أهمية حماية التجارة العالمية وحرية الملاحة». وسبق أن أكدت السعودية وبريطانيا والبحرين مشاركتها في التحالف.
- مباحثات أممية ودعوة فرنسية لخفض التصعيد
قال وزير الخارجية الأميركي، إن الهجمات على منشأتي «أرامكو» ستكون موضوعاً رئيسياً في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل. في حين أشارت باريس التي تحاول إنقاذ الاتفاق النووي، إلى أن اجتماعات نيويورك تمثل فرصة لخفض التوتر. وقال وزير خارجيتها: «عندما تضرب صواريخ دولة أخرى، فإن ذلك من أعمال الحرب. لكن علينا العودة إلى مبدأ الحد من التوتر». وأضاف: «هناك تحقيق دولي، فلننتظر نتائجه».
وأشار لودريان إلى أن الهجوم جاء قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبدأ في 24 سبتمبر (أيلول) في نيويورك والتي تناقلت وسائل الإعلام قبل الهجمات احتمال لقاء بين الرئيسين الأميركي ترمب والإيراني حسن روحاني على هامشها. وقال الوزير الفرنسي «إنها اللحظة التي اختارها المعتدي بالتحديد لتوجيه الضربات» إلى المواقع النفطية السعودية. وأضاف: «هذا التدخل يأتي قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة تماماً، بينما اتخذت فرنسا خصوصاً مبادرات لمحاولة العودة إلى شكل من الطمأنينة في هذه المنطقة»، في إشارة إلى الوساطة الفرنسية لمحاولة إنقاذ الاتفاق النووي الموقع في 2015.
وكرّر لودريان دعوته إلى خفض التصعيد في المنطقة، رافضاً أي تكهنات بشأن عمل عسكري ضد إيران. وقال: «الآن يجب أن نعود إلى مبدأ خفض التصعيد (...) لا أبني خططاً على فرضيات ليست مطروحة اليوم على الطاولة».
بدوره، قال مسؤول في قصر الإليزيه، إنه من المتوقع أن يجتمع الرئيس إيمانويل ماكرون مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمناقشة أزمة إيران على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، أعلنت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، أمس، أن الولايات المتحدة أصدرت تأشيرتي دخول للرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، تسمح لهما بالسفر إلى نيويورك لحضور الاجتماعات السنوية للجمعية العامة الأسبوع المقبل، وفق وكالة «رويترز».