«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

المنظمات المتشددة تستفيد من الدعم المالي والمواقع الإلكترونية لتطوير مهاراتها.. وانتشارها «بات خارج السيطرة»

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية
TT
20

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

لم يشهد إعلام المنظمات الجهادية تطورا بصريا، وانتشارا بهذا الحجم، قبل الصيف الحالي، إذ بات هذا الإعلام، الذراع الدعائية القادرة على تجييش الرأي العام، وحثه على تحويل المنظمات المصنفة إرهابية إلى حديث الساعة، سواء عند المؤيدين والمعارضين. وفيما تستفيد المنظمات الجهادية من التطور التقني، والانفتاح الإلكتروني لبث دعايتها، وتحقق انتشارا أوسع، اتجهت منذ بداية الصيف الحالي إلى مأسسته، وتطويره على نحو يضاهي الإنتاج السينمائي، فضلا عن استخدامه كأداة توثيقية إلكترونية، مستفيدة من الدعم المادي الهائل الذي تمتلكه المنظمات الجهادية.
وبينما كان تنظيم «القاعدة» يعتمد على المقاطع الصوتية لقيادييه، قلب تنظيم «داعش» وتنظيم «جبهة النصرة» كل المفاهيم السابقة، لتحويل الضخ الإعلامي باتجاه الصورة، التي تعادل عشرة آلاف كلمة، بحسب المفاهيم الإعلامية، مرفقة بمقاطع حية.
ويتنافس التنظيمان الآن، استنادا إلى الخصومة السياسية والفقهية والآيديولوجية بينهما، على بث مواد إعلامية تقاتل على جبهتين؛ الأولى تتمثل في القتال الإعلامي بينهما، والثانية تتمثل في القتال ضد الخصوم، وهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، و«حزب الله» اللبناني، والحكومة اللبنانية، والحكومة العراقية، والمقاتلين الأكراد، إضافة إلى الحكومات الغربية التي تحالفت أخيرا لضرب «داعش» في العراق.
واتسعت دائرة القتال الإعلامي من الصوت إلى الصورة والبيان الصحافي، ثم الصور القليلة الجودة التي كانت تُصور بكاميرا الجوال، وصولا إلى الصورة المحترفة، الخاضعة لعملية مونتاج دقيقة بهدف إبراز الجانب المنوي الإضاءة عليه، مرفقة بخلفية صوتية، تنسجم مع الامتداد العقائدي لتلك المنظمات.
وإذا كانت «جبهة النصرة» (فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام) اتجهت إلى مأسسة ذراعها الإعلامية، تحت عنوان مؤسسة «المنارة البيضاء» منذ شهرين، ودشنتها بفيديو يوثق معركة مقاتليها ضد مقاتلي «حزب الله» في جرود القلمون بريف دمشق الشمالي، فإن «داعش» كان السباق إلى مأسسة ذراعه الإعلامية «الفرقان»، وهي مؤسسة الإنتاج البصري الأبرز في التنظيم، قبل تطوير الخيارات إلى مؤسسات أخرى، وإنشاء صحف ناطقة بلغات أجنبية إلى جانب العربية «لتلبي حاجات مقاتليها المهاجرين (الأجانب)»، إضافة إلى إنشاء إذاعات محلية في مناطق سيطرتها.
وانطلقت «الفرقان»، بوصفها مؤسسة إعلامية محترفة، من تصوير فيديو «إعلان الخلافة»، الذي ظهر فيه زعيمها أبو بكر البغدادي، في شهر يوليو (تموز) الماضي، يعلن فيه إقامة دولته في العراق وسوريا. كان ذلك الظهور الأول والأخير للبغدادي، لكن وقعه كان صادما. فقد اعتمدت «الفرقان» تصوير زعيمها بـ5 كاميرات عالية الدقة، من زوايا مختلفة، تسلط الضوء على تفاصيل تحرك البغدادي، وتنقل تعابير وجهه ويديه، وتبرز جزءا من شخصيته.
