برجيراك... إقليم فرنسي فرض نفسه بمزارع التبغ وفنون العمارة

مدينة غنية بالأنشطة الثقافية
مدينة غنية بالأنشطة الثقافية
TT

برجيراك... إقليم فرنسي فرض نفسه بمزارع التبغ وفنون العمارة

مدينة غنية بالأنشطة الثقافية
مدينة غنية بالأنشطة الثقافية

في الجزء الغربي من إقليم دوردونيي وعلى الضفة الشمالية من النهر الذي يحمل اسم الإقليم الفرنسي، تقع برجيراك. مدينة تعتبر بين أكبر مدن المنطقة ويُجمع الكثيرون أنها تعبق بالفنون والتاريخ. وتتمركز جاذبيتها في المساحة الواقعة إلى الشمال مباشرة من النهر، والتي يشار إليها باسم «القرية القديمة». يتميز هذا الجزء منها بشوارع جميلة وميادين مثيرة للاهتمام ومجموعة متنوعة من المتاجر.
ويضج قلب المدينة الواقع حول «بلاس بيليسيير» بمجموعة متنوعة من المقاهي والمطاعم، ومليئة دوماً بالأزهار والورود. كما تتميز كنيسة سانت جيمس ببرج متميز به جرس الكنيسة.
حول «بلاس بليسيير» توجد الكثير من الشوارع القديمة بمعمارها الفريد، الذي يعود بعضه إلى العصور الوسطى، أبرزها شارعا «سانت كلار» و«سانت جيمس». ويتسم الأول، على وجه الخصوص، بضيقه ومنازله نصف الخشبية.
ويمكن للسائح تخصيص بعض الوقت للتجول حول شوارع الجزء القديم من المدينة والاستمتاع بالمعمار المثير ليأخذ فكرة عن تاريخها العريق. قرب النهر، يوجد ميدان «بلاس ميرب» الذي تحيطه مبان نصفها من الخشب، يتيح الاستمتاع ببعض الظلال اللطيفة في أيام الحر، علما بأن المدينة تستضيف خلال الصيف بعض الحفلات الموسيقية، بينما يقام فيها، في شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، سوق رفيع المستوى تُعرض فيه منتجات من صنع حرفيين محليين.
أيضاً، تستضيف المدينة المتحف الوطني للتبغ، كون التبغ عمودا اقتصاديا مهما، ومن المحاصيل المهمة بالإقليم.
بعيداً عن القلب القديم للمدينة، هناك وجه آخر لبرجيراك، أكثر حداثة وإن كان يضم عددا من الشوارع التقليدية تتراص جنبا إلى جنب المتاجر العصرية، إضافة إلى مجموعة من المطاعم المتمركزة في الجزء القديم الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى والجزء الحديث.
بعد استكشاف برجيراك، يمكن للزائر الخروج في نزهة بالقارب على النهر، يمكن خلالها الاستمتاع بالكثير من معالم المدينة والمناطق الريفية المجاورة.
أماكن يمكن زيارتها قرب برجيراك
- قصر مونبازيلاك الذي يفتح أبوابه للزائرين في معظم الأوقات. وإلى الجنوب من برجيراك توجد مدينة إيميت الرائعة، وخلفها مباشرة توجد عدد من المدن تضم قلاعاً قديمة داخل إقليم «لو إيه غارون». كما يمكن لعشاق الحدائق الاستمتاع بزيارة حديقة «دي ساردي» الواقعة على بعد نصف ساعة بالسيارة من غرب برجيراك.
- إذا كنت تسافر برفقة أطفال، فإنك لن تتعب في إيجاد أماكن للترفيه عنهم بسهولة. فإضافة لوجود الكثير من القلاع والكهوف بالمنطقة، تُوفر برجيراك نشاطات ممتعة. كما أن الطريق إلى مدينة بوردو المجاورة يوفر مراكز ترفيهية وألعابا وملاهي مائية، يمكن أن ترفه عنهم وتُبعد الملل عن نفوسهم. كما توجد بحيرة مناسبة للسباحة تدعى «لاك دي بومبون» تحيط بها عدد من مطاعم بيع البيتزا ومأكولات صينية وساندويتشات برغر.
- أما إذا كانت الغاية من الرحلة ثقافية، فإن برجيراك تتضمن قائمة طويلة من المتاحف، نذكر منها متحف التبغ: ويوجد داخل ميزون بيراريد، والذي يعرف كذلك باسم قصر هنري الرابع. ويعتبر المتحف واحداً من أكثر مباني المدينة جمالا، نظرا لطرازه المعماري الذي يجمع أسلوب عصر النهضة بأسلوب العصر الكلاسيكي. ويضم المتحف الكثير من القطع الفنية المرتبطة بالتاريخ الاجتماعي والثقافي للتبغ.
أما مبنى متحف كوستي فيتميز بسقف مقوس، ويضم منحوتات مصنوعة من البرونز والجص من إبداع كونستانتان باباكريستوبولوس، والذي يعرف باسم كوستي (1906 - 2004)، بينما يحوي متحف المدينة معروضات على صلة بتاريخ برجيراك. ويركز على الأهمية التاريخية للنهر وتاريخ نمو المدينة وتوسعها. ويفتح الباب أبوابه كل يوم وتبلغ تكلفة دخوله للبالغين 3 يوروات.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».