مصري يُجدف بقاربه 1200 كيلومتر من أسوان لـ«المتوسط»

أول مغامر يقطع هذه المسافة من نهر النيل بـ«الكاياك»

المسيري خلال رحلته الطويلة في نهر النيل  -  المغامر المصري نديم المسيري
المسيري خلال رحلته الطويلة في نهر النيل - المغامر المصري نديم المسيري
TT

مصري يُجدف بقاربه 1200 كيلومتر من أسوان لـ«المتوسط»

المسيري خلال رحلته الطويلة في نهر النيل  -  المغامر المصري نديم المسيري
المسيري خلال رحلته الطويلة في نهر النيل - المغامر المصري نديم المسيري

إذكاءً لروح المغامرة، واكتشاف جماليات نهر النيل، أقدم شاب مصري على قطع رحلة تجديف بقوارب «الكاياك» (أحادية الركوب)، من السد العالي في أسوان جنوب مصر، ومُنتهياً في مدينة رأس البر، بمحافظة دمياط الساحلية، عند تقابل نهر النيل مع البحر الأبيض المتوسط، قاطعاً مسافة 1200 كيلومتر، خلال 40 يوماً، ليكون أول مصري يقطع هذه المسافة تجديفاً.
يحكي الشاب نديم المسيري عن مغامرته، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الرحلة تتملكني منذ الطفولة، بل كانت رغبة جامحة لدي، لكني ظللت لوقت طويل أعيشها في خيالي فقط، إلى أن جاء الوقت الذي قررت فيه أن أخرج من عالم الأفكار إلى عالم الواقع لأحول حلمي إلى حقيقة».
جاءت فكرة التجديف من أسوان إلى دمياط بعد سلسلة من المحاولات التي كان يجرب فيها نفسه لمسافات صغيرة، واختار هذه المغامرة على وجه الخصوص لأنه عاشق لنهر النيل، وأراد أن يعيد اكتشاف جمال مصر على ضفاف النهر، ومشاهد سريان المياه من الجنوب إلى الشمال، لا سيما أنه يهوى ويمارس الفن التشكيلي، وله مشاركات في المعارض الفنية داخل مصر وخارجها.
عن تفاصيل الرحلة، يقول المسيري: «كنت أجدف صباحاً حتى غروب الشمس لما يقرب من 10 ساعات، بينما أخلد في الليل إلى الراحة والتزود بالطعام، وقد اعتمدت على المُعلبات التي كانت برفقتي لمدة 10 أيام، كما كنت أخيم للنوم على ضفاف النيل سواء في المزارع أو على الرمال داخل خيمة كانت بحوزتي، وأحياناً كنت أستمر برحلتي ليلاً».
ردود فعل إيجابية وجدها الشاب، صاحب الـ25 عاماً، طوال أيام المغامرة من جانب من يشاهده أو يتعرف على رحلته، إذ كان الناس يدعمونه بشدة ويدعونه لكي يخيم ليلاً لديهم خاصة في مزارعهم، بل منهم من كان يشاركه المبيت تضامناً معه.
ويتابع المسيري: «احتضنني الجميع، رغم أن كثيرين لم يفهموا ما الهدف مما أفعل، فثقافة المغامرة غير منتشرة على الإطلاق في مصر، لا سيما في الأقاليم المصرية البعيدة عن القاهرة، حيث تكون مرتبطة في الأذهان بوجود حافز أو جائزة»، لافتاً إلى أن هذا الدعم الكبير تعلم منه فكرة العطاء دون مقابل، وقرر معه مساعدة من يستطيع تقديم العون له للوصول إلى تحقيق أفكاره وأحلامه دون انتظار المقابل.
أما الصعوبات، حسب صاحب الرحلة، فتمثلت في أن قارب الكاياك ليس من أسرع طرق التنقل، وبالتالي كان عليه الصبر على بطء المسير، خاصة مع الظروف المناخية في شمال مصر حيث عليه مقاومة الهواء الشديد مما يزيد من بطء الحركة، إلى جانب التعب البدني والإرهاق التراكمي نتيجة التجديف لساعات طويلة بشكل يومي. لافتاً إلى أنه تعرض للتسمم في بداية الرحلة مما أوقفه لمدة ثلاثة أيام عن مغامرته لتلقي العلاج والتعافي، وهو ما مثل إحدى الصعوبات التي واجهها أيضاً خلال الرحلة.
يعدد المسيري فوائد مغامرته قائلاً: «تأثرت بالحياة البسيطة التي كنت أعيشها طوال مدة المغامرة، إذ كنت متخففاً من كل سبل الرفاهية، مستكفياً بالقليل في كل الأمور، ورغم ذلك فقد كنت سعيداً للغاية لأن ذلك أعطاني إحساساً بالحرية، والعيش بسلام، وهو شعور أتعطش له حالياً، كما أنني مع ما وجدته من بساطة العيش على طول ضفاف النهر لمست أننا نعيش في المدينة رفاهية تزيد عما نحتاج إليه».
أما أكثر الفوائد برأيه، فهو تمكنه من اكتشاف قدراته الشخصية وإمكانياته البدنية، فعلى سبيل المثال كان يقوم بالتجديف لمسافة 50 كيلومتراً في اليوم، وظن أنه ليس بإمكانه تخطي هذا الرقم كحد أقصى له، ولكنه في أحد الأيام تمكن من التجديف لمسافة 90 كيلومتراً، وهذا جعله يتعرف على إمكانياته الحقيقية واكتشاف ذاته.
ورغم الصعوبات التي اكتنفت هذه المغامرة، فإن المسيري يرى فيها بداية تبعث فيه الثقة نحو تنفيذ خطط أكبر في المستقبل، خاصة أن من نتائج الرحلة أنه اتجه للعمل في مجال سياحة المغامرات، رغم دراسته للهندسة الميكانيكية في الأساس، وهذا ما يشجعه لخوض مغامرات أخرى سواء بقارب الكاياك أو وسائل أخرى، مع الخروج بمغامراته إلى خارج مصر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».