قرأ الإعلام الغربي في تلك الصورة جانبا دعائيا ضخما لتصوير هالة الزعيم، ونقل صورته إلى ملايين المشاهدين حول العالم، بوصفه زعيما لمنظمة «يفوق منافسه زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن تأثيرا»، خصوصا فيما يرتبط باختيار المكان. وساهم في ذلك التطور التقني وطريقة اختيار اللقطات، والتقطيع المشهدي لصورة البغدادي. ويرجع الخبير في الإعلام والاتصال د. محمود طربيه، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تلك الاحترافية في نقل الصورة، إلى «الموارد المالية الضخمة التي يمتلكها تنظيم (داعش)، والكفاءات في استخدام تلك التقنيات، والاستفادة من التجربة الغربية في التصوير السينمائي»، فضلا عن «إتقان المنظمة لسر الحرب الإعلامية والجانب النفسي والدعائي، مما يكرس وجود التنظيم في العالم كنقطة لجذب الأنظار إليه»، مشيرا إلى أن تلك الصورة «دفعت العالم إلى متابعة التنظيم».
ويقول طربيه إن فيديو «إعلان الخلافة»، يمثل «التأكيد على أن (داعش) يتقن اللعبة الإعلامية على أصولها»، كونه «في مجال الإعلام، إذا لم تقترن الرسالة بنوعية محددة من الشكل والمضمون، فإن قدرتها على الاستمرارية تنخفض إلى حدود موازاتها برسالة يقدمها هاوٍ». وعليه، فإن «وجود الكاميرات وعملية اختيار اللقطة وطريقة وقوفه، وإظهار ساعة اليد في يمناه التي أثارت وسائل إعلام عالية لمتابعتها، تنم عن احترافية عالية»، لافتا إلى أن الفريق الإعلامي في «داعش».. «يتمتع بمهارات إعلامية (ميديا سكيلز) لاختيار الكلمات القادرة على التحشيد دعائيا، استنادا إلى ثقافة دينية واسعة، وإلمام بالمفردات والآيات القرآنية التي تصب في الهدف»، وذلك وفقا لقاعدة أن «الإعلام هو ذراع، لا سياسة ولا حرب بلا إعلام توصل فيه إلى الخصم والحليف».
ويرى طربيه أن أداء فريق مؤسسة «الفرقان».. «يدل على أنهم متمرسون بالعمل الدعائي لإبراز قضيتهم للخصم وللمؤيد والحليف بأنهم موجودون، وقد استفادوا من التطور التقني الحالي».
ولا يقتصر إعلام «داعش» على مؤسسة «الفرقان»، فقد أوسع ماكينته الإعلامية لتشمل مؤسسات إنتاج مرئي أخرى، مثل «الاعتصام» و«الحياة» و«أجناد»، ووكالة أنباء «البركة»، ومجلات بالعربية والإنجليزية مثل «دابق» و«الشامخة»، وإذاعات مثل إذاعة «البيان» في معقله بالموصل، وإذاعة أخرى ينوي إطلاقها في الرقة (شمال سوريا)، كما يحضر لإطلاق محطة تلفزيونية خاصة به، من غير أن يتنازل عن العمل في المدونات، أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، وترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية، مثل الألمانية والإسبانية.
وعلى النقيض، لا تزال الماكينة الدعائية لدى «جبهة النصرة»، محصورة بـ«المنارة البيضاء»، وإذاعة «فجر الجهاد». ونشرت مراسلين لـ«المنارة البيضاء» على طول الجغرافيا السورية، في القلمون بريف دمشق، والقنيطرة ودرعا وحلب ودير الزور شرقا، وفي حمص وسط البلاد.
وتصدر أفلاما لعمليات بعد يوم على الأقل لحدوثها، تتضمن مشاهد حية، بعد خضوعها لعمليات المونتاج والميكساج، وإضافة المقاطع الصوتية. وكانت برزت أيضا في تصوير اعترافات رهائن لديها بطريقة سينمائية، وبثها في مواقع الإنترنت.
بالفعل، رسم التطور الإلكتروني معالم انتشار واسع في العالم الافتراضي للمجموعات المتشددة التي تعتمد الفضاء الإلكتروني وسيلة للتحشيد وتقديم نفسها بوصفها منظمات تتمتع بحيثية واسعة في العالم، حتى باتت صفحاتهم، سواء في «تويتر» أو «فيسبوك» أو «يوتيوب»، مصدرا بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدي.
ويقول طربيه: «يجب ألا ننسى أن وسائل التواصل تساهم في انتشار الفيديوهات من شخص إلى آخر، لتكون جزءا من الإدراك لسر الاستمرارية والترويج لرسالة تلك المنظمات، في ظل إتاحتها الفرصة لمليارات الناس لمشاهدتها عبر مواقع التواصل».
ويضيف: «الإنترنت منذ أيام (تنظيم القاعدة) حتى اليوم، لطالما كان وسيلة للانتشار، لكن ما حصل أنه مع التطور ودخول وسائل التواصل والقنوات، مثل (تويتر) على خط الترويج، فإنه كان البديل عن المنع الذي يلحقهم في وسائل الإعلام العامة، وبالفعل بات لهم متابعون»، لافتا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي «تعوّض عن بث الرسالة في قنوات كانت تعرضها، مثل (الجزيرة) في السابق، وباتت طريقهم الأقصر إلى مختلف القنوات الأخرى».
غير أن هذا الجانب، ليس الحيّز الوحيد الذي منح «داعش» أفضلية على سائر المنظمات الأخرى من ناحية الانتشار. فقد بث التنظيم مقاطع الفيديو والرسائل في آلاف الحسابات الإلكترونية في وقت واحد، بما يحقق انتشارا لها، من دون خضوعها لرقابة أو فلترة.. وهي استراتيجية ترويج إلكترونية مبتكرة، للتحايل على القيود. تلك المهارة التقنية والقدرة التكنولوجية، يقف وراءها عقل مدبر، هو الأميركي من أصل سوري أحمد بوسمرا، كما كشفت تقارير أميركية، قبل أسبوعين.
وحال اعتماد هذه التقنية، دون المنع العالمي لمواقع وصفحات الجهاديين، ومحاولات إغلاق الصفحات الجهادية التي يضغط الغرب باتجاه حجبها. لكن تلك العملية مستمرة، ويبدو أنها قوضت إلى حد كبير انتشار الجهاديين، بدليل إطلاقهم حملات دعم واسعة لحسابات بديلة، عبر حسابات أخرى، بعد إقفالها.. وبدليل تهديد التنظيم بشن هجمات إلكترونية ضد أهداف غربية، نظرا إلى محاولات التنظيمات الجهادية، الوصول إلى معدات إلكترونية تساعدهم على شن تلك الهجمات.
لكن حجب تلك المواقع، ومحاصرتها، ليست مهمة سهلة. ويقول عميد كلية الإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا في لبنان د. جورج فرحة لـ«الشرق الأوسط»، إن انتشار المنظمات الإرهابية في القضاء الإلكتروني «بات خارج السيطرة، ولم يعد بالإمكان ضبطه»، رغم محاولات تلك المنظمات «الانكفاء قليلا، وتجميد بعض أنشطتها منعا للرقابة». ويرى أن القدرة العالمية على منع تلك المنظمات من توجيه الرسائل «ليست متوفرة الآن، بعدما تبين أن تلك المنظمات تمتلك أشخاصا محترفين في البروباغندا، ويعملون على مستويين؛ الأول يتمثل في الضغط على جمهور معين، عبر تقديم صورتهم المخيفة، عن طريق أسلوبي الترغيب والترهيب، أما الثاني فيتمثل في طريقة تقديم أنفسهم بصورة محددة إلى الجمهور»، موضحا أن المنظمات الجهادية «باتت تعرف جيدا اختيار جمهورها بطريقة محترفة».
ويضيف: «في السابق، كان يمكن السيطرة على التلفزيون، أما الآن، فإن السيطرة على مواقع التواصل ليست سهلة، في ظل النقاش المستمر حول الحريات وإشكالية الحرية الشخصية».
لكن ذلك «ليس مستحيلا»، بحسب ما يقول فرحة.. «إذا وجدت إرادة لمنعهم وإقفال منافذهم». وحتى تحقيق ذلك «تواصل المنظمات تسويق نفسها دعائيا باستخدام الصورة للتأثير على فئات الشعب، وجمهور خائف من ممارساتهم».



الصين تعيد رسم ملامح المستقبل التقني والتواصلي والإعلامي

بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)
بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)
TT
20

الصين تعيد رسم ملامح المستقبل التقني والتواصلي والإعلامي

بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)
بايت دانس... الشركة الأم لـ"تيك توك" (أ ف ب / غيتي)

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالتحولات الجيوسياسية والاقتصادية، تمضي الصين بخطوات ثابتة نحو إعادة تشكيل المستقبل التكنولوجي والتواصلي والمعلوماتي والاقتصادي.

خلال الدورتين السنويتين لمجلس الشعب الوطني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني المنعقدتين أخيراً في بكين، تم الكشف عن عدة مفاهيم جديدة تعكس الطموحات الصينية في ريادة التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي. من بين هذه المفاهيم، برزت تقنية الجيل السادس (6G)، والذكاء المتجسد، وشركات «الغزال» و«اليونيكورن»، التي تُظهر جميعها كيف تتأهب الصين للهيمنة على مستقبل الابتكار التكنولوجي والاقتصاد الرقمي.

قفزة نحو الإدراك الذكي

في حين أن تقنية الجيل الخامس (5G) لا تزال قيد التوسع عالميًا، بدأت الصين بالفعل في العمل على تطوير الجيل السادس (6G). ويُتوقع أن تكون سرعة 6G أعلى بعشر مرات من 5G، ما يعني إمكانية نقل البيانات بشكل أسرع مع زمن استجابة أقل، وهو ما سيتيح تحقيق مستويات جديدة من التواصل بين الأجهزة والذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء.

بيد أن الأهم من السرعة، هو مفهوم «الإدراك الذكي» الذي سيجلبه 6G. ففي حين أن شبكات الاتصال الحالية تعتمد على نقل البيانات فقط، فإن تقنية الـ6G ستُدخل تقنيات الإدراك والذكاء التكيّفي، ما يسمح للأجهزة ليس فقط بالتواصل، بل أيضاً بفهم البيئة المحيطة وتحليلها والتفاعل معها بذكاء غير مسبوق.

الصين بدأت بالفعل اختباراتها على 6G، حين أطلقت أول قمر اصطناعي بتقنية 6G في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وهي تعمل راهناً على تطوير معايير هذه التقنية بحلول 2025، مع توقعات بتسويقها عالمياً بحلول عام 2030. وهذا يعني أن الصين لا تكتفي فقط بقيادة تطوير 6G، بل تسعى أيضاً إلى وضع المعايير العالمية لهذه التقنية، ما يمنحها نفوذاً تكنولوجياً واقتصادياً واسع النطاق.

شعار ديدي تشوزينغ على مبنى الشركة في بكين (رويترز)
شعار ديدي تشوزينغ على مبنى الشركة في بكين (رويترز)

الذكاء المتجسد: اكتساب الآلات وعياً بشرياً

من جهة ثانية، إذا كان الذكاء الاصطناعي قد بدأ في تغيير أسلوب حياتنا وأعمالنا... بل وحتى إعلامنا، فإن الصين تعمل على دفعه إلى المستوى التالي من خلال ما يُعرف بـ«الذكاء المتجسد».

الفكرة الأساسية وراء هذا المفهوم هي دمج الذكاء الاصطناعي في الكيانات المادية، مثل الروبوتات، بحيث لا تقتصر على تنفيذ الأوامر بل تتمتع بقدرة على الإدراك الحسي والتفاعل العاطفي والتكيف مع البيئات المختلفة... مثل البشر تماماً.

هذا التطوّر ستكون له تطبيقات ضخمة في مجالات مثل الطب، الصناعة، والخدمات اللوجيستية. تخيل أن تمتلك الروبوتات القدرة على «الشعور» كما البشر، مما يسمح لها بالتعامل مع المهام الدقيقة مثل الجراحة ورعاية المسنين، أو حتى التواصل والتفاعل الاجتماعي في خدمة العملاء.

الصين تُركز بشكل كبير على تطوير هذا المجال، وتستثمر مبالغ ضخمة في أبحاث الروبوتات الذكية والأنظمة المستقلة، مما يعكس إدراكها لأهمية هذا المجال في رسم ملامح الاقتصاد المستقبلي.

الطفرة السريعة في ريادة الأعمال التقنية

إلى جانب تطوير التقنيات المتقدّمة، تعمل الصين على بناء بيئة حاضنة للشركات الناشئة العالية النمو. واحد من المفاهيم الجديدة التي جرى طرحها أخيراً هي «شركات الغزال»، وهذه هي الشركات التقنية التي تظهر فجأة في السوق، وتحقّق نمواً هائلًا خلال فترة قصيرة جداً، متجاوزة في بعض الأحيان الشركات التقليدية العملاقة.

هذه الشركات تختلف عن شركات «اليونيكورن» من حيث سرعة النمو، فهي تركّز على الابتكار السريع والدخول القويّ إلى السوق وتحقيق أرباح هائلة في وقت قياسي. ومن الأمثلة على ذلك، شركات التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، التي تشهد طفرة هائلة في الصين، خصوصاً، في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والخدمات المالية الرقمية.

الحكومة الصينية تدعم هذا التوجّه من خلال تقديم حوافز مالية، وتسهيلات قانونية، وبنية تحتية متطورة، ما يجعل الصين بيئة مثالية لهذه الشركات التي ستغيّر معالم السوق في السنوات المقبلة.

«اليونيكورن»: حاضنات الابتكار والتقنيات الفريدة

بالإضافة إلى شركات «الغزال»، تواصل الصين العمل على تعزيز نمو شركات «اليونيكورن»، وهي الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار قبل أن تُدرج في البورصة. وتتميّز هذه الشركات عادةً بامتلاك تقنيات مبتكرة ومزايا تنافسية قوية، ما يجعلها لاعبًا رئيساً في الاقتصاد الرقمي. في عام 2023، كانت الصين ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد شركات «اليونيكورن»، بعد الولايات المتحدة. ويُتوقع أن تستمر هذه الشركات في النمو بفضل دعم الحكومة الصينية والطلب المتزايد على التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتكنولوجيا المالية.

أبرز شركات «اليونيكورن» في الصين

- بايت دانس ByteDance (الشركة الأم لـTikTok).

- ديدي تشوزينغ Didi Chuxing (أكبر منصّة للنقل الذكي في الصين).

- زياومي Xiaomi (إحدى أكبر شركات الهواتف الذكية في العالم).

هذه الشركات لا تقتصر على السوق المحلية، بل أصبحت تنافس على المستوى العالمي، ممّا يعزّز النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي للصين.

الصين وتشكيل المستقبل

وهكذا، من خلال التركيز على 6G، الذكاء المتجسد، وتعزيز نمو الشركات الناشئة مثل «الغزال» و«اليونيكورن»، تُثبت الصين أنها ليست فقط جزءاً من السباق التكنولوجي، بل إنها تسعى لتحديد قواعد اللعبة المستقبلية. وفي حين أن الدول الأخرى ما زالت تناقش تأثيرات الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس، فإن الصين تضع معايير الجيل التالي من الابتكار، الأمر الذي يضعها في موقع الريادة المستقبلية. بالنظر إلى هذه التطورات، من الواضح أن العالم مقبل على تغييرات جذرية ستقودها الصين في السنوات المقبلة، وهو ما يستدعي من باقي الدول متابعة هذه التحوّلات، والتكيف معها، والاستثمار في الابتكار لضمان البقاء في السباق.

ومن ثمّ، فإن السؤال المطروح الآن هو: هل سيدرك العالم حجم هذا التحوّل قبل فوات الأوان؟

*رئيس «معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث»

رئيس «الرابطة العربية ـ الصينية

للحوار والتواصل» بيروت: وارف قميحة*